إسرائيل: هل سيؤثر مشروع تعديل المنظومة القضائية على الاقتصاد؟

بعد السياسيين ومنظمات من المجتمع المدني، ندد العديد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات، لا سيما تلك المتخصصة في مجال التكنولوجيا الدقيقة بمشروع بنيامين نتانياهو -القاضي بتعديل نظام القضاء الإسرائيلي- المثير للجدل. وكتب عدد من المستثمرين ورؤساء سابقين في البنك المركزي في رسالة نشرتها إحدى الصحف العبرية أن مشروع الإصلاح سيؤثر “سلبا” على الاقتصاد. لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أكد أنه “عندما يمر الإصلاح القضائي، سيرى الجميع أن سيادة القانون لم تمس وأن الديمقراطية لا تزال على حالها”.

تشهد إسرائيل منذ عدة أسابيع مظاهرات حاشدة منددة بمشروع تعديل النظام القضائي المثير للجدل والذي تريد حكومة بنيامين نتانياهو تمريره.

الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الحاكم، والذي يضم أحزابا من اليمين واليمين المتطرف، يسعى إلى تقليص سلطات المحكمة العليا ومنح السياسيين سلطات أكبر في اختيار القضاة.

ما أدى إلى تنظيم مظاهرات حاشدة في العاصمة تل أبيب منذ الإعلان عن النص في بداية كانون الثاني/يناير الماضي.

وانتقدت أحزاب اليسار وشخصيات سياسية بارزة ومنظمات مدافعة عن حقوق الإنسان المسعى الذي يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو تحقيقه بمساعدة وزير العدل ياريف ليفين.

وإضافة إلى شخصيات سياسية، أعلن العديد من رجال الأعمال وأصحاب الشركات عن مخاوفهم من أن يؤثر هذا المشروع سلبا على الاقتصاد الإسرائيلي والتعاملات التجارية مع الدول الأجنبية.

فعلى سبيل المثال، نشر رئيسان سابقان لبنك إسرائيل المركزي الأسبوع الماضي مقالا في جريدة “يديعوت أحرونوت ” انتقدا فيه مشروع حكومة نتانياهو الذي قد يتسبب في “ضربة قاسية للاقتصاد” وفقهما.

نتانياهو ينفي وجود تأثير سلبي على الاقتصاد

وكتب كارنيت فلوغ وجاكوب فرانكل “يجب أن نفهم بأن هناك علاقة (قد لا تظهر في الوهلة الأولى) بين قدرة المنظومة القضائية على انتقاد الحكومة وأداء الاقتصاد”.

من جهته، أضاف عمر معاف، أستاذ الاقتصاد في جامعة “ريشمان” بتل أبيب لنفس الجريدة “هناك علاقة وطيدة بين الاستثمار والنمو الاقتصادي من جهة والنظام الديمقراطي من جهة أخرى”، معتبرا أن “عندما يضعف النظام القضائي وتقوم السلطة التنفيذية بسن القوانين وفق مصالحها، فهذا سيفتح الباب واسعا أمام الفساد والغموض السياسي: حاجزان أساسيان أمام المستثمرين والأسواق”.

رجال المال والمستثمرون قلقون من مشروع إصلاح المنظومة القضائية

ويعد تراجع العملة الإسرائيلية “الشيكل” أمام الدولار (-7 بالمئة في أواخر الشهر الأول من العام 2023) واليورو (-3.33 بالمئة) من بين المؤشرات التي تبين مدى وجود ارتباط وثيق بين الاقتصاد ومشروع إصلاح المنظومة القضائية وفق رؤية رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو.

لكن هذا الأخير أكد أن المشروع لن “يضر باقتصاد البلاد”. وقال في مؤتمر صحفي مع وزير المالية بتسلئيل سموتريتش من حزب الصهيونية الدينية المتشدد “في الأيام الأخيرة، سمعت مخاوف بشأن تأثير الإصلاح القضائي على مرونتنا الاقتصادية… العكس هو الصحيح”.

وتابع: “عندما يمر الإصلاح القضائي، وسوف يمر أنا مقتنع بأن الجميع سيرى أن سيادة القانون لم تمس وقد تم تعزيزها. وأن الديمقراطية لا تزال على حالها، بل وتم تعزيزها وأن اقتصادنا الحر لا يزال سليما بل وتم تعزيزه”.

ولم تطمئن تصريحات بنيامين نتانياهو المستثمرين الاقتصادين الإسرائيليين. إذ نشر حوالي 250 منهم رسالة على موقع “واي نت” الإخباري التابع لصحيفة “يديعوت أحرنوت” عبروا فيها عن “قلقهم العميق من أن إضعاف القضاء سيؤدي إلى ضرر طويل الأمد لمسار نمو الاقتصاد ونوعية حياة سكان إسرائيل”. ورغم الانتقادات يريد نتانياهو المضي قدما في إصلاح نظام القضاء في بلاده.

وفي تصريح للصحافة الإسرائيلية، أعلن درور سالي، وهو مستثمر في مجال التكنولوجيا “لا نملك لغاية الآن إحصائيات دقيقة حول انخفاض الاستثمارات الأجنبية في مجال التكنولوجيا والتي تمثل ما بين 85 إلى 90 بالمئة من هذه الاستثمارات في بلادنا، لكن في نفس الوقت لم أسمع بأن شركة متخصصة في هذا المجال تمكنت من جذب استثمارات مالية خارجية”. وأنهى: “كل ما بنيناه في السنوات الثلاثين الأخيرة بدأ ينهار”، محذرا من “هجرة الأدمغة إلى دول أجنبية”.

وكان موظفو قطاع التكنولوجيا فائقة الدقة قد نظموا مظاهرة احتجاجية نهاية شهر كانون الثاني/يناير الماضي في تل أبيب للتنديد بالمشروع الحكومي. فيما هددت شركة “بابايا غلوبال” المتخصصة في بناء منصات افتراضية لتسديد الرواتب بإجلاء أموالها من إسرائيل بالرغم من أن قيمتها المالية في البورصة تتعدى ثلاثة ونصف مليار دولار.

هل سيرّكع الاقتصاد نتانياهو؟

من ناحيته، أكد فريديريك ميتيزو، مراسل قناة فرانس أنفو في القدس أن نتانياهو طلب من وزير الشؤون الاستراتيجية “طمأنة الوكالات العالمية للتصنيف الائتماني” ومن وزير المالية الذهاب إلى أمريكا للقاء المستثمرين.

هذا، ووافق البرلمان في قراءة أولى على بندين أساسيين في الإصلاح. الأول يغيّر عملية تعيين القضاة. والثاني يجعل المحكمة العليا غير مؤهلة لإلغاء أي تعديل للقوانين الأساسية التي تعتبر بمثابة دستور في إسرائيل.

وهناك بند آخر مثير للجدل يقضي بإدخال بند “الاستثناء” الذي يتيح للبرلمان إلغاء بعض قرارات المحكمة العليا بغالبية بسيطة تبلغ 61 صوتا من أصل 120 عضوا في البرلمان، يتوقع أن يتم التصويت عليه في قراءة أولى في موعد لاحق.

المصدر: فرانس 24