لا رئيس في لبنان قبل انتهاء حرب غزة
يتقدم في لبنان صوت المدفع على أي صوت آخر في انعكاس مباشر للحرب الدائرة في غزة. فالتطورات العسكرية التي امتدت شظاياها إلى داخل الحدود الجنوبية اللبنانية، عطلت المشاورات والاتصالات الخارجية والداخلية في شأن الاستحقاق الرئاسي، وصار التركيز على محاذير الدخول في الحرب بدلاً من الاهتمام بمحاذير استمرار الشغور الرئاسي الذي تخطى اليوم في 31 أكتوبر (تشرين الأول) عامه الأول. وقال رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع ” قبل السابع من أكتوبر جمدت الملف الرئاسي عند درجة 10 تحت الصفر فيما اليوم جمدته عند درجة 100 تحت الصفر”. فالحركة الدبلوماسية باتت تقتصر حالياً على محاولة تجنب انزلاق لبنان في أتون النيران المشتعلة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مع تسجيل خرق يتيم تمثل وفق ما كشفت مصادر دبلوماسية لـ”اندبندنت عربية” بزيارة خاطفة قام بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى قطر، في الأسبوع الثاني من أكتوبر، أي بعد عملية “طوفان الأقصى”، هدفت إلى الاطلاع على حصيلة لقاءات الموفد القطري في بيروت الذي سعى إلى تأمين توافق على سلة من الأسماء، وللتشاور في إمكان حصول أي تقدم في مسار “خيار مرشح ثالث” غير سليمان فرنجية وجهاد أزعور، لكن بدا الأمر متعذراً بعد تجميد الموفدين الفرنسي والقطري مهمتهما.
وفيما يعول البعض على إمكان أن تسرع حرب غزة البت بالملف الرئاسي اللبناني من منطلق محاولة استيعاب أي تداعيات كارثية على البلد، يستبعد كثيرون هذا الاحتمال، ويرجحون أن تصبح الأزمة الرئاسية في المجهول بانتظار جلاء المشهد في إسرائيل وغزة. ويؤكد مصدر نيابي معارض لـ”اندبندنت عربية” أن الرئاسة في لبنان ستتأثر بنتائج الحرب فإذا ربحت “حماس” ومعها ما يسمى محور “الممانعة” الحليف لإيران، سيفرض “حزب الله” مرشحه سليمان فرنجية، وإذا خسرت فهذا يعني أن الكلام عن رئيس وسطي أو توافقي لم يعد يصلح، والرئيس المقبل لن يكون بحسب رأيه إلا قائد الجيش جوزيف عون. ويكشف مصدر دبلوماسي لـ”اندبندنت عربية” أن الغرب لن يسمح أن يصل رئيس مقرب من “حزب الله”، علماً أن الحراك الدبلوماسي في موضوع رئاسة الجمهورية متوقف حالياً.
هل يتأثر ميزان القوى الداخلي بتطورات غزة؟
تستبعد مصادر في المعارضة احتمال تعويم ترشيح رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية كنتيجة أولية لحرب غزة، وتعتبر أن المجموعة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والسعودية ومصر وقطر لن تبدل رأيها ولن تسمح بوصول مرشح “الممانعة”. وتؤكد المصادر أن “حزب الله” غير مهتم حالياً بملف رئاسة الجمهورية وما يعنيه حالياً “حرب الساحات” وكيفية إدارتها. في المقابل ينفي عضو كتلة حركة “أمل” (التنمية والتحرير) النائب قاسم هاشم لـ”اندبندنت عربية” أي علاقة لمجريات الأحداث بانتخابات رئاسة الجمهورية ويؤكد “حالياً لا يتحدث أحد باقتراب هذا الاستحقاق لأن الأولوية هي لإبعاد الآثار المباشرة لحرب غزة عن لبنان وألا تتجاوز حدود قواعد الاشتباك بكثير، لأننا ساعتئذ إذا ما فرضت التطورات علينا ما هو أدق فسنكون أمام مرحلة جديدة”. ويذكر هاشم بأن “آخر كلام في الرئاسة كان يوم جلسة إعادة تشكيل المطبخ النيابي خلال لقاء الرئيس بري برؤساء ومقرري اللجان النيابية المنتخبين ودعوته لتلقف الفرصة والإسراع بالتفاهم على انتخاب رئيس لإعادة انتظام عمل المؤسسات في ظل ما ينتظرنا في لبنان والمنطقة حيث الحاجة إلى حماية بلدنا وتحصين الوضع الداخلي”، ومنذ ذاك الوقت يضيف هاشم “الاتصالات تتمحور حول كيفية تجنيب لبنان أي انعكاس كبير لما يرتكب في حق الشعب الفلسطيني في غزة والاعتداءات التي يتعرض لها لبنان ومحاولة العدو الإسرائيلي زيادة مساحة استفزازاته اليومية بتوسيع بقعة عدوانه خارج قواعد الاشتباك المعروفة وهذا هم أساس للمعنيين”.
ويؤكد النائب كتلة حركة “أمل” البرلمانية أن المسؤولية الوطنية تحتم على الجميع التفتيش عن المساحة المشتركة لتأمين شبكة أمان وطنية وأساسها انتظام عمل المؤسسات وبأسرع وقت لأنه لا يمكن الرهان على أي عوامل مؤثرة، مستبعداً أي تأثير لما يجري في فلسطين على الواقع الداخلي اللبناني لأن الأهم بحسب رأيه هو التفاهم الوطني لحماية لبنان في اللحظة المصيرية التي تمر بها المنطقة.
تراجع الاهتمام بالرئاسة
ومع تراجع الاهتمام الدولي بالملف الرئاسي وفي مؤشر واضح إلى أن رئاسة الجمهورية قد ترحل إلى العام المقبل، نشطت حركة لافتة داخلية وخارجية في اتجاه إبعاد شبح الشغور عن موقع قيادة الجيش عند بلوغ العماد جوزيف عون سن التقاعد في الـ10 من يناير (كانون الثاني) المقبل.
وشكل هذا الموضوع بند تجاذب بين القوى السياسية، كون تأجيل تسريحه أو التمديد له من خلال رفع سن التقاعد، سيعطي قائد الجيش فرصة البقاء في السباق الرئاسي لحين جلاء مشهد غزة، وهو مما دفع الخصمان اللدودان، جبران باسيل وسليمان فرنجية، إلى الاتفاق معاً للمرة الأولى على رفض التمديد للعماد عون. في المقابل بدا “الثنائي الشيعي” غير مستعجل لبت هذا الملف وكشفت مصادر سياسية لـ”اندبندنت عربية” أن رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد لمراجعيه في هذه المسألة أنه لا شيء مستعجل، كما أبلغ رئيس وحدة الارتباط والتنسيق في “حزب الله” وفيق صفا الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن الحزب لن يستفز باسيل ولن يمشي بالتمديد لقائد الجيش.
وكشف النائب المستقل غسان سكاف لـ”اندبندنت عربية” أنه أعد اقتراح قانون ينص على التمديد لقادة الأجهزة العسكرية من رتبة لواء وما فوق، ولم يقدمه بعد لأنه لم يحصل من بري على ضمانات تؤكد إدراج الاقتراح على جدول أعمال الجلسة كما لم يضمن التصويت الإيجابي لنواب كتلة حركة “أمل”، في حين برز موقف لافت لحزب القوات اللبنانية من شأنه حشر رئيس المجلس ورمي مسؤولية الشغور في قيادة الجيش في ملعبه، حيث قدم تكتل “الجمهورية القوية” النيابي اقتراح قانون بصفة معجل مكرر لتعديل سن التسريح الحكمي لرتبة عماد من 60 عاماً إلى 61 وأعلن النائب جورج عدوان العودة عن قرار عدم المشاركة بأي جلسة تشريعية لمرة واحدة والاستعداد لحضور جلسة تخصص فقط لقرار التمديد، انطلاقاً من أن الاختلال في عمل المؤسسة العسكرية بمثابة تهديد للأمن القومي.
هل ينجز الاستحقاق على “الحامي”
ويعتبر النائب المستقل غسان سكاف أن التنازلات مطلوبة حالياً من كل القوى الداخلية حرصاً على المؤسسة العسكرية، كما بات ملحاً الإسراع في انتخاب رئيس للجمهورية لمواكبة المفاوضات المقبلة بعد انتهاء الحرب. ولا ينفي سكاف أن “حزب الله” يريد حالياً تجميد ملف الرئاسة بانتظار نتائج حرب غزة، فإذا دخل في الحرب يدخل معه البلد في دمار شامل لن يقوم منه قبل 10 سنوات، وإذا قرر ضبط النفس فسيطلب ثمناً لقاء ذلك وقد يكون موضوع رئاسة الجمهورية وغيره من الملفات الداخلية. ويؤكد سكاف استمراره في المساعي والاتصالات داخلياً وخارجياً من أجل إنجاز الاستحقاق الرئاسي، لأن هذا ما يحتاج إليه لبنان اليوم أكثر من أي وقت مضى، معتبراً أنه “إذا لم يستطع اللبنانيون إنجاز استحقاق بهذه الأهمية على البارد في فترة سنة كاملة فلينجزوه اليوم على الحامي قبل فوات الأوان”. وعلى القوى السياسية بحسب رأيه تقديم الاعتبار الوطني على كل الاعتبارات الأخرى وتحصين لبنان في هذا الظرف الدقيق.
المصدر: اندبندنت عربية