بإنشاء أول مصنع لبطاريات السيارات الكهربائية.. المغرب يطمح للريادة
يتجه المغرب بخطوات متسارعة لتعزيز موقعه في مجال إنتاج السيارات الكهربائية، بعد نجاح في قطاع صناعة السيارات الأوسع، إذ وقعت الحكومة الأسبوع الماضي اتفاقا استثماريا ذا طابع إستراتيجي، مع المجموعة الصينية-الأوروبية “غوشن هاي تيك” (GOTION High-Tech) العاملة في مجال النقل الكهربائي.
وبموجب الاتفاق سيتم استحداث وحدة صناعية مع منظومة متكاملة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في مدينة القنيطرة (40 كيلومترا شمال الرباط)، لتكون هذه الوحدة الأولى من نوعها في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وتعكس خطوة القطاع الصناعي الأخيرة التحرك السريع المستمر بالمملكة خلال السنوات الأخيرة وخاصة في قطاع صناعة السيارات، إذ يطمح إلى إنتاج مليون سيارة حرارية و100 ألف سيارة كهربائية سنويا بحلول عام 2025.
تفاصيل الاستثمار
بدأ العمل على جلب الاستثمار الصيني إلى المغرب منذ أكثر من عامين، وقد أفضت المباحثات بين الحكومة والشركة الصينية الأوروبية إلى توقيع مذكرة تفاهم في مايو/أيار العام الماضي لإنشاء منظومة صناعية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وأنظمة تخزين الطاقة، وتوجت هذه المذكرة بتوقيع اتفاق استثماري لإنشاء وحدة صناعية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية ضواحي مدينة القنيطرة بكلفة استثمار تبلغ 12.8 مليار درهم (1.3 مليار دولار) مما يعزز مكانة المغرب في صناعة السيارات والانتقال الطاقي.
وشركة غوشن هاي تيك رائدة في قطاع البطاريات الكهربائية، ومن بين المساهمين الرئيسيين فيها مجموعة فولكس فاغن.
ووصفت وزارة الاستثمار وتقييم السياسة العمومية الاستثمار بأنه “إستراتيجي مهم”، وأوضحت أنه سيمكّن من خلق منظومة صناعية متكاملة، لإنتاج البطاريات الكهربائية في مدينة القنيطرة.
وأوضحت الوزارة في إجابتها على أسئلة وجهتها إليها “الجزيرة نت” أنه سيتم الشروع في بناء المصنع في الأسابيع القادمة وسيستغرق مدة عامين، على أن يبدأ الإنتاج في الربع الثالث من عام 2026.
ووفق نفس المصدر، سيمكن هذا المشروع من إنتاج بطاريات كهربائية بسعة تصل إلى 20 غيغاواتا في الساعة في مرحلة أولى بقيمة استثمارية تفوق 1.3 مليار دولار، على أن يصل في نهاية المطاف إلى طاقة إنتاجية تقدر بنحو 100 غيغاوات في الساعة وبكلفة استثمارية إجمالية تقدر بـ65 مليار درهم (6.5 مليارات دولار)، متوقعة استحداث حوالي 17 ألف فرصة عمل منها 2300 فرصة منسوبة لكفاءات عالية.
وتتوقع الوزارة أن هذا النوع من المشاريع سيعزز طموح المغرب، وسيفتح بابا جديدا أمام مستثمرين آخرين من أجل شراكات جديدة ومثمرة.
وأضافت أن استثمار غوشن هاي تيك إلى جانب مشاريع أخرى في مجال النقل الكهربائي، سيعطي قيمة أكبر للمنتج المغربي وسيزيد من جاذبية قطاع السيارات الذي يشهد تحولا إيجابيا وضروريا بالمملكة لمواكبة التوجه نحو الاقتصاد الخالي من الكربون، خاصة وأن البطارية الكهربائية مكون أساسي يمثل حوالي 40 إلى 60% من قيمة السيارة.
خطوة استباقية
وقال مدير مرصد العمل الحكومي المغربي محمد الجدري، لـ”الجزيرة نت” إن هذا الاستثمار يعزز نجاح قطاع صناعة السيارات، ففي المغرب يُصنع حاليا 700 ألف سيارة.
وزادت صادرات السيارات من المغرب في 2023 بنسبة 90% مقارنة مع عام 2018 و27.4% مقارنة مع 2022، محققة عائدات بقيمة 142 مليار درهم (14.3 مليار دولار).
وتعمل الحكومة على زيادة نسبة المكوّن المحلي من السيارات إلى 80%، ورفع الطاقة الإنتاجية إلى مليون سيارة سنويا بحلول 2025.
ويتم تصنيع السيارات الكهربائية في مصانع القنيطرة وطنجة، ولدى المغرب قدرة إنتاجية تبلغ نحو 40 ألف سيارة كهربائية سنويا، ويطمح إلى زيادتها إلى 100 ألف بحلول عام 2025.
وقال جدري إن توجه المغرب لفتح الاستثمار في مجال السيارات الكهربائية خطوة استباقية قبل أن يحظر الاتحاد الأوربي (الشريك الأول للمملكة) استخدام السيارات ذات محركات البنزين أو الديزل بصفة نهائية بحلول عام 2035.
وأضاف: “كان لزاما على المغرب ألا يضيع مجهود الـ20 سنة الماضية في مجال صناعة السيارات، ويكيّف هذه الصناعة مع التحديات الراهنة ومع معايير شركائه الاقتصاديين بخصوص إزالة الكربون”.
ويرى جدري أن هذا الاستثمار إستراتيجي بالنظر لقيمته التي ستصل إلى حوالي 6.5 مليارات دولار ولفرص العمل التي يوفرها، ولكونه سيتيح نقل خبرة وتجربة الشركة الصينية الأوروبية إلى المغرب إذ سيجري تدريب الكوادر المغربية في مجال صناعة البطاريات الكهربائية، مما سيجعل المغرب رقما مهما في صناعة السيارات الكهربائية.
توطين التكنولوجيا
بدوره، يتوقع الأستاذ الجامعي والخبير في الطاقات المتجددة، عبد الصمد ملاوي أن يكون لهذا الاستثمار تأثيرات إيجابية على المغرب وشركائه خاصة الأوروبيين.
وأوضح في تعليق لـ”الجزيرة نت” أن إنشاء هذه الوحدة الصناعية الضخمة سيتيح نقل التكنولوجيا المتقدمة في مجال تصنيع البطاريات الكهربائية للمغرب وتوطينها فيه مما سيعزز مكانته في مجال إنتاج السيارات الكهربائية أو الصناعات التي تعتمد بصفة عامة على البطاريات الكهربائية.
وقال إن كُلفة إنتاج البطاريات الكهربائية بالمغرب منخفضة مقارنة مع الدول المصنعة لهذا النوع من البطاريات، مما سيعزز مكانته لجذب استثمارات أخرى، وتتجه لتكون من الصناعات الأساسية التي يعتمد عليها المغرب في تعريف نفسه دوليا كمصنّع.
وترجع الكلفة المنخفضة لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية في المغرب، وفق ملاوي، إلى وجود مجموعة من المواد الخام الداخلة في تصنيع بطاريات الليثيوم أيون ومادة الكاثود للتصنيع، ومن هذه المواد:
الفوسفات: يملك المغرب أكبر احتياطي منه في العالم إذ يقدر بنحو 70% من احتياطيات الخام العالمية، ويصنف ثانيا بعد الصين من حيث الإنتاج إذ يقدر إنتاجه السنوي بنحو 40 مليون طن متري ويتيح الفوسفات إمكانيات تخزين الطاقة، وتحديدا بطاريات “الليثيوم أيون” المهمة في صناعة السيارات الكهربائية.
المنغنيز: يوجد بكميات مهمة في المغرب ويدخل في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية.
مادة الكوبالت: تنتج المملكة سنويا معدل ألفي طن من معدن الكوبالت، ويبلغ احتياطها منه 17 ألفا و600 طن وتأتي في المرتبة التاسعة في الإنتاج، والـ11 دوليا في الاحتياطي العالمي، وهو ثاني بلد أكثر بلد أفريقي إنتاجا بعد جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأوضح ملاوي أن هذا المشروع هو فرصة للمملكة لتطوير تقنيات جديدة لاستخراج ومعالجة مواد تدخل في تصنيع وتطوير البطاريات الكهربائية، كما أنه فرصة للاستفادة من موقع المغربي الجيوإستراتيجي المهم لتصدير بطاريات السيارات الكهربائية إلى جميع دول العالم.
شركاء واهتمام دولي
المجموعة الصينية-الأوروبية غوشن هاي تيك ليست أول شريك للمغرب في مجال النقل الكهربائي، إذ أبدت شركات دولية أخرى اهتماما بالاستثمار في هذا المجال بالمغرب منجذبة إلى البنية التحتية التي تتوفر عليها والتكلفة المنخفضة والموقع الجغرافي.
وقبل شهرين وقّع رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اتفاق استثمار بين الحكومة ومجموعة “بي تي آر غروب” الصينية (BTR Group)، بقيمة 3 مليارات درهم (300 مليون دولار)، بهدف إقامة وحدة صناعية لإنتاج الأقطاب الكهربائية السالبة “الكاثود” التي تعتبر مكونا أساسيًا لبطاريات السيارات الكهربائية.
ومن المنتظر أن يسهم هذا المشروع الذي بدأت أعمال بنائه في المدينة الصناعية لطنجة في استحداث حوالي 2500 فرصة عمل، ويتوقع أن تدخل المرحلة الأولى حيز التشغيل في سبتمبر/أيلول 2026 بطاقة إنتاجية قدرها 25 ألف طن في السنة.
وأعلنت شركة “غوانزو تينسي”، قبلها، وهي من أكبر الشركات الصينية المصنعة لمواد بطاريات السيارات الكهربائية، عن استثمار يقدر بـ 3 مليارات درهم (300 مليون دولار).
ووفق معطيات رسمية، فإن الاستثمار في مجال النقل الكهربائي شهد انتعاشا في الآونة الأخيرة، وهو ما يظهر من خلال المشاريع والاتفاقيات التي صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمارات في دورتها المنعقدة في يوليو/تموز من العام الماضي، إذ تصدر قطاع النقل الكهربائي المشاريع الاستثمارية التي تمت المصادقة عليها، بقيمة تبلغ 22.5 مليار درهم (2 مليار دولار) ما يمثل 71% من إجمالي الاستثمارات التي صادقت عليها اللجنة.
المصدر: الجزيرة