آيرلندا الشمالية تحيي أحداث «الأحد الدامي» في ظل تحديات «بريكست»

استذكرت مدينة لندن ديري في آيرلندا الشمالية، أمس (الأحد)، يوماً أسود في تاريخ المملكة المتحدة، عندما أطلق جنود بريطانيون قبل 50 عاماً النار على متظاهرين مدافعين عن الحقوق المدنية، رغم عدم تعرُّضهم لأي استفزاز.

وتأتي ذكرى «الأحد الدامي» في وقت يهدد «بريكست» السلام الهش في شمال آيرلندا، بينما تشعر عائلات الضحايا باليأس حيال إمكانية محاكمة الجنود المتورطين.

وشاهد تشارلي ناش، قريبه ويليام ناش البالغ 19 عاماً، يُقتل برصاصة من بين أكثر من مائة أطلقها فوج المظليين البريطانيين في 30 يناير (كانون الثاني) 1972. وقال ناش -وهو اليوم في السابعة والثلاثين من عمره- لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «اعتقدنا أن أعمال شغب اندلعت؛ لكن لم يحدث أي من ذلك على الإطلاق. اعتقدنا في البداية أنه رصاص مطاطي».

وأضاف: «لكننا رأينا هيو غيلمور (أحد الضحايا الستة البالغة أعمارهم 17 عاماً) ميتاً. لم يكن بإمكاننا استيعاب الأمر. كان الجميع يركضون». وأكد: «من المهم أن ترى بقية العالم ما فعلوه بنا يومها. لكن هل سنشهد عدالة في يوم ما؟ إطلاقاً، وبالأخص ليس من (رئيس الوزراء البريطاني) بوريس جونسون».

ووصف جونسون، هذا الأسبوع، «الأحد الدامي» بـ«اليوم المأساوي في التاريخ»؛ لكن حكومته تدافع عن قانون يرى معارضوه أنه يرقى إلى عفو عن جميع عمليات القتل التي وقعت على مدى 3 عقود من الاضطرابات الطائفية، بما في ذلك تلك المرتكبة من قبل قوات الأمن. وقُتل 13 متظاهراً يوم «الأحد الدامي»، عندما أطلقت القوات المظلية النار في الشوارع.

وتعرَّض بعض الضحايا لإطلاق نار من الخلف، أو بينما كانوا ممدَّدين أرضاً، أو أثناء تلويحهم بمناديل بيضاء.

وعند مدخل منطقة بوغسايد الكاثوليكية، ينتصب جدار يحمل عادة عبارة «تدخلون الآن ديري الحرة» مكتوبة عليه. لكن في نهاية هذا الأسبوع، بينما يستعد أقارب الضحايا لتعقُّب خطوات المسيرة الحقوقية التي خرجت عام 1972، كُتب على الجدار «لا توجد عدالة بريطانية».

وبعدما برَّأ تقرير مبدئي صدر عن الحكومة القوات المظلية والسلطات إلى حد كبير، توصَّل تحقيق تاريخي استمر 12 عاماً، ووضع في 5000 صفحة عام 2010، إلى أن الضحايا كانوا عُزلاً، ولم يمثلوا أي تهديد، وأن قائد الجنود ميدانياً خالف الأوامر.

وقال رئيس لجنة التحقيق، والقاضي السابق، وعضو مجلس اللوردات البريطاني، مارك سافيل، لإذاعة «بي بي سي»، السبت: «توصلنا في التحقيق إلى استنتاج مفاده أن عمليات إطلاق النار كانت غير مبررة، ولا يمكن تبريرها». وتابع: «أتفهَّم أن الناس يشعرون في ظل هذه الظروف بأن العدالة لم تتحقق بعد»؛ لافتاً إلى أنه كان يجدر بالحكومة مباشرة ملاحقات قانونية «قبل وقت طويل جداً»؛ إذ إن الجنود الناجين أصبحوا مسنين اليوم.

وكانت لندن ديري (المعروفة في أوساط القوميين الموالين لآيرلندا باسم ديري)، وما زالت، مدينة كاثوليكية بالمجمل؛ لكنها شهدت تمييزاً في السكن والتوظيف والتعليم لصالح الأقلية البروتستانتية المؤيدة لبريطانيا.

وجعل التوتر الناجم عن عدم المساواة من لندن ديري مهداً لما عُرف بحقبة «الأحداث» في شمال آيرلندا التي بدأت أواخر ستينات القرن الماضي، وانتهت أخيراً مع اتفاق «الجمعة العظيمة» سنة 1998.

ومثَّل انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي تهديداً للتوافق الهش المخيم منذ ذلك الوقت. ويطالب الوحدويون البروتستانت حكومة جونسون بإلغاء بند متعلِّق بالتجارة في آيرلندا الشمالية ما بعد «بريكست»، والذي يتعامل مع المقاطعة بشكل يميِّزها عن بقية مناطق المملكة المتحدة (إنجلترا واسكوتلندا وويلز).

وتتعاطف الحكومة التي تخوض محادثات منذ مدة طويلة مع الاتحاد الأوروبي في هذا الشأن، مع مطالب هؤلاء.

في المقابل، يأمل بعض القوميين مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المحلية في مايو (أيار)، أن يساهم «بريكست» في تحقيق ما لم ينجح «الجيش الجمهوري الآيرلندي» في تحقيقه قط: آيرلندا موحَّدة بعد قرن من تشكيل المملكة المتحدة «دولة بروتستانتية» شمالًا.

ويتفوَّق «شين فين» الذي كان في الماضي الجناح السياسي لـ«الجيش الجمهوري الآيرلندي»، على الوحدويين الذين كانوا يهيمنون في الماضي، بحسب استطلاعات الرأي.

وتقول ديردر هينان التي تقطن لندن ديري، وتُدرِّس السياسة الاجتماعية في جامعة ألستر، إن «آيرلندا الشمالية تجد نفسها مجدداً في عين عاصفة سياسية؛ حيث نبدو بمثابة ضرر جانبي لرئيس وزراء مستقبله على المحك». وتضيف: «كان سلوك الحكومة حيال عملية السلام متهوِّراً».

وسعى المتشددون البروتستانت للتذكير بموقفهم قبيل الذكرى، فرفعوا أعلام فوج المظليين في أحد معاقل الوحدويين في لندن ديري، في خطوة أثارت استياء القوميين. وتساءل المرشد السياحي والمؤرِّخ المحلي جورج رايان (61 عاماً): «كيف يمكنهم القيام بأمر كهذا، في نهاية الأسبوع هذا بالذات؟ كان هؤلاء فتية أبرياء قُتلوا على أيدي المظليين». وأضاف: «هل سيأتي اليوم الذي يمثل فيه أي من الجنود أمام المحكمة والقانون؟ يبدو الأمر مستبعداً أكثر من أي وقت مضى؛ لكنه يحمل أهمية أكثر من أي وقت مضى».

المصدر: الشرق الأوسط