إقالة الحلبوسي تعقد المشهد العراقي وتفتح باب الاحتمالات
لم يكن رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي يتوقع أن يضطر إلى الخروج من قاعة البرلمان بعد لحظات على عقده الجلسة، بالتزامن مع إعلان المحكمة الاتحادية العليا في البلاد إنهاء عضويته في البرلمان بأمر “بات وملزم”، وهو الحكم الذي لا تزال مآلاته السياسية مجهولة، خصوصاً مع السيطرة الواضحة للقوى الموالية لإيران على المشهد السياسي والأمني في البلاد.
وبات الباب مفتوحاً أمام جميع الاحتمالات في المشهد السياسي العراقي، مع حديث مراقبين عن تخلص قوى “الإطار التنسيقي” من أول حلفاء الصدر ضمن “التحالف الثلاثي”، مما يضع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” أمام “فوهات المدافع السياسية” لحلفاء طهران، بحسب مراقبين.
وخلال السنة الأولى من عمر حكومة “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية” برئاسة محمد شياع السوداني، فتحت تلك الأطراف جبهات عدة مع رئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي، إذ لم تتوقف عند حدود محاولات إزاحته سياسياً، بل التحرك لإقالة عدد من المسؤولين الموالين له، فضلاً عن استقدام مطلوبين للقضاء العراقي بتهم إرهاب ليكونوا منافسين سياسيين ضمن مساعي إزاحته سياسياً.
مرحلتان إضافيتان بعد الإقالة
يقول مصدر مقرب من الحلبوسي إن قضية إقالته كان يجري التحضير لها منذ اللحظات الأولى لوصول “الإطار التنسيقي” إلى السلطة، مبيناً أن قوى رئيسة داخل الإطار حاولت تمريرها في أكثر من مناسبة بالاعتماد على وسائل مختلفة “كمعاقبة له على تحالفه مع الصدر بعد انتخابات عام 2021″، ويضيف أن “عدم نجاح تلك القوى في تنفيذ الإقالة دفعها إلى الاعتماد على الملفات القضائية”.
وتحدث المصدر عن ثلاث مراحل لتنفيذ حراك الإقالة الأخير، تمثلت المرحلة الأولى في “إقالة الحلبوسي، ومن ثم حظر ’حزب تقدم‘ من المشاركة في الانتخابات المحلية المقبلة باعتباره مسجلاً في المفوضية باسم الحلبوسي”، أما المرحلة الثالثة، فتتمثل في “ملاحقة رئيس البرلمان قضائياً بملفات عدة”.
وعن بدائل الحلبوسي في رئاسة البرلمان، لفت المصدر إلى أن “اجتماعاً عقد أمس الأول (الثلاثاء) ضم عدداً من قيادات القوى السنية، من بينهم خميس الخنجر ومثنى السامرائي ورافع العيساوي وآخرين للبحث عن بدائل للحلبوسي”.
وأضاف أن التنافس في الفترة الحالية يجري بين كل من “مثنى السامرائي أو أحد نواب كتلته ونواب كتلة خميس الخنجر فضلاً عن وزير الدفاع السابق والنائب خالد العبيدي”، وختم أنه “من المفترض أن يعقد اليوم (الأربعاء) اجتماع للإطار التنسيقي لبحث قضية تأجيل الانتخابات المحلية لثلاثة أشهر، خصوصاً أن الحلبوسي كان طرفاً رئيساً في تحالف ’إدارة الدولة‘ المشكل للحكومة”.
الإطار التنسيقي ينفي
وكثيراً ما نفت أطراف رئيسة داخل “الإطار التنسيقي” ضلوعها في مساعي إقالة الحلبوسي، وشددت على أنها لم تطرح تلك القضية، خصوصاً أنها تتعلق بالمكون السني ضمن آلية توزيع المناصب في البلاد والتي تعتمد حصص المكونات.
في المقابل، ترمي قوى “الإطار التنسيقي” الكرة في ملعب القضاء العراقي في نفي واضح للاتهامات بضلوعها في ملف إقالة رئيس البرلمان.
ونفى القيادي في “الإطار التنسيقي” تركي العتبي وجود ضغوط سياسية لتمرير ملف إقالة الحلبوسي، قائلاً إن “قرار إنهاء عضويته صدر من أعلى محكمة في العراق، وبناءً على أدلة وبراهين موضوعية في قضية النائب السابق ليث الدليمي”، وتابع أن “كل الخبراء في المجال القانوني يذهبون مع رأي المحكمة باعتبارها جهة الاختصاص”.
وعبر عن تفهمه لـ”ردود الفعل السياسية”، مبيناً أنها “يجب أن تكون وفق مسارات لا تؤدي إلى ضرر بالمصلحة العامة”، ولفت إلى أن “استقالة وزراء حزب تقدم بعد إبعاد الحلبوسي من مجلس النواب لن تشل حكومة السوداني”.
في السياق، اعتبر النائب ليث الدليمي أن “الإقالة المزورة التي استخدمها رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي ضده بتاريخ 15 يناير (كانون الثاني) 2023، مثلت بداية المشكلة التي أنهت عضويته في البرلمان”.
وتابع في تصريح صحافي أنه “عندما كان الممثل القانوني السابق لرئيس البرلمان، يحضر جلسات المرافعة ويطلب منه الإجابة عن أسئلة المحكمة، اعترف أن الشطب وآليات التزوير قام بها الحلبوسي شخصياً”، مردفاً أن “الممثل القانوني اعترف بأن الحلبوسي نفسه أبلغه بأنه هو من قام بتزوير الوثائق وعدل تواريخ الإقالة”.
جانب سياسي طاغ
ومن على منصة رئاسة البرلمان أبدى الحلبوسي دهشته من القرار، وعبر عن استغرابه “صدور قرارات لا تحترم الدستور، ومن الوصاية التي ترد إليهم ولا نعلم من أين تأتي”.
وتابع أن “هناك بعض الأطراف تحاول تفتيت المكونات السياسية للمجتمع ولا نعلم إلى أين تتجه المحكمة الاتحادية بإصدار مثل هذه القرارات”، مؤكداً لجوءه إلى “الإجراءات التي تحفظ الحقوق الدستورية”.
وتفتح ما يصفها مراقبون بـ”حملة الانتقامات السياسية” الباب أمام شكوك ومخاوف تتعلق بإمكان استغلال الأوضاع لتوسيع حلفاء طهران نفوذهم على الساحة السياسية في البلاد.
في السياق، يقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة “غالوب الدولية” منقذ داغر إن “الجانب السياسي في قرار إقالة رئيس البرلمان العراقي أهم من الجانب القانوني ويطغى عليه بغض النظر عن حيثيات القضية”، مبيناً أن “توقيت ومحتوى القرار يوضحان الجوانب السياسية منه”.
ويضيف داغر لـ”اندبندنت عربية” أن “الإطار التنسيقي يحاول منذ مدة استثمار التفوق الساحق الذي يحظى به على الساحة السياسية”، لافتاً إلى أن “خروج التيار الصدري من معادلة الحكم دفع تلك الأطراف إلى محاولة زيادة التمدد في كل مكان حتى المناطق السنية”.
ولعل إدراك أطراف “الإطار التنسيقي” والذين كانوا في وقت سابق حلفاء للحلبوسي أن الأخير “بات لا يخدم مصالحهم كما يجب”، بحسب داغر، كان الأمر الرئيس الذي دفعهم إلى “اتخاذ خيار إزاحته”.
وتشير “دلالة التوقيت” بالتزامن مع قرب الانتخابات المحلية، وفق داغر، إلى أن الغاية الرئيسة من هذا القرار هي “تسهيل مهمة السيطرة على المناطق السنية”.
وتابع أن زيارة رئيس الحكومة محمد شياع السوداني إلى أربيل “لا يمكن أن تخرج من حدود محاولة تهدئة بقية القوى السياسية وطمأنتها بأنها خارج سياق الاستهداف”، لافتاً إلى أن “التداعيات السياسية لهذا القرار ستكون كبيرة جداً، فزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ليس ساذجاً لتمر عليه تداعيات هذا الموقف بسهولة، خصوصاً مع صدور أحكام عدة ضد الإقليم من قبل المحكمة الاتحادية في وقت سابق”.
ويختم أن “العراق سيكون مقبلاً على تطورات عدة، لا سيما أن واشنطن ستولي اهتماماً كبيراً لعدم تأجيج المدن السنية كما حصل في فترة حكم المالكي”، مستبعداً “مرور تلك القضية بسهولة في الاعتبارات الدولية”.
مراحل “الانتقام والإزاحة”
لا تتوقف حدة الخلافات مع الحلبوسي عند حدود تحالفه مع الصدر، بل تعود لما قبل تشكيل الحكومة الحالية، خصوصاً مع وقوع اشتباكات عدة حفزتها جماعات مسلحة على رأسها ميليشيات “كتائب حزب الله” في محافظة الأنبار، معقل رئيس البرلمان، في محاولة لتمكين شخصيات سياسية مقربة منها من القرار السياسي في المحافظة.
وعلى رغم وجود كتلة الحلبوسي ضمن تحالف “إدارة الدولة” المشكل للحكومة والذي يتضمن “الإطار التنسيقي”، إلا أن منصات التيارات الموالية لإيران لم تتوقف عن إظهار مواقف متشددة إزاءه طوال الأعوام الماضية.
وكانت قوى سنية عدة دخلت خلال الأشهر الماضية على خط الخلافات بين رئيس البرلمان والقوى الموالية لإيران، في مسعى منها لشغل مساحة في الحراك السياسي السني مع اقتراب الانتخابات المحلية، من خلال تأسيس تحالف “حسم” الذي ضم معارضين سنة للحلبوسي.
ووصلت بوادر الحراك باتجاه عزل الحلبوسي إلى قمتها منتصف شهر يوليو (تموز) الماضي مع حديث شخصيات سياسية سنية عن التوصل إلى مراحل غير مسبوقة والحصول على تأييد أكثر من نصف نواب السنة في البرلمان لإقالته.
وكانت أطراف رئيسة داخل “الإطار التنسيقي” نفت ضلوعها في هذا المسار، وعلى رأسهم رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي الذي قال حينها إن “الإطار لم يطرح قضية إقالة الحلبوسي وإن هذا الأمر يخص السنة من أجل التغيير”.
وسبق أن واجه الحلبوسي مساعي إقالته في أوقات عدة بالاعتماد على “آلية التوافق” المعتمدة في توزيع المناصب، إذ شدد في أكثر من مناسبة على “التزام ورقة الاتفاق السياسي” التي أدت إلى تشكيل الحكومة.
وفي الفترة ذاتها، قاد السوداني ما سمي حينها “ثورة التغييرات” في محافظة الأنبار التي رأى مراقبون أن الغاية الرئيسة منها كانت “تحييد نفوذ الحلبوسي في المحافظة”.
خطى ثابتة لإنهاء التوافق
في المقابل، يقول أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي إن “الإطار التنسيقي يقوم بعملية إلغاء السياق التوافقي في البلاد وإنهاء مبدأ الفيدرالية الدستورية، ومحاولة العودة لجعل سلطته مركزية على البلاد”، ويضيف أن هذا المشروع “يسير بخطى تدريجية، فتمكن في العام الماضي من دفع الصدر إلى الاعتزال والآن إقالة الحلبوسي، مما يضع الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يمثل ثالث أركان تحالف الصدر السابق أمام جميع الاحتمالات”.
وعلى رغم أن “الحلبوسي لم يكن معارضاً أو مشاكساً للإطار، بل كان أحد أكثر الشخصيات تساهلاً مع القوى الموالية لإيران” على حد تعبير الهيتي، إلا أن محاولة “الإطار التنسيقي الانطلاق نحو تسلط جديد تطلبت التضحية به وإيجاد أطراف بديلة أضعف وأقل نفوذاً”.
ويلفت إلى أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني في مأزق الآن لأنه مستند إلى ما تبقى من معادلة الشراكة والفيدرالية”.
المصدر: اندبندنت عربية