انتخابات الجزائر.. المترشحون يتنافسون على خطب ود الحراك
يحرص مرشحو الانتخابات التشريعية في الجزائر، على خطب ود الحراك ومغازلته، سواء تعلق الأمر بالمنتمين إلى الأحزاب أو بالمستقلين، وسط تعهدات بتجسيد مطالب الحراك.
وذهب بعض المرشحين إلى حد بعيد فوضعوا الحراك شعارات لحملتهم الانتخابية، في مسعى إلى إقناع الناخبين بأنهم يحملون مشروعا إصلاحيا بالفعل.
تنافس على الحراك
وتقول الأحزاب العلمانية والأخرى المنتمية لما يعرف بـ”الإسلام السياسي”، إنها تبنت الموقف نفسه من الحراك، عندما رفضت العهدة الخامسة للرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة.
والمثير للانتباه هو توجه أحزاب الموالاة “جبهة التحرير الوطني” و”التجمع الوطني الديمقراطي” نحو التغني بالحراك، حيث يقدم كل مرشح نفسه في صورة المتصدر للصفوف الأولى لحراك 22 فبراير 2019.
وفي آخر خرجة إعلامية للأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، بعجي أبو الفضل، في إطار الترويج للقوائم المترشحة باسم “الأفلان”، قال “منذ البداية كنا مع الحراك، الأفلان وقف مع الحراك وتصدى للعصابة، والتشريعيات نتيجة لذلك”.
وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع استمرار الأخبار القادمة من أسوار المحكمة حول محاكمة رموز النظام السابق، والذين كانوا يحظون بدعم ساسة أحزاب الموالاة، على رأسهم الأمين العام السابق، ولد عباس، وأحمد أويحي، المتواجدين في السجن.
ويصف أستاذ علم الاجتماع السياسي سابقا بجامعة الجزائر، ناصر جابي، تركيز الخطاب السياسي خلال الحملة الانتخابية على الحراك بـ”النفاق السياسي”.
وقال جابي لموقع “سكاي نيوز عربية”، “البعض يحاول تبيض صورته والبعض يحاول ركوب الموجة، وكلا الطرفين لا يحملان برنامجا سياسيا واضحا فهو عزف على وتر الشعبوية”.
“غياب النضج السياسي”
وبالنسبة للباحث في علم الاجتماع السياسي، فالمشهد بشكل عام يعكس أمرين “الأول غياب النضج السياسي لدى بعض الأحرار، والأمر الثاني يتعلق بالأحزاب الكلاسيكية التي تتخبط، وهي تحاول البحث عن عذرية جديدة”.
ويرى أحد المترشحين الأحرار؛ وهو أستاذ بجامعة الجزائر، أن مفهوم الوطنية قد تغير لدى المترشحين اليوم في ظل ما تعيشه البلاد من تسارع للأحداث السياسية.
وقال المترشح الحر لموقع “سكاي نيوز عربية”، “في السابق كان البعض يتغنى بثورة أول نوفمبر لاستمالة الأصوات الوطنية، وبعد الحراك أصبح كل واحد يحاول أن ينسب إلى نفسه الدور الريادي في حراك 22 فبراير”.
حق الحديث عن الحراك
ويدافع قادة الأحزاب الذين يتبنون خطاب الحراك في حملتهم الإنتخابية، على اعتبار أن الأمر يندرج في إطار العمل السياسي المشروع وليس “البروباغندا النضالية”.
وقال المكلف بالاتصال في حزب جيل جديد، حبيب براهمية، أن حزبه لا يدعي قيادة الحراك الشعبي، وإنما يعتبر نفسه جزء من حراك الملايين.
وقال براهمية “من حق كل مواطن التعامل مع الحراك كجزء من برنامجه دون التسويق لفكرة قيادة الحراك، نحن جزء من الحراك ومن حقنا ذلك”.
وتحاول عدة شخصية حزبية تصدر المشهد الانتخابي من خلال استثمار الحراك؛ على رأسها زعيم حزب البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، الذي لم يتوقف عن تكرار عبارة “دعمنا الحراك من اليوم الأول، ونحن جزء من الحراك الحقيقي على عكس العديد من الأحزاب المنافسة”.
ولوحظت هذه اللهجة أيضا في الحملة التي يقودها عبد الرزاق مقري و”حركة مجتمع السلم” الذي قال من جهته إن “الانتخابات التشريعية تتمة لأهداف الحراك الشعبي”.
“الحراك هو سيرتي الذاتية”
غير أن المتابع للحملة وخاصة لصورة المترشحين في الشارع، يلاحظ أن “الحراك” تحول من شعار بالنسبة لبعض المترشحين إلى شهادة أهم حتى من البرنامج المقترح من طرفهم.
وأرفق بعض المترشحين صفة “شارك في الحراك”، في خانة السيرة الذاتية المنشورة في الملصقات، وهذا الأمر لم يتوقف على المترشحين الشباب بل حتى رؤساء وأبناء سياسيين معروفين.
وبشكل عام، قال المحامي نجيب بيطام، أنه يصعب إعطاء وصف دقيق للمشهد السياسي في الجزائر، فمن زاوية، عزمت السلطة على أن تجرى هذه الانتخابات في موعدها وهي ترى نفسها قد استجابت للحراك عدة مرات، آخرها حل البرلمان.
وقال بيطام لموقع “سكاي نيوز عربية”، “نفس الأحزاب القديمة هي التي تلعب الدور في المشهد الحالي، والواضح أن الانتخابات لن تسفر عن أغلبية وهو ما سيؤدي في الأخير إلى استفراد السلطة التنفيذية بتعيين أعضاء الحكومة الأولى بعد التشريعيات”.
ويؤكد بيطام أن الحراك ليس برنامجا سياسيا حتى يدعو البعض إلى تطبيقه، بل هو مد شعبي، مشيرا إلى أن هناك انقساما كبير لدى الأكاديميين في تحديد مصطلح الحراك.
المسافة بين الحراك والمسيرات
ويميز خطاب السلطة بين مرحلتين من الحراك، وهو ما بات يعرف إعلاميا بـ”الحراك الأصيل”، وقد تحدث الرئيس عبد المجيد تبون في هذا الأمر عدة مرات، آخرها حواره مع مجلة “لبون” الفرنسية حيث قال إنه لا نؤمن إلا بما وصفه الحراك “الأصيل والمبارك”.
ومن خلال خطاب المترشحين، يظهر اصطفاف الأحزاب في صف الرئيس عبد المجيد تبون الذي يطرح مصطلح” الحراك الأصيل”، وهو ما يعزز فكرة تشكيل حكومة تتبني برنامج الرئيس.
من زاوية آخر قانونية، يرى رئيس الجمعية الوطنية للمحامين الشباب، حفيظ تمالت، أنه من البديهي أن تشهد الحملة الانتخابية الأولى التي تأتي بعد الحراك الشعبي، خطابات ذات “لغة شعبوية”، بحسب وصفه.
ويفسر تمالت الأمر قائلا “هناك سببان أساسيان لهذه الحالة، الأول يتعلق بالذين انتقدوا الحراك في بدايته، وهم الأن يحاولون ترميم صورتهم، والثاني يعد نوعا من التقييم للحراك بشكل عام والحساسيات التي كانت تعيش في الحراك، وهو ما يعني أن الجزائريين غير جاهزين للتغيير السياسي الكبير”.
ويبدو المشهد كأنه نوع من تصفيات للحسابات التي كان يعيشها الحراك وهي التي تسببت في نظر البعض في دخوله في الأخير في منعرج اللاحل.
وقال تمالت:”كل طرف يحاول أن يحمل الطرف الأخر مسؤولية نهاية الحراك بهذا الشكل الذي قد يفسره بعض المعارضين بخسارة الحراك لمعركته الكبرى”.
وتوقف خطاب المترشحين باتجاه الحراك، في الحديث عن الأشهر الأولى التي أطاحت بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، مع تجاهل واضح للمسيرات التي ما زالت تشهدها العديد من المدن وخاصة منطقة القبايل.
واعتبر المحامي أن خطاب الحملة الانتخابية، في هذا الاتجاه يعكس غياب الوعي لدى بعض المترشحين، وقال “ما يحدث هو غياب واضح للنخب السياسية، والخطاب الشعبوبي في هذا الاتجاه خطير جدا وقد يدفع نحو مزيد من الأحقاد بين الجزائريين”.
المصدر: سكاي نيوز عربية