الدفع بمئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دائرة الفقر وانهيار منظومة الحياة في غزة و25 مليار دولار تكلفة إعادة الإعمار
مع مرور 200 يوم على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، ألقت تبعات الحرب أوزارها الثقيلة على كافة المستويات، ومن أبرزها الجانب الاقتصادي بما أحدثته من صدمات اقتصادية دفعت بمئات الآلاف من الفلسطينيين إلى دائرة الفقر المدقع.
فالوضع الاقتصادي بالقطاع كان يعاني بالفعل من قبل اندلاع الحرب في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي. ويجمع الآن المسؤولون والخبراء الاقتصاديون على أن الأمر بات في غاية الصعوبة، وسيحتاج سنوات طوالا ليعود لمستوى يقرب مما كان عليه قبل الحرب.
ويشير المسؤولون والخبراء إلى حجم الدمار في الاقتصاد وفي البنية التحتية التي ستحتاج مليارات الدولات من أجل إعادة إعمارها، وإلى مدى تعميق الحرب لأزمة البطالة في قطاع غزة والتي كانت تُعد الأعلى على مستوى العالم قبل الحرب.
ويقول مدير دائرة السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية رشاد يوسف إن الخسائر الاقتصادية في غزة بسبب الحرب تندرج لشقين، الأول خسائر الناتج المحلي الإجمالي، والآخر يتعلق بالبنية التحتية نتيجة تدمير المباني والمنشآت والطرق.
وتابع قائلا لوكالة أنباء العالم العربي “حسب آخر التقارير قُدرت خسائر الناتج الاقتصادي المحلي في الضفة الغربية وقطاع غزة مع نهاية الشهر السادس للحرب بنحو 3.2 مليار دولار، منها مليار ونصف المليار دولار في قطاع غزة نتيجة تعطل الطاقة الإنتاجية للمنشآت الاقتصادية في غزة”.
وأضاف أن الأضرار المادية في البنية التحتية والمباني حسب تقرير البنك الدولي تقدر بنحو 18.5 مليار دولار خلال الأشهر الأربعة الأولى من الحرب، وهناك توقعات بأن يتجاوز الرقم 25 مليار دولار بعد ستة أشهر من الحرب المتواصلة.
وأردف قائلا إن الخسائر في المباني السكنية التي تضرر 75% منها تصل إلى نحو 13 مليون دولار، كما تصل قيمة خسائر المنشآت الاقتصادية التي تهدمت إلى 1.6 مليار دولار.
* جميع القطاعات تضررت
يؤكد المسؤول الفلسطيني أن جميع القطاعات في غزة تضررت، سواء التجاري منها أو الصناعي أو الخدمي.
ويقول “عندما نتحدث عن إعادة إعمار البنية التحتية هناك، ستتراوح التكلفة ما بين 20 و25 مليار دولار. ومع مرور الوقت واستمرار الحرب سيزيد المبلغ الذي تتطلبه هذه العملية”.
وأشار إلى أن عدد المنشآت الصناعية التي تضررت 2559 منشأة، منها نحو 1612 منشأة دُمرت بالكامل و547 دُمرت جزئيا.
واستطرد قائلا إن نحو 23 ألف منشأة بالقطاع التجاري تدمرت، منها 8600 بشكل كامل، وقال “ربما هو القطاع الأكثر تضررا كون قطاع غزة يعتمد على هذا النوع من النشاط الاقتصادي”.
وتابع “القطاع السياحي من القطاعات المتضررة رغم أن عدد المنشآت السياحية ليس كبيرا في القطاع، إذ يضم 87 منشأة، تضرر منها 14 فندقا ونحو 73 منشأة أخرى ما بين مقاه وشاليهات”.
وواصل حديثه قائلا “المنطقة الصناعية شمال غزة كانت تضم منشآت حيوية و72 مصنعا يعمل بها آلاف العمال من القطاع. وبعد الحرب وتدمير المنطقة بشكل شبه كامل تضرر ما يقرب من 55 مصنعا، كما تم تدمير البنية التحتية من طرق وكهرباء، وهي من أهم المناطق الاقتصادية الحيوية في القطاع التي تم تدميرها”.
* الخسائر وكيفية التعافي
وعن خطة إعادة الاقتصاد في غزة لما كان عليه قبل السابع من أكتوبر تشرين الأول، قال مدير دائرة السياسات والتخطيط في وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطينية “نظرا للدمار الهائل، فإنه حتى في حال توقفت الحرب فإن الخطة الحكومية التي سيتم العمل عليها ستبدأ بثلاث سنوات إغاثية من إنعاش للاقتصاد وإدخال المساعدات وإعادة بناء المنشآت التي تضررت بشكل جزئي لتعود للعمل.
“ولاحقا، أي بعد خمس سنوات، سيتم البدء بمرحلة التعافي والعمل على إعادة إعمار المنشآت التي دمرت بشكل كامل والبنية التحتية”.
وأضاف “وفقا للتقديرات، وحتى نعود لما قبل 7 أكتوبر فيما يتعلق بالقطاع الاقتصادي، فإننا نحتاج ما بين 7 و10 سنوات في حال توفرت الأموال وكل المقومات والتسهيلات اللازمة من فتح معابر ودخول البضائع والمستلزمات بشكل انسيابي، وكذلك أن تكون هناك حركة سهلة للبضائع من الضفة الغربية لغزة”.
وتحدث الوكيل المساعد لشؤون التعاون الدولي والناطق الرسمي باسم وزارة العمل رامي مهداوي عن الوضع في قطاع غزة قائلا إنه كان في غاية الصعوبة قبل الحرب حيث كانت نسبة البطالة الأعلى هي على الصعيد العالمي.
وأوضح في حديثه إلى وكالة أنباء العالم العربي “نسب البطالة ارتفعت بشكل كبير في قطاع غزة حيث كانت تصل في الضفة الغربية وقطاع غزة قبل الحرب إلى 24%، وما بعد الحرب وصلت إلى 46%، وربما ترتفع لنسب كبرى في ظل الواقع الصعب”.
وأردف “500 ألف وظيفة في الضفة الغربية وقطاع غزة تم خسارتها بعد 7 أكتوبر، و190 ألف عامل من الضفة كانوا يتوجهون للعمل بالداخل وتوقفوا عن العمل مما تسبب في خسارة شهرية تقدر بما يقرب من مليار و250 ألف شيقل (نحو 265 مليون دولار)، إضافة إلى ما بين 15 و20 ألف عامل من قطاع غزة كانوا يتوجهون للعمل بالداخل وتوقفوا عن العمل منذ أشهر ما تسبب في خسائر تقدر بالمليارات”.
وقال إن هذا، إضافة إلى تدمير البنية الاقتصادية في القطاع، سيجعل الواقع الاقتصادي أكثر صعوبة.
*العودة الاقتصادية تحتاج لسنوات
الخبير الاقتصادي نصر عبد الكريم يرى أن حجم الدمار الهائل في قطاع غزة قضى على ما يمكن تسميته “اقتصادا في غزة”. وقال “يمكن القول بإن القطاع الاقتصادي تعطل بشكل تام، ونسبة التعطل بالأنشطة تكاد تتجاوز 90%، وما تبقى من اقتصاد يتمثل ببعض الأنشطة التجارية الخفيفة من مواد غذائية وسلع وبعض الاقتصاد المنزلي”.
وأضاف متحدثا لوكالة أنباء العالم العربي “لم يعد هناك بنيان واضح المعالم لنقول إن هناك ما يسمى بالاقتصاد في غزة حيث تم تدمير القاعدة الإنتاجية والمرافق العامة المساندة والبنية التحتية؛ حتى المؤسسات التعليمية والصحية التي ربما كانت تسهم في الاقتصاد المحلي تعطلت بشكل شبه تام”.
وقال إن ما بين 90 و95% من الأنشطة الاقتصادية توقفت “وإذا تم اجتياح رفح، فهذا يعني أنه لم يعد هناك ما يسمى بالاقتصاد.
وأشار إلى أن الخسائر بالناتج المحلي تُقدر بما بين 2.5 مليار و3 مليارات دولار، وتكلفة تدمير البنية التحتية تُقدر بنحو 18 مليار دولار حتى نهاية مايو أيار، مضيفا “وفقا لحجم الدمار، فقد تصل تكاليف إعادة الإعمار إلى 25 مليار دولار”.
ويرى عبد الكريم أن عودة القطاع الاقتصادي يجب أن تسبقها مرحلتان، مرحلة الإغاثة وإعادة توطين النازحين بأماكن سكنهم وإعادة الإعمار ولو جزئيا للمنازل والمساكن ليعود السكان لمنازلهم وتبدأ حركة اقتصادية، ثم فتح المعابر ودخول السلع ومواد البناء لتعود الحركة الاقتصادية.
وتابع “القطاع الاقتصادي في غزة يحتاج لما بين 5 و7 سنوات وربما أكثر ليتحرك بمستوى عادي”.
المصدر: وكالات