غوتيريش: لا شيء يبرر “العقاب الجماعي” للفلسطينيين
شدد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يوم الإثنين على أنه “لا شيء يبرر العقاب الجماعي” الإسرائيلي اللاحق بسكان قطاع غزة الذين يعانون على نحو “لا يمكن تصوره”.
ووجه الأمين العام انتقادات حادة للطريقة التي تدير بها الدولة العبرية حربها في القطاع الفلسطيني المدمر، والتي تدخل الشهر المقبل عامها الثاني.
وقال غوتيريش في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، “هذا أمر لا يمكن تصوره: مستوى المعاناة في غزة، ومستوى الموتى والدمار لا مثيل له في كل ما شهدته منذ أن أصبحت أميناً عاماً” في 2017. وأضاف، “بالطبع، ندين كل هجمات (حماس) الإرهابية، وكذلك احتجاز الرهائن الذي هو انتهاك مطلق للقانون الإنساني الدولي”، لكن في معرض وصفه لما يشهده القطاع المحاصر من قتلى ودمار وجوع وأمراض لفت إلى أن “الحقيقة هي أنه لا شيء يبرر العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، وهذا ما نشهده على نحو دراماتيكي في غزة”.
المساءلة ضرورية
وقال غوتيريش إن “المساءلة يجب أن تكون ضرورية” في ما يتصل بالقتلى المدنيين، مشيراً إلى “انتهاكات واسعة النطاق” ارتكبتها إسرائيل، وكذلك أيضاً “حماس”.
وفي هذا الصدد دعا الأمين العام للأمم المتحدة مراراً إلى وقف فوري لإطلاق النار، لكن المحادثات التي تجرى بوساطة أميركية – مصرية – قطرية ما زالت تراوح مكانها وسط تقاذف إسرائيل و”حماس” المسؤولية عن عرقلة جهود التوصل لاتفاق.
وإذ وصف غوتيريش المحادثات بأنها “لا نهاية لها”، أعرب عن اعتقاده أنه سيكون من “الصعب جداً” التوصل إلى تسوية، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنه ما زال متفائلاً.
نتنياهو يرفض الرد على اتصالاته
ومع رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الرد على اتصالاته منذ أكتوبر (تشرين الأول) لا يعول غوتيريش على تحقيق اختراق خلال أسبوع من الاجتماعات الرفيعة المستوى للجمعية العامة التي ستعقد اعتباراً من الأحد.
وفي العادة يستقبل الأمين العام كل رؤساء الدول والحكومات الذين يشاركون في الجمعية العامة، لكنه على الأرجح لن يجتمع بنتنياهو هذه المرة.
وقال غوتيريش “على حد علمي فقد قيل بالفعل علناً إنه لا يعتزم طلب عقد اجتماع معي. لذلك بالطبع، من المحتمل جداً ألا يعقد الاجتماع”. وأضاف، “ليس المهم مسألة إجراء مكالمة هاتفية من عدمها أو عقد اجتماع من عدمه، المهم هو ما يحدث على الأرض. المهم هو معاناة الناس”.
تقويض حل الدولتين
وتابع، “المهم هو الإنكار المستمر لحل الدولتين وتقويض حل الدولتين من خلال تدابير مختلفة تطبق على الأرض”.
وأوضح الأمين العام أنه “مع قضم الأراضي، والإخلاءات، ومع المستوطنات الجديدة التي يتم بناؤها، وكل ذلك على نحو غير شرعي وفي سياق احتلال هو الآن، وفقاً لرأي محكمة العدل الدولية، بحد ذاته أيضاً غير شرعي”. وقال إن بعثة المراقبة المقترحة التي يدعمها للإشراف على أي وقف لإطلاق النار في المستقبل تبدو “غير محتملة”، إذ من غير المرجح أن تحظى بموافقة كل الأطراف. وتتطلب بعثات الأمم المتحدة موافقة الدول المضيفة.
وهذا واحد من الأسباب التي دفعت مجلس الأمن قبل نحو عام إلى تفويض بعثة متعددة الجنسيات، بقيادة كينيا وليس الأمم المتحدة، دعم الشرطة في هايتي في مكافحة عنف العصابات في بلد ينبذ قوات حفظ السلام الأممية.
لكن مع اقتصار ما تم نشره على بضع مئات من عناصر الشرطة وافتقار البعثة إلى التمويل، أثارت واشنطن احتمال تحويلها إلى بعثة أممية، وهو ما لا يمكن أن يحصل إلا بطلب من هايتي.
وقال غوتيريش، “غريب جداً أن يكون تمويل عملية للشرطة صغيرة نسبياً في هايتي بغاية الصعوبة”، واصفاً الأمر بأنه “غير مقبول على الإطلاق”.
مؤسسات عفا عليها الزمن
وفي معرض الرد على اتهامات للأمم المتحدة بأنها عاجزة عن كبح النزاعات في غزة وأوكرانيا وغيرها، حمل غوتيريش المسؤولية للدول الأعضاء، خصوصاً في مجلس الأمن وأعضائه الـ15، في ما يتصل بالقرارات، سواء المتخذة أو غير المتخذة.
وقال إن مجلس الأمن الدولي والمؤسسات المالية الدولية “عفا عليها الزمن وتعاني اختلالاً وغير عادلة”.
وأضاف “لقد حاولنا إيجاد حلول لحروب، لكن المشكلة تكمن في أنه ليست لدينا القدرة، وأحياناً الموارد، التي تمكننا من ذلك”.
إسرائيل قد تصبح “منبوذة”
وحذر خبراء أمميون يوم الإثنين من أن إسرائيل قد تصبح “منبوذة” دولياً على خلفية ما ترتكبه من “إبادة جماعية” في غزة، ونددوا بـ”ازدواجية معايير” في ما يتصل بالحرب في القطاع، مشددين على وجوب مساءلة الدولة العبرية.
وندد خبراء أمميون مستقلون كثر بما اعتبروه تصعيداً إسرائيلياً للعنف وانتهاكها لحقوق في غزة والضفة الغربية، وتجاهلها لقرارات محاكم دولية وتهجمها على الأمم المتحدة.
والمقررون الخاصون والخبراء المستقلون، يعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف، إلا أن هؤلاء لا يتحدثون باسم الأمم المتحدة.
وندد الخبراء بـ”ازدواجية معايير” في ما يتصل بالحرب المدمرة الدائرة في غزة وشددوا على وجوب مساءلة إسرائيل على أفعالها.
وقالت مقررة الأمم المتحدة الخاصة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية فرانشيسكا ألبانيزي “أعتقد أنه لا مفر من أن تصبح إسرائيل منبوذة على خلفية هجومها المستمر الذي لا هوادة فيه على الأمم المتحدة والفلسطينيين”.
ألبانيزي التي اتهمت مراراً إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة والتي تعرضت لانتقادات حادة وطالبت الدولة العبرية بإقالتها، تساءلت عما إذا من المسموح بالنسبة لإسرائيل “أن يتواصل الإفلات من العقاب على هجماتها التي لا هوادة فيها” على الأمم المتحدة.
من تونس وخلال مؤتمر عبر الفيديو، تساءلت ألبانيزي مخاطبة صحافيين في جنيف “هل يتعين النظر في عضويتها في هذه المنظمة التي يبدو أن إسرائيل لا تحترمها إطلاقاً؟”.
بدوره، شدد الخبير المستقل المعني بتعزيز نظام دولي ديمقراطي وعادل جورج كاتروغالوس، على وجوب أن تعامَل إسرائيل وفق المعايير نفسها المعتمدة مع كل البلدان، ودان هجماتها المتكررة على مسؤولين أمميين أو وكالات أممية. وقال لصحافيين، “لم يعد بإمكاننا تحمل هذا النوع من ازدواجية المعايير والنفاق”. وتابع، “أنا واثق من أن المواطنين التقدميين والديمقراطيين في إسرائيل لن يسمحوا لبلدهم بأن يصبح منبوذاً على غرار ما كانت عليه جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري”.
من جهته حذر المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي بيدرو أروخو – أغودو، من أن تجاهل إسرائيل وحلفائها الصارخ لما خلصت إليه محاكم دولية ومجلس الأمن وغيرهما من الهيئات الأممية في ما يتصل بالنزاع، يقوض المنظمة ككل. وقال، “نكون بصدد نسف الأمم المتحدة إذا لم نبد رد فعل”.
وترفض إسرائيل بشدة الاتهامات بأن هجومها على غزة يرقى إلى “إبادة جماعية” وتقول إنها تنفذ عمليات في إطار القانون الدولي.
وقالت البعثة الإسرائيلية يوم الإثنين “إن فرانشيسكا ألبانيزي معروفة بإساءة استخدام تفويضها الأممي التمييزي المتأصل لنشر أجندتها السياسية المليئة بالكراهية ومعاداة السامية والتضليل. إن موقفها، بما في ذلك الدفاع عن أفعال (حماس) وتبريرها، هو وصمة عار دائمة للأمم المتحدة”.
وأعربت ألبانيزي عن أسفها لـ”صمت مستمر” للعالم، وخصوصاً الدول الغربية إزاء معاناة “لا يمكن تصورها” في غزة.
وشدد أروخو أغودو على أن الحرمان من المياه في القطاع الفلسطيني المحاصر “يستخدم سلاحاً”. وقال إن سكان غزة يحصلون حالياً في المتوسط على 4,7 ليتر فقط من المياه للشخص الواحد يومياً، مقارنة بأكثر من 100 ليتر تعد عادة كافية لتلبية الاحتياجات اليومية.
وفي مداخلته أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الإثنين رفض ممثل لإسرائيل هذا الاتهام، متهماً بدوره “حماس” بأنها “أساءت إدارة المياه تماماً في غزة” وحملها مسؤولية “ضرر لا يمكن إصلاحه لحق بـ95 في المئة من الموارد الطبيعية للمياه”.
المصدر: اندبندنت عربية