خارطة طريق تونسية لمواجهة أزمة نقص المياه
تتحرك السلطات التونسية لمواجهة أزمة نقص المياه رغم نزول كميات من الأمطار خلال الفترة الماضية، ما يعكس اهتماما حكوميا بهذا الملف بعد سنوات من الجفاف لم تتحرك فيها الحكومات السابقة، ما فاقم الأزمة التي كادت تخرج عن السيطرة لولا هطول الأمطار.
ووضعت حكومة أحمد الحشاني خارطة طريق تقوم على عدة محاور من بينها بناء السدود وتحلية مياه البحر مع مواصلة إجراءات التقشف في استهلاك المياه، والتي أقرتها قبل نحو سنة، بالإضافة إلى سن تشريعات تهدف إلى حماية الأمن المائي للبلاد.
وتشهد مشاريع تحلية مياه البحر تقدما كبيرا فضلا عن مشاريع إنشاء عدد من السدود في مختلف الولايات (المحافظات)، وهي المشاريع التي خصصت لها الدولة 8 مليارات دينار (حوالي 2.5 مليار دولار).
وقال كاتب الدولة للمياه رضا قبوج إن مشاريع التحلية تتقدم بنسق حثيث، وبيّن أن محطة الزارات (50 ألف متر مكعب في السنة) ستدخل طور العمل قريبا لتخفف الضغط عن مياه الشرب على مستوى ولايات قابس وتطاوين ومدنين (جنوب شرق) في حين تشير التوقعات إلى إمكانية دخول محطة صفاقس، التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 100 ألف متر مكعب في السنة، طور الإنتاج في شهر يونيو القادم، أما محطة سوسة (50 ألف متر مكعب في السنة) فمن المزمع أن تباشر العمل عند حلول العام القادم.
وبيّن أيضا أن تونس تعمل حاليا على إنجاز أربعة سدود، وقد أوشك البعض منها على الانتهاء، على غرار ملاق العلوي الذي تقدمت أشغاله بنسبة 80 في المئة، والدويميس، إلى جانب تقدم إنجاز سدود محورية أخرى من بينها السعيدة والقلعة الكبرى والربط بينهما، فضلا عن الاستعداد للشروع في إنجاز سديْ خلاد والرغاي.
وأكد قبوج أن هذه المشاريع ستساعد على تدعيم الموارد المائية في البلاد والحد من تأثير التغيرات المناخية. ويوجد في تونس حاليا حوالي 2700 مجمع مائي من بينها 1400 مجمع مخصص لمياه الشرب، وتقدم مستوى من الخدمات الدنيا للمواطنين في العديد من الجهات بالرغم من المشاكل المطروحة.
وقال الخبير التونسي في الموارد المائية حسين الرحيلي إن “الدولة أصبحت تدرك خطورة أزمة المياه في تونس، ولدينا تأخر في الوعي بندرة المياه منذ سنة 1995، وكل الذين تعاقبوا على السلطة لم يكن لهم وعي بالمخاطر المائية”.
وأضاف لـ”العرب” أن “خارطة الطريق الجديدة فيها استثمار في المياه ومجموعة من البرامج، لكن المقاربة التقليدية لا تكفي لحلحلة الأزمة، والمشكلة: كيف ننوع مصادر المياه؟”.
ورغم هطول كميات من الأمطار خلال الأشهر الماضية إلا أن المزارعين يخشون إتلاف محاصيلهم الزراعية بسبب احتباس التساقطات في المدة الأخيرة مع ارتفاع درجات الحرارة، وهو ما دفع الحكومة إلى التدخل من خلال تخفيف إجراءات التقشف.
وأعطت وزارة الزراعة التونسية الإذن للإدارات الجهوية للزراعة بالانطلاق في ري محاصيل الحبوب بأغلب الجهات وسط دعوات للمزارعين والمجتمع والسلطات إلى التصدي لظاهرة حفر الآبار العشوائية.
وأضاف قبوج في إجابته عن سؤال متعلق بتخوف بعض المزارعين من تضر ر المحاصيل بفعل نقص عمليات الري ونظام الحصص، أن السلطات تراهن على إنتاج الحبوب محليا لتلافي التوريد بالعملة الصعبة.
وفي أبريل 2023 أصدرت وزارة الزراعة قرارا يقضي بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب لأغراض زراعية وريّ المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، وباعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان، وأعادت القرار إلى تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات في السدود، ما انعكس سلبا على مخزونها المائي.
وشدّد قبوج على أنّ وزارة الزراعة ستُعطي الأولوية لتوفير الإمدادات الكافية من مياه الشرب خلال صيف 2024، مُذكرا بأنّ الوضعية خلال الصائفة الماضية كانت صعبة للغاية.
وذكر الخبير البيئي عادل الهنتاتي أن “الحكومة التونسية لديها علم بوضعية المياه، والجديد هو أن الظروف المناخية التي خلفت حالة من الجفاف منذ أكثر من 6 سنوات أدت إلى ضرورة اتخاذ هذه الإجراءات”.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “أصبحت هناك أولوية في التنفيذ بالنسبة إلى الدولة، مع تخصيص ميزانية معينة لذلك، وهذه الخطوة جيدة، لأنها باتت من أولويات الحكومة ومن برامجها الأساسية”.
وأضاف عادل الهنتاتي أن “اللجوء إلى مثل هذه الإجراءات جاء كنتيجة لعدم التزام المواطن بإجراءات تقسيط توزيع المياه التي أعطت نتائج محدودة في ظل تزايد الطلب على الماء، مقابل تقلص نسبة امتلاء السدود”.
ورفعت تونس الشهر الماضي أسعار مياه الشرب بنسبة تصل إلى 16 في المئة لمواجهة الشح المائي نتيجة الجفاف طيلة السنوات الخمس الماضية.
وقال قبوج إن الماء ليس مكلفا في تونس وهو ما يفسر سلوك التبذير لدى بعض الأشخاص إذ تصل كلفة المتر المكعب الواحد في الجزائر إلى قرابة 3 دولارات وتصل في المغرب إلى 5 دولارات. ودعا المسؤول إلى ضرورة ترشيد استهلاك المياه، خاصة وأن توفير نسبة 10 في المئة من المياه الموزعة من طرف الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه يمكن أن يكسب البلاد ما يضاهي سدا من الحجم الكبير، نتيجة تبذير وهدر المياه، إلى جانب ما يمكن اقتصاده من مياه الري.
وخلص إلى القول إن “تبني سلوك قائم على ترشيد استهلاك المياه في تونس يمكن أن يكسب البلاد العديد من الموارد التي قد تتيح لها تأجيل النظر في بعض المشاريع المتعلقة بتحلية المياه”.
وتستعد تونس لسن قانون (مجلة المياه) يتضمن إنشاء هيئة تعديلية لقطاع المياه لمتابعة أداء مستخدمي المياه ودفعهم نحو تحسين الأداء نظرا إلى التحديات القائمة.
وأشار قبوج إلى أن المشروع تضمن كذلك إحداث مجلس أعلى للمياه، مرتبط برئاسة الحكومة، إلى جانب إعطاء مساحة أوسع للجهات لمناقشة ملف المياه على مستوى لجان جهوية وتوحيد التصرف في مياه الشرب أو الصرف الصحي.
المصدر: صحيفة العرب