“المغرب الذي نريد”.. صرخة الشباب من أجل الإصلاح والتغيير

 

منذ تقديم تقرير النموذج التنموي الجديد أمام العاهل المغربي الملك محمد السادس، واطلاع المواطنين على مضمونه، ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، بل وحتى البرامج التلفزيونية والإذاعية، تعج بصرخات المواطنين المطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد، وتطبيق وتنزيل هذا النموذج التنموي الجديد على أرض الواقع، حتى يضمن المغاربة العيش بكرامة وأمان وسلام.

“المغرب لي بغينا” أي المغرب الذي نريد، هو الشعار الذي يتردد على المسامع خلال هذه المدة، وهو الهاشتاغ (#المغرب_الذي_نريد)، الذي ينتشر في مواقع التواصل الاجتماعي بين الشباب، وغيرهم من مستعملي هذه المنصات الرقمية، والذي يوحد طموحات وانتظارات المغاربة التي طال أمدها، والتي كان من الممكن أن يتحقق جزء منها في التقارير السابقة، وعلى رأسها “تقرير الخمسينية” الذي أنجزه مئة خبير ومختص في المغرب بمناسبة مرور خمسين سنة على استقلال البلاد.

“تقرير الخمسينية” كان يتوقع أن يكون محطة إقلاع حقيقية للمغرب، إلا أنه لم يتحقق منه الشيء الكثير، خاصة في قطاعات حساسة مثل الصحة والتعليم والشغل، والتي أبانت أزمة كوفيد-19 عن هشاشتها بالمغرب، وهو ما استدعى القيام بمجهودات مضاعفة من قبل الحكومة المغربية والمؤسسات الوصية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

“المغرب لي بغينا” سبق للعديد من المدونين والنشطاء أن اتخذوه كعنوان لصفحاتهم أو شعارا لحركاتهم، كما اتخذته “حركة ضمير” عنوانا للمذكرة التي سبق ورفعتها للديوان الملكي عام 2019، مساهمة منها في النقاش الدائر حول “النموذج التنموي الجديد”، وهو النقاش الذي ما فتئ أن ظهر من جديد، مع الخلاصات التي قدمت لهذا النموذج الذي يعول عليه المغرب في إقلاعه الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والسياحي، والذي يركز بالأساس على الإنسان المغربي، وعلى ضرورة استعادة ثقته وتحرير طاقاته المعطلة.

أيوب، الطالب الذي يعد الدكتوراه في القانون، يقول في تصريح لـ “سكاي نيوز عربية” إنه كغيره من الشباب المغاربة يطمح إلى أن “يتغير المغرب إلى الأحسن، وأن يسود مناخ الثقة بين جميع الفرقاء الاجتماعيين، وهذا ما لن يتحقق إذا لم تتم محاربة الفساد الذي ما زال ينخر الإدارة المغربية، على الرغم من المجهودات التي تقوم بها الدولة، وخاصة الملك محمد السادس، الذي يسعى جاهدا للذهاب بالمغرب إلى الأحسن، وتخليق الإدارة والناس، عبر توفير ما يلزم”.

ويضيف هذا الشاب أنه كغيره من شباب المغرب “لا يثق في الحكومة ولا في الأحزاب، بل يثق في المبادرات الملكية التي أعطت أكلها”، ولهذا يؤكد بأنه “إذا لم تكن هناك ضمانات لتطبيق هذا النموذج التنموي وتتبع مجريات تنفيذه، فإن المغرب الذي نريد سيظل بعيد المنال”، كما يقول.

الشيء نفسه عبر عنه الكاتب والباحث المغربي إدريس الكنبوري، الذي يرى بأن نجاح النموذج التنموي المقترح من طرف اللجنة الخاصة بالتنمية يتطلب شروطا، من بينها “تقوية الدولة عن طريق تطبيق القانون والربط بين المسؤولية والمحاسبة، لأن الفساد الذي يحظى بالتسامح معه له كلفة غالية في ما يتعلق بالتنمية الوطنية، إذ يمتص سنويا ملايير الدولارات كما أنه يقلل من هيبة الدولة في مجال تطبيق القانون”.

ويؤكد الكنبوري في تصريح لـ “سكاي نيوز عربية” أنه لكي ينجح النموذج لا بد من إعادة الثقة للمواطن في الدولة وهذا طبعا لن يحصل بدون محاربة الفساد ورد الاعتبار للقيم الوطنية المنتجة، وعلى رأسها الثقافة والفكر، لأنه لاحظ أن الهامش الممنوح للثقافة في تقرير اللجنة ضعيف.

الشابة كريمة، الممتهنة للتدريس في التعليم الابتدائي، تقول إن “المغرب الذي نريد لا يمكن أن تصنعه التقارير، هي قد تساعد، ولكن التغيير الحقيقي تلزمه إرادة كبيرة، وهي متوفرة والحمد لله في عاهل البلاد، وفي المواطنين الغيورين على بلدهم، والشباب على استعداد لخدمة البلد، فقط يجب أن تتاح له الفرص للعمل والتكوين”.

وتوضح كريمة في تصريح لـ “سكاي نيوز عربية” بأنها وأمثالها من المغاربة يطالبون بتنفيذ “أقسى العقوبات في حق كل المفسدين الذين كشفت تقارير المجلس الأعلى للحسابات عن تورطهم في اختلاسات مالية أو سوء تدبير، لأنه من دون ربط المسؤولية بالمحاسبة فلا يمكن لنا أن نتقدم”.

أما الدكتور إسماعيل شكري، الأستاذ الجامعي والباحث في المعرفيات، فيقدم ثلاث ملاحظات حول التقرير الخاص بالنموذج التنموي الجديد، أولها أنه “عبارة عن آمال وطموحات، وثانيها أن تلك الآمال تم التعبير عنها منذ خمسين سنة، وهي موجودة وحملتها شعارات بعض الأحزاب السياسية والفعاليات النقابية. أما الملاحظة الثالثة، فهي أن اللجنة بقدر ما فكرت في بعض المطبات والمعيقات التي أعاقت النماذج التنموية المتواجدة حاليا، ووقفت عند بعضها، بقدر ما غفلت بعض النقاط السيئة والخطيرة التي لا يمكن برأيي لأي نموذج في العالم أن يذهب بعيدا من دونها”.

ويوضح شكري في تصريح لـ “سكاي نيوز عربية” أن أبرز تلك المعيقات، والتي يجب تحويلها إلى محرك للتنمية “الفساد المالي، فسنويا يسجل المغرب في تقاريره العديد من الاختلالات في التعليم والقضاء وغيرها من القطاعات، ولكن دون أي عقاب أو حل لهذه المشاكل”. ويقول: “اللجنة لم تجعل من الفساد والريع قضية أساسية للنموذج التنموي الجديد، لأنه من دون الحديث عنهما بالصراحة والشجاعة الكافيتين فلا يمكن أن يكون لهذا النموذج أي نجاح كيفما كان”.

وإضافة إلى عائق الفساد المالي، يركز الدكتور إسماعيل شكري على العدالة الضريبية، والطبقة المتوسطة، التي بإمكانها أن تكون محفزا للاقتصاد والحفاظ على ديناميته، وتحريك سلم الأجور عبر الاعتماد على الاجتهاد والكفاءة.

ويخلص شكري إلى أن هذا المشروع “طموح ومهم، ويحمل أكثر من دلالات لمغرب يريد أن يتغير، لكن أين هي العناصر الثلاثة التي أشرت إليها: القضاء على الفساد، والإصلاح الضريبي والعدالة الضريبية، وتمكين الطبقة المتوسطة، لأنها أساسيات التنمية في كل بلد عبر العالم”.

المصدر: سكاي نيوز عربية