دمرت مرتين في قرون مضت… كهرمان مرعش بؤرة زلزال تركيا وسوريا التي باتت محط أنظار العالم

طفا على سطح الأحداث الدولية عقب الزلزال المدمر الذي هز جنوب شرق تركيا وشمال غرب سوريا اسم مدينة كهرمان مرعش التركية، وهي عاصمة لمحافظة تحمل نفس الاسم، باعتبار أنها كانت مركز الزلزال. ولم تكن هذه المدينة والمنطقة معروفة لدى الرأي العربي والعالمي عموما رغم أن لها تاريخ مع الكوارث الطبيعية حيث دمرت مرتين قبل قرون مضت بسبب زلازل عنيفة قتل فيها عشرات الآلاف من الأشخاص. فيما أصبحت تردد وسائل الإعلام عبر العالم اسمها صباح مساء منذ تاريخ الكارثة في 6 فبراير/ شباط حتى اليوم، والتي أودت بحوالي 40 ألف شخص. فما الذي نعرفه عن هذه المدينة والمنطقة عموما؟

رغم مرور أكثر من أسبوع على الزلزال المميت الذي ضرب تركيا وسوريا، تتمسك فرق الإنقاذ بالأمل في العثور على أحياء جدد. وحسب آخر الأرقام، بلغ عدد القتلى في هذه الكارثة، الأسوأ منذ قرن في المنطقة، حوالي 40 ألفا حتى الآن. ولا تزال هذه الحصيلة مرشحة للارتفاع.

وارتبط هذا الزلزال المروع باسم مدينة كهرمان مرعش، التي أشار الخبراء إلى أنها كانت مركز هذه الهزات الأرضية العنيفة. وهي منطقة ظلت مجهولة من قبل الرأي العام العربي والدولي عموما، لكن اسمها أصبح اليوم متداولا على نطاق واسع عبر وسائل الإعلام المختلفة في العالم مع هذا الزلزال.

موقع المنطقة من الفوالق؟

توجد كهرمان مرعش في منطقة صدوع أو فوالق غير نشيطة بكثرة، حسب شروحات الدكتور في الجيوفيزياء وعلم الزلازل عطا إلياس لفرانس24. “فأماكن وجود صدوع أو فوالق في مناطق بالعالم معروفة وواضحة. لكن نشاط كل منها غير معروف بنفس الدرجة. فهناك مناطق تنشط فيها هذه الصدوع وتتردد بها الزلازل أكثر”.

وبالنسبة لزلزال تركيا وسوريا، “وقع على صدع شرق الأناضول وهو من الصدوع التي تتحرك قليلا وبمسافة سنتمتر واحد في العام. وزلزاليا تحدث بها هزات أرضية كبرى بتردد يمتد لعدة قرون. وبالتالي، فهي تعتبر من أنواع الصدوع البطيئة”. وهذا ما يفسر صعوبة التنبؤ بموعد الكارثة.

وهذا الزلزال ضرب منطقة كهرمان مرعش بعمق 10 كلم في الأرض، وهو امتداد كبير حسب عطا، قبل أن تنتج عنه ارتدادات كان أكبرها الهزة الثانية التي ضربت المنطقة في نفس يوم الزلزال، الذي هزها في وقت مبكر جدا من 6 فبراير/ شباط.

وكانت كهرمان مرعش المنطقة الأكثر تضررا من الزلزال. ونشر موقع “زمان” التركي، نقلا عن نيويورك تايمز الأمريكية، صورا تكشف الأضرار التي لحقت بالمدينة، تظهر فيها أجزاء منها قبل وبعد الدمار.

“وظهرت مساحات واسعة منها، عبارة عن أكوام من الحجارة بعد سقوط المنازل بسبب قوة الزلزال المدمر”، يكتب الموقع التركي. “ووفقا للصور، فإن وسط المدينة نال النصيب الأكبر من الدمار في حين تعرضت أطرافها لأضرار أقل”.

وكانت المنطقة عموما على مر التاريخ مسرحا للعديد من الزلازل. وتفيد معطيات تاريخية أن المدينة شهدت زلزالا كبيرا في 1114، قتل فيه عشرات الآلاف من الأشخاص ودمرت المدينة بالكامل، كما انهارت مرة أخرى في 1308 بسبب زلزال عنيف أيضا.

ديمغرافية وجغرافية المنطقة

تعد مدينة كهرمان مرعش عاصمة محافظة تحمل نفس الاسم التي تبلغ مساحتها 14,525 كلم². تضاريسها عموما جبلية، وهي امتداد لجبال طوروس في الجنوب الشرقي ومناطق الوادي المتصدع. كما تضم المحافظة سهولا كبيرة. هي سهل جافر، ومرعش، وككسن وأشاي جوسكن وأفشن والبيستان وأندرن وميزملي ونارلي وإنكلي.

يبلغ عدد سكان محافظة كهرمان مرعش، حسب الأرقام التي يوفرها إحصاء يعود إلى 2009، 1,037,491 يعيش منهم 605,531 في المناطق الحضرية و431,960 في الأقاليم والقرى. بمعنى نسبة سكان في المدن 58٪ ومن يعيشون في القرى 42٪. أما سكان وسط المدينة، يبلغ عددهم 384,953.

وبالإضافة إلى كهرمان مرعش التي يعيش فيها أكبر عدد من السكان، ينتشر هؤلاء أيضا في مدن هي الأكبر في المنطقة من حيث أعداد قاطنيها، وهي مدن البستان، وافشین وبازارجيك وتورك أوغلو. وإجمالا، يبلغ عدد المدن في محافظة كهرمان مرعش 10، وعدد البلديات 64 وعدد القرى 476 قرية.

تاريخ المنطقة

في عام 645 ميلادية تحولت السيطرة على المدينة من البيزنطيين إلى المسلمين. وبعدها، هاجمتها الحملات الصليبية واحتلتها وبقيت تحت سيطرة الأرمن. وشكلت جزءا من الدولة الأرمنية في قيليقية خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر قبل أن يستعيد السيطرة عليها الأتراك.

وعقب تفكك الدولة العثمانية وقعت مرعش تحت رحمة الانتداب الفرنسي الذي قام بإعادة اللاجئين الأرمن الذين فروا عقب مذابح استهدفتهم إليها، وأراد أن يفصل قيليقية (بما فيها مرعش) عن سوريا، ويجعل منها دويلة أرمنية. لكن كمال أتاتورك استولى في 1920 على مرعش وقيليقية ومساحات شاسعة. وهجر سكان هذه المناطق الأرمن إلى سوريا.

وتحوي منطقة كهرمان مرعش، العديد من الأماكن التاريخية والأثرية، أبرزها: متحف كهرمان مرعش، وكاراهويك، وياسا تومولوس (قرية تانر)، وتضاريس قرية كيشنل، وأطلال بازارجيك (قرية تورونجلو)، وأطلال قرية أوفاشكلن.

وإضافة إلى الخسائر الفادحة في الأرواح، تضررت البنايات والمآثر التاريخية أيضا بشكل كبير. ويوجد اليوم مقاولو البناء في عين العاصفة حيث تم اعتقال العديد منهم، ويواجهون تهمة عدم الالتزام بمعايير البناء التي وضعتها السلطات التركية بعد زلزال 1999 الذي أودى بنحو 17 ألف شخص.

ويرى البعض أن تركيا والشمال السوري أيضا بحاجة لسنوات طويلة، أو ربما لعقود للتعافي من آثار الزلزال.

المصدر: فرانس 24