سوء معاملة الجيش الروسي لأفراده وعائلاتهم الخائفة وتأثيره على معنويات الجنود في أوكرانيا

بقلم/ نسمة سلامة

للجيش الروسي تاريخ طويل في إساءة معاملة أفراده وعائلاتهم الخائفة. فخلال حرب الاتحاد السوفياتي في أفغانستان، لم يُبلغ عديد من المجندين مسبقاً بأنه سيزج بهم في ميدان القتال. وعندما لقوا مصرعهم أو صاروا في عداد المفقودين، كانت السلطات السوفياتيه فظة مع الآباء والأمهات المفجوعين وغير معنية بهم، ولا سيما تلك الأمهات اللاتي نظمن جهودهن للحصول على إجابات عن مصير أولادهن.

وفي تسعينيات القرن الماضي، أرسل الجيش الروسي مجندين غير مستعدين إلى الشيشان لخوض حرب شوارع شاقة في مدن مثل غروزني. وقتل عديد من هذه القوات أو جرحوا أو تم أسرهم. وغالباً ما توسلت أمهات الجنود اللاتي كن يحاولن تأمين الإفراج عن أبنائهم المسجونيين إلى قادة القواعد مباشرة طلباً للمساعدة، لكن هؤلاء قابلوهن بالتجاهل. وقد سافرت أمهات كثيرات مباشرة إلى الشيشان من أجل العثور على أولادهن، وقمن بين الحين والآخر بالتوسط في صفقات أو بالترتيبات اللازمة لتبادل السجناء مع مجموعات شيشانية متشددة من أجل إطلاقهم. في 2014، حين أرسلت روسيا سراً قوات إلى شرق أوكرانيا، تعرضت عائلات العسكريين من جديد إلى التنمر أو الكذب في شأن وضع أولادها وظروفهم. وقيل للبعض، على سبيل المثال، إن أولادهم قد ماتوا جراء حوادث وقعت أثناء التدريب في روسيا بدلاً من شرق أوكرانيا.

وعلى الرغم من معداتها العسكرية المتقدمة ومزاياها المتعددة على الورق، فإن روسيا قد تعثرت استراتيجياً وعملياً وتكتيكياً في أوكرانيا. وقد أعاقتها افتراضات التخطيط الخاطئة والجداول الزمنية غير الواقعية والأهداف غير العملية. وقد عانت نقص الإمدادات، وسوء الخدمات اللوجيستية، وعدم كفاية “حماية القوة” إجراءات لوقاية العسكريين وعائلاتهم والمرافق والمعلومات الحساسة من المخاطر والتهديدات. كما أن القيادة السيئة قد أضعفتها أيضاً

لا تقتصر هذه المشكلات على قضايا التجهيزات التقنية أو سوء التدريب أو الفساد، بل إنها مرتبطة بموضوع أساسي في صميم القضية: عدم اكتراث الجيش الروسي بحياة ورفاهية أفراده. في أوكرانيا، يكافح الجيش الروسي لانتشال جثث قتلاه وإخفاء الضحايا، ولا يبالي بقلق عائلات أفراده. وقد ينفق مليارات الدولارات على معدات جديدة، لكنه لا يعالج إصابات جنوده بشكل لائق ولا يبدو بصورة عامة أنه مهتم بشكل كبير بما إذا تعرضت القوات إلى صدمات.

لعل القادة الذين انهمكوا في رسم الخطط المجردة للحرب داخل مقر وزارة الدفاع قد استنتجوا بشكل منطقي بأنهم يجب أن يقوموا بالغزو عبر منطقة تشيرنوبل المحظورة باعتبار أن ذلك يمثل، على الخريطة، الطريق الأقصر وغير المحمي من بيلاروس إلى كييف، لكن لو أنهم حسبوا حساب جنودهم، لكان من الممكن بالنسبة لهم أن يستعملوا مساراً مختلفاً، أو على الأقل أن يحضروا جنودهم للقيام بمهمة كانت محفوفة بالمخاطر إلى درجة يصعب تصورها. بدلاً من ذلك، وبحسب ما أفاد العاملون في مفاعل تشيرنوبل النووي، أرسلت روسيا قواتها عبر المنطقة من دون معدات واقية لحماية أفرادها من الغبار المشع الذي أثارته مئات الآليات العسكرية. ولم تخبر الجنود الذين قاموا باحتلال المفاعل عن الأهمية التي يتمتع بها انتشارهم هناك. كما جعلت قواتها تحفر عميقاً ضمن بعض بقاع التربة الأكثر تلوثاً بالإشعاعات على سطح الأرض لإقامة حواجز لحماية الآليات، إذ ورد أن الجنود عاشوا لمدة شهر قبل أن يتفشى المرض في أوساطهم ويجري إجلاؤهم طبياً.

إن تجاهل الجيش الروسي لجنوده قد أدى إلى ما هو أكثر من إضعاف أدائهم القتالي. لقد أساء أيضاً إلى معنوياتهم وإرادتهم على القتال. ويسرق الضباط بشكل منظم محتويات حزم الرعاية التي تضم أشياء مفيدة يرسلها الأهل لأبنائهم، حتى إن بعض الجنود اتصلوا بأمهاتهم طالبين منهن ألا يتكبدن مشقة إرسال أي شيء. وينسى المسؤولون أن يدفعوا للجنود مستحقاتهم من رواتب القتال، وتتخلى الوحدات عن جثث قتلاها. لا عجب إذن في أن بعض القوات الروسية قد تلاشت ببساطة هاربةً من الصراع، وعمدت إلى ترك معدات حديثة تعمل بكامل طاقتها في الحقول الأوكرانية. واتصل جنود آخرون بأمهاتهم ليقولوا لهن بأنهم كانوا يفكرون بإطلاق النار على أنفسهم، كل في ساقه، حتى يستطيعوا أن يغادروا.

ومع تداعي المعنويات والانضباط، بدأت القوات الروسية بنهب كل ما تقع يدها عليه من أوكرانيا، ومن ثم شحنه إلى الوطن، بما في ذلك الغسالات، وأواني القلي، وأجهزة التلفزيون من مدارس أوكرانية، وحتى أقلام الكحل المستعملة. ولقد داهموا حوانيت بقالة أوكرانية صغيرة للحصول على اللحم والسجائر والكحول. وعندما نفد مالديهم من الطعام الذي نهبوه من الأسواق، قاموا بسرقة الطعام إلى جانب الماشية مباشرة من الأوكرانيين. وطبقاً لمكالمات تم اعتراضها ونشرتها أجهزة الاستخبارات الأوكرانية، فإن بعض الجنود الروس قد أكلوا كلاباً.

ونظراً إلى كيفية إساءة الجيش الروسي معاملة أفراده، ليس من الغريب أن الجنود الروس قد تورطوا في ارتكاب جرائم على نطاق واسع. لا يمكن تبرير أياً من هذا الذي ارتكبه الجنود الروس، وفي عديد من القرى والمدن الأوكرانية، تورطت القوات الروسية في فظائع يندى لها الجبين، بما في ذلك التعذيب والاغتصاب وعمليات الإعدام، وبدلاً من إظهار القلق حيال انتهاكات كهذه أوإصدار توجيهات تأمر المعنيين بالتوقف عنها، فإن الكرملين خلع لقباً شرفياً على إحدى الوحدات المتهمة بارتكاب فظائع في بوتشا.

وإضافة غلى ما يعتبر إنتهاكات لحقوق الإنسان فإن هناك تشريع جديد يكم أفواه من يحاولون سرد الروايات غير المرغوب فيها عن الجيش، وتعمل السلطات الروسية بجد أكثر من أي وقت مضى لقمع الأفراد الذين يقولون أي شيء عن الحرب يحيد عن الخط الرسمي، بما في ذلك من خلال التعبير عن الحزن غير المصرح به.

المصدر: وكالات