القمر والشمس وحركة الكواكب.. هل تتسبب فعلاً في حدوث الزلازل؟ كيف؟

في وقت لا يتوقف فيه الهولندي فرانك هوغربيتس، الذي تنبأ بزلزال تركيا وسوريا، عن إثارة الجدل حول وقوع زلازل جديدة خلال الأيام القادمة، واتباعه أساليب مختلفة في التنبؤ بالزلازل، يدور التساؤل حالياً حول هذه الأساليب وحقيقة العلاقة بين القمر واصطفاف كواكب المجموعة الشمسية في وقوع الزلازل على كوكب الأرض.

وقبل تناول أحدث ما نشرته الدراسات العلمية في هذا الشأن، تجدر الإشارة هنا إلى أن فرانك هوغربيتس ليس بالعالم، ولا حتى الباحث المعترف به، بل إنه حتى لا يوجد دليل على دراسته علم الجيولوجيا المرتبط بطبقات الأرض. فهل يعني هذا أن تلك العلاقة بين الكواكب ووقوع الزلازل غير صحيحة؟ الإجابة ليست بسيطة كما يعتقد البعض.
تأثير الشمس والقمر

لنبدأ بالشمس والقمر وتأثيرهما على وقوع الزلازل. تؤثر جاذبية القمر (وبشكل أقل جاذبية الشمس) على البحار والمحيطات، فيما يُعرف بظاهرة “المد والجزر”.

“المد والجزر” ظاهرة تتمثل في ارتفاع وانخفاض مستويات سطح البحر الناجمين عن التأثيرات المشتركة لقوى الجاذبية التي يمارسها القمر (وبدرجة أقل الشمس) ونتيجة أيضاً دوران الأرض والقمر حول بعضهما البعض. تتداخل بعض العوامل التي تحدد وقت ونطاق المد والجزر، مثل محاذاة الشمس والقمر والأنظمة البرمائية للمحيطات وشكل الخط الساحلي، وغيرها.

تم إثبات تأثير “المد والجزر” في وقوع الزلازل من خلال عدد متزايد من الدراسات والتحقيقات العلمية، التي أظهر معظمها أن الزلازل مرتبطة بشكل إيجابي بالمد والجزر، وبالتالي، يوفر المد والجزر أداة محتملة للتنبؤ بالزلازل، خاصة بالنسبة للزلازل وشيكة الحدوث بالفعل.

أظهرت دراسة نشرها موقع sciencedirect، وجود علاقة عالية الارتباط بين الزلازل التكتونية والمد والجزر، قبل حدوث الزلازل الكبيرة وبعدها. الزلازل التكتونية هي التي تحدث نتيجة حركة مفاجئة للصفائح التكتونية على طول الفوالق والصدوع.

أما بالنسبة للزلازل البركانية، التي تحدث نتيجة صعود الصهارة تحت البراكين النشطة، فتشير الدراسة إلى وقوع علاقة بين الزلازل البركانية في المناطق البركانية القريبة من ساحل البحر وتلك البراكين الموجودة في التلال الموجودة في أعماق المحيط مع قوى المد والجزر.

وبالنسبة للزلازل البطيئة، التي تطلق فيها طاقتها على مدار ساعات أو حتى أشهر، فإن تواتر مدة الهزة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمد والجزر.

كانت هناك أيضاً بعض الارتباطات الصغيرة لكنها مهمة، بين ظاهرة المد والجزر ومعدل حدوث الهزات الارتدادية في بعض المناطق البركانية.

كيف يؤثر المد والجزر على وقوع الزلازل؟

يتسبب تأثير المد والجزر الناجم عن الشمس والقمر في إثارة الزلازل، إما بشكل مباشر عبر المد الأرضي في القشرة نفسها، أو بشكل غير مباشر عن طريق الحمل الهيدروستاتيكي (الضغط الناتج عن الماء الساكن) الحاصل بسبب المد الحاصل في المحيطات.

لاحظ أن ظاهرة المد والجزر بسبب جاذبية القمر لا تحدث فقط في المحيطات، لكنها تحدث على اليابسة أيضاً، ويطلق عليه المد الأرضي، وهو إزاحة السطح الصلب للأرض بسبب جاذبية القمر والشمس.

هنا، يتسبب المد والجزر في إطلاق الزلازل في الصخور التي هي بالفعل وصلت إلى حد التصدع. وبالتالي، تحدث نسبة أعلى من الزلازل في أوقات المد والجزر الأقصى، كما هو الحال في وقت تكون القمر الجديد ووقت اكتمال القمر.

كشفت دراسة بجامعة كولومبيا، أن الصهارة الموجودة أسفل الفوالق الموجودة في أخاديد المحيطات ترتبط بالآلية الكامنة وراء وقوع الزلازل نتيجة الجزر، وليس المد كما كان معتقداً.

يعود هذا إلى توسع وتقلص ما يسمى “غرفة الصهارة”، وهي عبارة عن حوض ضخم من الصخور المنصهرة داخل نتوءات في السطح السفلي للقشرة الأرضية. خلال ظاهرة الجزر، يخف الضغط على هذه الغرفة مما يجعلها تتوسع، وهو ما يعطي إمكانية تحرك وانزلاق الصفيحة التكتونية السفلى على طول الأخدود أو الصدع مسببة وقوع زلزال.

أما الزلازل على سطح الأرض، فإن الإجهاد (الضغط) الناجم عن جاذبية الشمس والقمر يضاف إلى الإجهاد الموجود بالفعل بين الصفائح التكتونية نتيجة حركتها، مما يسهم في وقوع الزلازل عند لحظة ما. حتى الآن لا يمكن معرفة هذه اللحظة بدقة، وهو ما يصعب التنبؤ بوقوع الزلزال عبر المد والجزر.
علاقة كواكب المجموعة الشمسية بوقوع الزلازل

قبل الحديث عن الزلازل، علينا أن نعرف أن جاذبية الكواكب الموجودة في المجموعة الشمسية لها تأثير على كوكب الأرض، خصوصاً عندما يحدث اصطفاف لبعض هذه الكواكب في اتجاه معين. على سبيل المثال، يتسبب اصطفاف كوكبي الزهرة والمشترى مع الأرض في نفس الجانب من الشمس في حدوث انضغاط لمدار كوكب الأرض الإهليجي بنسبة تصل إلى 5%، كل 405 ألف عام. هذا يسبب تغيرات مناخية واضحة على كوكب الأرض.

حتى هذه اللحظة لا يوجد دليل قاطع ونهائي بين العلماء على وجود علاقة بين حركة واصطفاف الكواكب وبين وقوع الزلازل على كوكب الأرض. لكن أيضاً لا يوجد نفي قاطع لإمكانية وجود مثل هذه العلاقة. هذه بعض الدراسات تعطي إشارات على إمكانية وجود هذه العلاقة ولو بنسب ضئيلة.

بدايةً، يتفق العلماء على أن الشمس والقمر، بالإضافة للكواكب في المجموعة الشمسية، لها تأثير على الأرض في صورة اضطرابات (تغيرات صغيرة) على مجال الجاذبية. يتناسب مقدار هذا التأثير طردياً مع الكتلة ويتناسب عكسياً مع الأس الثالث لبعد المسافة عن كوكب الأرض.

إحدى الدراسات البارزة التي حاولت إيجاد علاقة بين حركة الكواكب وحدوث الزلازل على الأرض، كانت تلك الدراسة التي نشرها الأستاذ في جامعة بغداد صالح عوض، ونشرت في مجلة Journal of Coastal Conservation عام 2021.

افترضت هذه الدراسة أن مواقع كواكب النظام الشمسي تؤثر وتحث كلاً من المد والجزر والزلازل، إذ تعمل جاذبية الكواكب كقوة دافعة على تغيير سرعة دوران الأرض. فحدوث المد البحري هو فقط نتيجة للتباطؤ النسبي في سرعة دوران الأرض مما يحث ألواح الأرض على التحرك.

الجزء المهم في الدراسة، كان المتعلق بالزلازل. فقد اشتملت الدراسة على تحليل بيانات الزلازل على كوكب الأرض خلال شهر يوليو/ تموز 2019، مع دراسة الحالة الزلزالية للصفيحة التكتونية العربية وخصوصاً منطقة حزام زاغروس كحزام زلزالي نشط في نصف الكرة الشمالي.

تم حساب سرعة دوران الأرض في 8 أحداث زلزالية حدثت خلال هذا الشهر، واتضح أن السرعة كانت مختلفة في كل حالة. تم العثور على تناسب عكسي بين الزلزال وسرعة دوران الأرض.

أثناء وقوع كوكب المشتري وكوكب زحل في خط مستقيم مع الأرض خلال شهر يوليو/تموز 2019، وقع 1037 زلزالاً حول العالم، تم تحليلها إحصائياً بمقياس بين 2-6 درجات.

تتفاعل الكواكب مع بعضها البعض لتؤثر على الزلازل عن طريق قوى الجاذبية الناشئة عن تكوين كواكب النظام الشمسي التي تسبب تباطؤاً في سرعة دوران الأرض. هذا يحفز صفيحة الأرض على التحرك لتوليد الزلزال الناتج عن تفعيل الصدوع.

دراسة أخرى نُشرت عام 2022 في الأكاديمية الروسية للعلوم درست شكل اصطفاف الكواكب لحظة وقوع 92 زلزال بقوة أكبر من 8 ريختر وقعت بين عامي 1900 و2011. وجدت الدراسة أنه في بعض الزلازل كانت هندسة الكواكب متطابقة تماماً، مما يشير إلى عالمية الآلية التي تسببت في وقوع هذه الزلازل.

وفسرت الدراسة هذا التأثير من خلال حدوث قصور ذاتي لدوران كوكب الأرض نتيجة تأثير الجاذبية الخارجية. من بين العوامل التي تؤثر على هذه العلاقة المسافة بين الكواكب والكواكب المتوازية.
التنبؤ بالزلازل

نقطة مهمة يجب هنا الإشارة إليها، أن كل ما سبق من تأثيرات الشمس والقمر والتأثير المحتمل للكواكب على وقوع الزلازل لا يتعلق بأن وقوع المد أو الجزر أو اصطفاف الكواكب يعني بالضرورة حدوث زلزال في نفس الوقت. هذه الظواهر لها تأثير معجل وليس منشئ، أي أن هذه الظواهر لا تحدث زلزالاً من العدم، لكنها تساهم في تنشيط حدوث زلزال كان بالفعل على وقع الحدوث.

إذا لم تكن الصخور والصفائح قد وصلت لضغوط عالية بالفعل، فإن هذه الظواهر لن تسبب تحريكها ووقوع زلزال. لكن إذا كانت الصخور والصفائح تحت جهد وضغط عالٍ بالفعل، فإن وقوع هذه الظواهر يمكن أن يساهم في تسريع وقوع الزلزال الذي كان سيحدث تلقائياً في وقت لاحق مع استمرار تراكم الضغط.

أمر آخر مهم، يتمثل في أن التأثير الذي نتحدث عنه هنا هو تأثير ضئيل، وليس تأثيراً قوياً. بمعنى أن تأثير جاذبية الكواكب (إن وجد بشكل قاطع) فهو يسهم بنسب ضئيلة جداً، وبالتالي فهي تسهم في الزلازل الضحلة الضئيلة أو تسهم في زيادة نشاط زلزالي كبير بنسبة صغيرة فقط.

لماذا نقول كل هذا؟ لأن هذا يعني ببساطة أنه لا يمكن التنبؤ بوقوع الزلازل عبر اعتماد حركات الشمس والقمر والكواكب مثلما يفعل الهولندي فرانك هوغربيتس، الذي تنبأ بزلزال تركيا وسوريا. فهذا التنبؤ جاء بالصدفة، والدليل هو وجود تنبؤات عديدة أخرى له لم يحدث أي منها.

ينص موقع معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا على أنه لا يمكن التنبؤ بحجم الزلزال ووقته ومكانه بدقة في الوقت الحالي. وتقول هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) أيضاً إنه لا الوكالة ولا أي علماء آخرين توقعوا حدوث زلزال كبير، ولا توجد طريقة علمية للقيام بذلك حتى الآن.

وتشدد هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية على أن التنبؤ الدقيق يحتاج إلى تحديد التاريخ والوقت، والموقع، وحجم الزلزال، وهو ما لم يفعله هوغربيتس.

المصدر: عربي بوست