مخاوف من تراجع الحريات في تونس إثر اعتقال إعلاميين ومحامين

اعتقلت السلطات التونسية مساء السبت المحامية والصحافية سنية الدهماني خلال تواجدها في مقر هيئة المحامين بالعاصمة تونس والتي تعرف “بدار المحامي” بعد أن فتح القضاء التونسي تحقيقا إثر إدلائها بتصريحات ساخرة حول الوضع في البلاد على صلة بظاهرة الهجرة غير القانونية للأفارقة.

وأظهرت عدة فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي عناصر شرطة ملثمين يدخلون مقر “دار المحامي” ويدفعون الموجودين من محامين وإعلاميين.

ودانت فرانس24 في بيان صحفي بشدة عملية التدخل الأمني في مقر هيئة المحامين حين كانت مراسلة القناة الناطقة بالفرنسية في تونس بصدد إجراء مداخلة مباشرة على الهواء، حيث أوقفت قوات الأمن المصور الذي كان يعمل معها لمدة عشر دقائق قبل أن تطلق سراحه. واعتبرت القناة ما حدث “تضييقا على حرية الصحافة”.

اعتقال الدهماني أتى عقب إشارتها لتصريحات الرئيس التونسي قيس سعيّد بخصوص بقاء المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء في البلاد، حين رددت عبارة “شوف هاك البلاد الهايلة (ما هذه البلاد العظيمة)” في ما معناه أن تونس بلد لا يطيب فيه العيش، وهو ما اعتبرته السلطات مسّا بصورة البلاد ووجه إليها قاضي تحقيق استدعاء كما تناقلته وسائل إعلام محلية، بتهمة “تعمد استخدام شبكات وأنظمة معلومات… بهدف الإضرار بالأمن العام”، بموجب المرسوم 54. إلا أن المحامية والصحافية التي طالما تنتقد النظام والرئيس التونسي لم تستجب إلى هذا الاستدعاء فأمر قاضي التحقيق بإحضارها.

المحامون يضربون ويحتجون أمام المحكمة

صرح عميد المحامين التونسيين حاتم مزيو لوكالة الأنباء الرسمية التونسية “وات” بأن المحامين أعلنوا إضرابا في جميع محاكم البلاد بعد عقد اجتماع طارئ الأحد على خلفية اعتقال المحامية سنية الدهماني بعد اقتحام مقر هيئة المحامين لتنفيذ مذكرة توقيف في حقها. وطالب العميد بالإفراج فورا عن الدهماني وأدان عملية اقتحام مقر الهيئة والذي وصفه “بالاعتداء السافر”.

وتجمع الإثنين العشرات من المحامين أمام المحكمة للمطالبة بالإفراج “الفوري” عن الدهماني. حسب ما ذكرت وكالة رويترز موردة شعارات رفعوها مثل “حريات حريات لا قضاء التعليمات” و”يا للعار المحامين في الحصار” و”يا سنية لا تهتمي الحريات تفدى بالدم”.

وصرحت المسؤولة بنقابة الصحافيين أميرة محمد بأن “المحاماة والصحافة هما من ركائز الحرية واليوم الصحافيون والمحامون يواجهون قيودا مستمرة ويلاحقون فقط بسبب آرائهم”.

الاعتقالات متواصلة

القضاء التونسي أصدر الأحد مذكرة توقيف بحق إعلاميين تونسيين اثنين كانا يعملان أيضا مع سنية الدهماني في قناة تلفزيونية خاصة وهما مقدم البرامج برهان بسيّس والمحلل السياسي مراد الزغيدي، وهما شخصيتان إعلاميتان معروفتان في المشهد الإعلامي التونسي، وأصدر القضاء مذكرة احتفاظ بشأنهما لمدة 48 ساعة على أن يمثلا الإثنين أمام قاضي التحقيق مجددا”. ويعمل كل من الزغيدي وبسيس مع سنية الدهماني في نفس البرامج في راديو “آي إف إم” الخاص وبالتلفزيون الخاص “قرطاج +”.

وذكر المحامي غازي المرابط أن التحقيق مع مراد الزغيدي يأتي “بخصوص تدوينة على مواقع التواصل الاجتماعي يساند فيها صحافيا موقوفا، وكذلك عن جملة تصريحاته خلال برامج تلفزيونية منذ شهر شباط/فبراير الماضي”.

في حين قال المحامي نزار عيّاد الذي يدافع عن برهان بسيّس أن إيقاف هذا الأخير جاء على خلفية “الإساءة إلى رئيس الجمهورية عبر البرامج الإذاعية والتدوينات”.

المتحدث باسم المحكمة الابتدائية بتونس محمد زيتونة صرح لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه “تم الاحتفاظ لمدة 48 ساعة بكل من مراد الزغيدي وبرهان بسيس من أجل جريمة استعمال أنظمة معلومات لنشر وإشاعة أخبار تتضمن معطيات شخصية ونسبة أمور غير حقيقية بهدف التشهير بالغير وتشويه سمعته”.

ومددت النيابة العامة الإثنين قرار التحفظ على الإعلاميين التونسيين برهان بسيس ومراد الزغيدي بعد اعتقالهما الأحد على خلفية انتقاد قرار إيقاف زميلتهما المحامية سنية الدهماني السبت.

المرسوم 54… “تهديد جديد” لحرية التعبير في تونس؟

في 13 أيلول/سبتمبر 2022 أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوما يعُرف بـ”المرسوم 54″. ينص على مكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصالات. مرسوم أثار حفيظة جانب من التونسيين وتعتبره المعارضة غطاء قانونيا لعودة الرقابة ومحاولة السيطرة على حرية الإعلام وتقييد حرية التعبير في البلاد واعتداء على الخصوصية وأيضا رأوا فيه تراجعا في مكاسب التونسيين التي حصلوا عليها بعد الثورة التي أطاحت بزين العابدين بن علي في 2011 .

ويعاقب هذا القانون “كل من ينشر أو يبث أو ينقل أو يعيد نشر أو يتداول أخبارا زائفة أو مغلوطة أو مضللة أو مسيئة أو مهينة أو مسيئة للأمن العام أو الدفاع الوطني أو تسبب الرعب بين السكان، بالسجن من سنة إلى خمس سنوات وبغرامة مالية تتراوح بين 10 آلاف و50 ألف دينار – نحو 3 آلاف يورو، و17 ألف يورو-” .

وقال قيس سعيّد إن هذا المرسوم يأتي كاستجابة لمطالب المجتمع المدني للحماية من الجرائم الإلكترونية.

إلا أن منظمات حقوقية وصحفية تعتبر أنه أداة لملاحقة الأشخاص على خلفية منشوراتهم وآرائهم. حتى أن منظمة العفو الدولية عبّرت في مقال على موقعهاعن مخاوف من أن يصبح هذا المرسوم تهديدا جديدا لحرية التعبير في تونس. مستشهدة بعدة حالات وجد خلالها إعلاميون وصحافيون ونشطاء ومحامون وحتى طلبة أنفسهم أمام قضاة تحقيق على خلفية منشورات وتصريحات يجرمها هذا المرسوم.

وكانت نقابة الصحافيين التونسيين قد طالبت في بيان نشر على موقعها، بوقف الاعتقالات التي تطال الصحافيين خلال تأديتهم لعملهم، استنادا لعدد من القوانين من بينها مرسوم 54.

احتجاجات للإفراج عن المعتقلين

وتجمع الأحد المئات من المتظاهرين في العاصمة التونسية مطالبين بالإفراج عن الصحافيين والناشطين وشخصيات من المعارضة يقبعون اليوم في السجون كرئيس حزب النهضة راشد الغنوشي وزعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسى وشخصيات معارضة بارزة كجوهر مبارك وعبد الحميد الجلاصي وخيام التركي بشبهة التآمر على أمن الدولة.

ويحكم قيس سعيّد البلاد بقبضة من حديد منذ منح نفسه كل الصلاحيات في يوليو 2021 حين حل البرلمان واعتمد الحكم بالمراسيم، وذلك بعد عامين من فوزه في الاستحقاق الرئاسي عام 2019.

ومن المنتظر أن تنظم انتخابات رئاسية جديدة في تونس في 2024 إلا أنه لم يتم تحديد موعد لها.

المصدر: فرانس 24