خلافات الولائيين تعيق تعيين رئيس جديد للبرلمان العراقي
لا تزال الخلافات تعيق تعيين رئيس جديد للبرلمان العراقي خلفا لمحمد الحلبوسي المقال إذ أن حسابات السيطرة السياسية على المنصب في صميم الانقسامات داخل أجنحة الإطار التنسيقي.
ويقول الباحث المتخصص في الميليشيات الشيعية حمدي مالك في تقرير نشره معهد واشنطن إن عصائب أهل الحق تآمرت مع القضاء المسيس لإقالة الحلبوسي، لكنها لم تنجح في تنسيق عملية الاستبدال مع منظمة بدر. وفي الثالث عشر من يناير، عقد مجلس النواب العراقي جلسة لانتخاب رئيس جديد للمجلس بعد الإطاحة بالحلبوسي بموجب حكم غير مسبوق صدر من قبل القاضي جاسم عبود من المحكمة الاتحادية العليا في نوفمبر 2023.
ووفقا للمحكمة الاتحادية، خالف الحلبوسي عددا من النصوص الدستورية المتعلقة بالتعامل غير اللائق مع أعضاء مجلس النواب المنضوين تحت إمرته. وكان قرار الحكم موسعا للغاية في ما يتعلق بما يشكل خرقا دستوريا، فمن خلال النص على أنه يمكن عزل أعضاء مجلس النواب بسبب مجموعة واسعة من الانتهاكات، قدمت المحكمة صيغة لإقالة معظم المسؤولين المنتخبين الذين يثيرون حفيظة القضاة أو رعاتهم السياسيين.
وعمت الفوضى الجلسة التي انعقدت في الثالث عشر من يناير بسبب الانقسامات العميقة بين أعضاء “الإطار التنسيقي”، وهو تحالف القيادة الشيعية الذي يشرف على الفصائل السياسية العراقية المرتبطة بالميليشيات المدعومة من إيران. وبرزت هذه الانقسامات إلى الواجهة عندما أصبح من الواضح أن خيار الحلبوسي المفضل لرئيس مجلس النواب الجديد، شعلان الكريم، سيفوز بالتصويت على الأرجح. وفي تلك المرحلة أوقف النائب الأول لرئيس المجلس محسن المندلاوي عملية الانتخاب، الأمر الذي منع الكريم من تولي المنصب.
وعلى الرغم من أن المندلاوي عضو مستقل معلن، إلا أنه في الواقع قريب جداً من قيادة “الإطار التنسيقي”، التي كلفته بتسليم رئاسة مجلس النواب إلى محمود المشهداني، وهو برلماني سني مدعوم من “الإطار التنسيقي”. وتم ترشيح المشهداني من قبل التحالف السياسي “عزم”، المقرب من كبار وكلاء إيران في الميليشيات، ويبدو أن “عصائب أهل الحق” كانت الجهة الفاعلة الرئيسية في الجهود التي بُذلت لانتخابه.
ولعرقلة تعيين الكريم، اتهمه الحلفاء السياسيون لـ”عصائب أهل الحق” فجأة بالترويج لحزب البعث في مقطع فيديو قديم يُزعم أنه يُظهره وهو يمجّد صدام حسين. وعاد الفيديو إلى الظهور على وسائل التواصل الاجتماعي قبل وقت قصير على انعقاد الجلسة البرلمانية، مما أشار إلى أن جهات معينة قد خططت أساسا لمنع الكريم من أن يصبح رئيسا لمجلس النواب إذا ما حصل على عدد كاف من الأصوات.
وقال حسن سالم، النائب عن كتلة “صادقون” التابعة لـ”عصائب أهل الحق”، في تغريدة له على منصة إكس، “بهمة الشرفاء من أعضاء مجلس النواب الرافضين لعودة نفايات البعث المقبور استطعنا تأجيل جلسة البرلمان”. وكان سالم أيضا وراء تقديم شكوتين أخريين ضد الكريم. أولا، طلب من الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة (جهاز اجتثاث البعث الرئيسي في الحكومة) اتخاذ الإجراءات القانونية بحق الكريم “خلال 24 ساعة” بسبب الجريمة المزعومة المتمثلة في تمجيد حزب البعث. ثانيا، وجه رسالة إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يدعو فيها إلى إجراء تحقيق في تصريحات الكريم التي زُعم أنها تمجد حزب البعث.
وفي الوقت نفسه، أرسل عضوان آخران في مجلس النواب؛ فالح الخزعلي، وهو عضو بارز في “كتائب سيد الشهداء”، ويوسف الكلابي، وهو نائب آخر مستقل كما يُسمى، المقرب جدا من الميليشيات المدعومة من إيران، شكوى مماثلة يدعوان فيها المحكمة الاتحادية العليا إلى إلغاء ترشيح الكريم. كما طالبا بتأجيل جلسة مجلس النواب إلى حين صدور الحكم في جميع هذه الاتهامات.
وخارج دوائر الحكومة، أطلقت “عصائب أهل الحق” حملة إعلامية عنيفة هاجمت فيها فصائل أخرى في “الإطار التنسيقي” التي صوتت لصالح الكريم، حتى إنها اتهمت أعضاءها بقبول رشاوى من الحلبوسي. وقد تجنّب “ائتلاف دولة القانون” بزعامة نوري المالكي، والذي لم يصوت أعضاؤه إلى حد كبير لصالح الكريم، تكتيكات التشهير.
ولتعزيز هذه الحملة، ظهر عضو كتلة “صادقون” علي تركي على وسائل الإعلام الحية لتجريد الثقة بجلسة مجلس النواب بشكل أكبر. وفي إحدى الحالات، قال لـ”قناة دجلة” إن التصويت كان بمثابة السيرك الذي وجه ضربة لـ”الإطار التنسيقي” في أعين قاعدة دعمه. وأضاف أن من الضروري أن يعمل “الإطار التنسيقي” على “ترتيب أموره من الداخل”.
واجهت هذه الاتهامات ردود فعل عنيفة من أعضاء آخرين في “الإطار التنسيقي”، ولاسيما “حركة الحكمة” و”منظمة بدر”، وهما الهدفان المحتملان لافتراءات تركي. وأصدر المكتب السياسي لـ”منظمة بدر” بيانين خلال دقائق من الاتهامات. وفي البيان الأول لم تنكر “منظمة بدر” أن أعضاءها صوتوا لشعلان الكريم، بل تساءلت “أين كان هؤلاء المشنعون عندما أصبح شعلان الكريم نائبا في البرلمان عام 2010؟ والأعجب من ذلك أن اسمه قد عرض أمام ‘الإطار التنسيقي’ وقادته، ولم يعترض أحد”.
وجاء البيان الثاني بكلمات أكثر قوة، حيث اتهم الميليشيات الأخرى بالغيرة تجاه النجاح المزعوم لـ”منظمة بدر” في انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة في العراق، “نعلم علم اليقين أن وراء الهجمة أمرا آخر ضد ‘منظمة بدر’… إنها قضية كسر إرادات وتشويه سمعة بسبب النجاح الكبير لـ’بدر’ في انتخابات مجالس المحافظات”. ثم هددت الجماعة ببدء حملة التشهير الخاصة بها و”نشر غسيل الآخرين”.
ويمثل هذا التصريح الأسلوب القوي لزعيم “منظمة بدر” هادي العامري، فكلما تعرض للتهديد من قبل زملائه من قادة “الإطار التنسيقي”، اعتاد أن يحذرهم بصراحة من أنه يستطيع الرد على أي هجوم بطريقة مماثلة.
المصدر: جريدة العرب