بوتين يخرج من عزلته إلى «الحزام والطريق»

استقبل الرئيس الصيني، شي جينبينغ، الثلاثاء في بكين نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الذي يزور الصين لمناسبة انعقاد قمة «طرق الحرير الجديدة» والتي طغت عليها الحرب بين إسرائيل و«حماس». ويعد بوتين من أبرز الحاضرين لمنتدى «مبادرة الحزام والطريق» الذي يحضره ممثلو دول عدة، إذ يقوم بأول زيارة له إلى قوة كبرى منذ أدت الحرب على أوكرانيا إلى عزل نظامه دولياً. والتقى الرئيسان الصيني والروسي مجدداً في بكين بعد عشر سنوات على احتفائهما بالصداقة التي تربطهما، سعياً لتعميق الشراكة «غير المحدودة» بين بلديهما. وهي زيارة يتوقع أن تؤكد رؤيتهما المشتركة لنظام دولي جديد لم تعد تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الديمقراطيون.

وقالت وزارة الخارجية الروسية في رسالة نشرتها على شبكة «إكس» إنّ «الرئيس شي جينبينغ استقبل الرئيس فلاديمير بوتين لدى وصوله (إلى المنتدى)، وأجرى الرئيسان محادثة قصيرة». وأظهر مقطع فيديو نشرته وزارة الخارجية الروسية لقاء الرئيسين مساء الثلاثاء في حفل افتتاح المنتدى، وهما يتصافحان ويتبادلان المجاملات. ثم شاركا في صورة جماعية التُقطت مع القادة الآخرين المشاركين في المنتدى. ومن المقرر أن يعقد محادثات مع شي على هامش المنتدى الأربعاء، وفق ما أفاد الكرملين، فيما تخيّم الحرب الدائرة بين إسرائيل و«حماس» على القمة.

وجاء في بيان للكرملين أنه «خلال المحادثات، سيتم التركيز بشكل خاص على القضايا الدولية والإقليمية»، من دون تقديم تفاصيل. وانتقدت كل من بكين وموسكو تصرفات إسرائيل ودعتا إلى وقف إطلاق النار، في أحدث عرض لجهود القوتين لتعزيز قيادتهما البديلة عن قيادة الولايات المتحدة، والتي تؤكد حق إسرائيل في الرد. ويرتبط الرئيسان الصيني والروسي بعلاقة شخصية قوية، إذ وصف شي نظيره الروسي بـ«أفضل صديق» له، فيما أشاد بوتين بـ«شريك يمكن الوثوق به». وقال بوتين لشبكة «سي جي تي إن» الصينية الرسمية قبيل الزيارة: «الرئيس شي جينبينغ يصفني بالصديق وأنا أناديه صديقي أيضا»، وذلك وفقا لنص المقابلة الذي نشره الكرملين.

وبقيت علاقتهما ثابتة رغم عقد من العلاقات الصعبة بشكل متزايد مع البلدان الغربية، وهو أمر تفاقم في ظل الحرب الروسية على أوكرانيا التي رفضت الصين إدانتها. ولا يعد حضور بوتين منتدى للقادة في العاصمة الصينية هذا الأسبوع زيارة نادرة من نوعها إلى الخارج فحسب للرئيس الروسي، إنما تشكّل فرصة للإشادة بـ«مبادرة الحزام والطريق» التي تعد من أبرز منجزات شي. ورأت الخبيرة في الشؤون الصينية لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، أليسيا باشولسكا، أن «وجود الوفد الروسي في بكين مهم بالنسبة لموسكو». وقالت لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «سيمنح روسيا الشرعية في الساحة الدولية عبر رسم صورة إيجابية لبوتين على أنه غير معزول تماما في سياق الحرب».

وتجلّت الصداقة بين شي وبوتين عندما خلال الاحتفال ببعيد ميلاد الرئيس الروسي خلال قمة في إندونيسيا عام 2013. وتقاربا مذاك. وهما نتاج عملاقين اشتراكيين، إذ إن شي سليل عائلة تضم ثوريين شيوعيين فيما بوتين ضابط استخبارات سوفياتية سابق. ويطاردهما شبح انهيار الاتحاد السوفياتي الذي كان بالنسبة لبوتين «كارثة جيوسياسية كبرى»، وبالنسبة لشي درسا على الحزب الشيوعي الصيني الاستفادة منه. وأثار كلاهما طموحات إعادة إحياء الوطن فيما قمعا المعارضة خلال سنواتهما الطويلة في السلطة التي بقيا خلالها من دون منافس. «حياد مؤيد لروسيا» وفي انعكاس للعلاقات بين الرئيسين، تقاربت بكين وموسكو في السنوات الأخيرة، إذ ترى كل منهما الأخرى قوة موازية في وجه الغرب بقيادة الولايات المتحدة. ويصف البلدان علاقتهما بأنها «شراكة استراتيجية شاملة… لا حدود لها» في ما يتعلق بإمكانية التعاون. وبقيت الصداقة قائمة بينهما رغم الهجوم الروسي على أوكرانيا منذ العام الماضي والذي زج ببوتين في عزلة دولية. وقاومت بكين الدعوات لإدانة الغزو وصوّرت نفسها على أنها طرف محايد، لكن من دون أن تزوّد موسكو بالأسلحة. لكنها كررت خطاب موسكو عبر تحميل البلدان الغربية المسؤولية، خصوصا حلف شمال الأطلسي (الناتو) لخلقها الظروف التي أدت لاندلاع الحرب.

ووصف خبير العلاقات الروسية الصينية لدى المجلس الأطلسي جو وبستر موقف بكين من الحرب بأنه «حياد مؤيد لروسيا». وقال إنه في إطار ذلك، قدّمت بكين الدعم الدبلوماسي والاقتصادي ومساعدات عسكرية غير فتاكة لموسكو على وقع ازدهار للتجارة الثنائية. لكنه لفت إلى أن تمرّد زعيم فاغنر السابق يفغيني بريغوجين الذي تم إحباطه خلال الصيف شكّل «صدمة لبكين ودفعها لإعادة ضبط علاقتها مع موسكو». وأفاد وبستر بأن التهديد بإمكانية الإطاحة ببوتين يعني أن «بكين تسعى (الآن) لنزع الطابع الشخصي للعلاقة وإضفاء الطابع المؤسساتي على العلاقات بين النظامين السياسيين… لضمان علاقات وثيقة مع روسيا بغض النظر عن الشخصية التي تعد على رأس هرم السلطة».

«علاقة زبون» يسلّط التحوّل الخافت في الخطاب الضوء على العلاقة غير المتكافئة بين الصين وروسيا والتي تعتمد روسيا في إطارها بشكل متزايد على جارتها لدعم اقتصادها والمساعدة في الإبقاء على آلة الحرب لديها. وأفاد بيورن ألكسندر دوبن من جامعة جيلين الصينية: «منذ أطلقت موسكو غزوها الشامل لأوكرانيا، باتت في موقع حيث تعتمد بشكل غير مسبوق على الصين». وأضاف أن «التعاون (الروسي) الاقتصادي المتواصل مع الصين يتحوّل تدريجيا إلى علاقة اعتماد مباشر، ما يثير تساؤلات بشأن إن كانت روسيا تتحوّل إلى علاقة زبون مع بكين». وأفاد محللون بأن زيارة بوتين الحالية لبكين تركّز على حشد الدعم السياسي أكثر من التوصل إلى اتفاقيات كبيرة مثل خط أنابيب «طاقة سيبيريا-2» للغاز. وأفاد مدير «مركز كارنيغي روسيا وأوراسيا» ألكسندر غابويف: «قد نرى نتائج في (الشهور و) السنوات المقبلة عبر إنجاز مشاريع بنى تحتية، لكنني لا أتوقع مخرجات كبيرة من أي نوع في هذا التوقيت». وأضاف: «تملك الصين جميع هذه الأوراق. سترغب روسيا بشكل يائس التوصل إلى إعلان عن اتفاق، لكن الصين هي التي تملك النفوذ ويمكنها تحديد الوتيرة».

المصدر: الشرق الأوسط