الاتحاد الأوروبي ينضم إلى فرنسا في التحذير من تسلل ميليشيا «فاغنر» إلى مالي

لم ترجع وزيرة الدفاع الفرنسية فلورنس بارلي من جولتها إلى الساحل؛ حيث زارت النيجر؛ وخصوصاً مالي، بجواب شاف وضمانات بشأن تخلي باماكو عن خططها الاستعانة بمجموعة «فاغنر» الروسية لتدريب قواتها المسلحة وتوفير الحماية لقياداتها العسكرية والمدنية. وحتى اليوم؛ لا يبدو أن تهديدات باريس بسحب القوة الفرنسية المسماة «برخان»؛ العاملة في مالي منذ عام 2014 والتي خلفت قوة «سيرفال»، لصعوبة التعايش بينها وبين مرتزقة «فاغنر» قد فعلت فعلها، بالنظر للتصريحات التي صدرت عن عدد من المسؤولين في باماكو والتي ترفض أي تدخل أجنبي في قراراتها.
حتى وقت قصير، كانت ألمانيا الدولة الأوروبية الوحيدة التي انضمت إلى فرنسا في التحذير من تسلل «فاغنر» إلى مالي بعد أن ظهرت في ليبيا إلى جانب قوات المارشال خليفة حفتر، ثم في جمهورية أفريقيا الوسطى. والتخوف الغربي أن تكون باماكو محطة لقفزة جديدة في بلدان الساحل وأفريقيا الغربية بما يهدد المصالح الأوروبية ويشكل «حصان طروادة» للنفوذ الروسي بالنظر للتقارب اللصيق بين «فاغنر» والكرملين.
آخر من أدلى بدلوه في هذه المسألة «وزير» الخارجية الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي أطلق تهديدات، أول من أمس، من نيويورك، بمناسبة مشاركته في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة. وذهب المسؤول الأوروبي إلى ما سبقته إليه باريس وبرلين؛ أي تحذير باماكو من أن اللجوء إلى خدمات المجموعة الروسية «من شأنه التأثير جدياً على العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ومالي». وبالطبع؛ لم يشر بوريل إلى ما يمثله حضور «فاغنر» من تهديد للمصالح الأوروبية؛ مركزاً، بدلاً من ذلك، على الانتهاكات التي ترتكبها وعدم تقيدها بالقوانين المرعية الإجراء؛ بقوله: «نحن نعلم كيف تتصرف هذه المجموعة في أجزاء من العالم»، مشيراً بشكل خاص إلى ما ينقل عن تجاوزات ترتكبها الميليشيا الروسية في جمهورية أفريقيا الوسطى.
يذكر أن أوروبا ضالعة في مالي؛ إنْ من خلال المساعدات الاقتصادية، وإنْ من خلال الدعم العسكري الذي يتخذ وجهتين؛ الأولى: تدريب القوات المالية المسلحة والمساهمة في تمويل القوة الأفريقية المشتركة المسماة «جي5». والثانية: عبر المشاركة في قوة الكوماندوز «تاكوبا» التي تنحصر مهامها في مواكبة القوات المالية في عملياتها العسكرية.
من جانبها، قالت بارلي عقب اجتماعها بنظيرها المالي إن لجوء باماكو إلى «فاغنر» يعني «خيار العزلة»؛ لأنه يأتي في زمن «لم يسبق أن حشدت الأسرة الدولية مثل هذه الأعداد (من القوات) من أجل مكافحة الإرهاب في الساحل». ونقل صحافيون رافقوا بارلي في رحلة العودة إلى باريس أنها أفادت بأن وزير الدفاع المالي أبلغها بأنه لم يتم اتخاذ أي قرار نهائي بهذا الصدد. وإذا كان الأخير صادقاً، فإن تدخل بالي؛ ومعها الألمان والأوروبيون، يعني أن ما يقومون به «مسعى استباقي» لعل التهديد والوعيد يمنع الماليين من اجتياز خطوة يعدّونها محفوفة بالمخاطر.
حقيقة الأمر أن الخيبة الكبرى تصيب باريس بالدرجة الأولى؛ نظراً للدور المركزي الذي قامت به في منع سقوط باماكو في أيدي الجهاديين ومجموعات أخرى مسلحة في بداية عام 2013، ثم في انخراطها العسكري والسياسي إلى جانب الحكومات المالية المتعاقبة. إلا إن الانقلابين العسكريين اللذين عرفتهما البلاد (الأول في 18 أغسطس/ آب 2020 الذي أطاح الرئيس بوبكر كيتا، والثاني في 24 مايو/ أيار وأخرج الرئيس المؤقت باه نداو) بينا أن تأثير باريس على قيادات الجيش المالي قد تراجع كثيراً، وأن الانقلابين حدثا «من وراء ظهر فرنسا». وفيما كانت باريس تخطط لخفض عديد قواتها العاملة في مالي وبلدان الساحل بشكل عام إلى النصف؛ وفق ما أعلنه الرئيس إيمانويل ماكرون في أكثر من مناسبة، فإن بعض العسكريين رأى في ذلك «حجة» للتعامل مع «فاغنر». يضاف إلى ذلك أن زيارة بارلي إلى باماكو لم يكن هدفها فقط الضغط على القيادة العسكرية المالية لثنيها عن استدعاء مجموعة «فاغنر» التي قيل إنها ستكلف الحكومة 10 ملايين دولار في الشهر مقابل إرسال ألف عنصر؛ بل أيضاً الإشراف على بدء انسحاب القوة الفرنسية من 3 قواعد في شمال البلاد. ويعكس هذا التخلي عن مواقع رئيسية تغييراً في استراتيجية باريس العسكرية التي لم تعد تهدف إلى طرد المجموعات الجهادية؛ وأبرزها «القاعدة في بلاد المغرب»، و«داعش في الصحراء الكبرى»، من مناطق وجودها وتأمينها وإعادة الخدمات الحكومية والإدارة إليها، بل فقط ملاحقة واستهداف المجموعات الإرهابية وضربها والتركيز على قياداتها. ومثل قتل زعيم «داعش في الساحل» بعملية كوماندوز حدثت منتصف الشهر الماضي لكن لم يعلن عنها إلا مؤخراً، تكريساً للاستراتيجية الجديدة. بيد أن السلطات المالية رأت في خفض عديد «برخان» وإعادة تموضعها وإغلاق قواعد رئيسية بداية تخلٍّ عن البلاد.
وجاء الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان لتقوم مقارنات بين الوضعين الأفغاني والمالي؛ بحيث ضاعف المخاوف من أن تحذو باريس حذو الولايات المتحدة الأميركية وتترك الساحل لمصيره، خصوصاً أن أصواتاً تسمع فرنسياً وتتساءل عن الزمن الذي ستبقى فيه «برخان» في الساحل، وعن الفائدة المرجوة. إزاء هذه الشكوك، لم تفتأ باريس تؤكد أنها لا تنسحب من مالي والساحل؛ إذ سيبقى لها نحو 2500 رجل بحلول عام 2023، وأنها ليست لديها خطط لهذا الغرض.
يبقى أن آخر من أدلى بدلوه في هذه الإشكالية هي الأمم المتحدة التي تنشر في مالي قوة حفظ سلام مؤلفة من 15 ألف جندي. وبحسب بيان صادر عنها، فإنها نأت بنفسها عن تهديدات الانسحاب وشددت على ضرورة أن تلتزم أي شراكة بين الحكومة وقوات عسكرية أجنبية مهما تكن هويتها بمعايير احترام حقوق الإنسان وذلك بعيداً عن المصالح الخاصة بهذا الطرف أو ذاك، ملمحة، على ما يبدو، إلى ما ينقل من تجاوزات «فاغنر» في جمهورية أفريقيا الوسطى.

المصدر: الشرق الأوسط