غارناتشو… نجم ينتظره النضوج والبريق في مانشستر يونايتد

لا يهتم أليخاندرو غارناتشو بأي شيء آخر سوى اللعب، وبالتالي فعندما لا يحدث ذلك فإنه يشعر بالإحباط الشديد. في الحقيقة، لا يمكن لأي شخص رأى هذا النجم الأرجنتيني الشاب في الملعب أن يشكك في قدراته وإمكاناته الهائلة، لكنه تعرض لانتقادات عامة بشأن سلوكه هذا الموسم. وخلال الشهر الماضي، أصدر المدير الفني لمانشستر يونايتد، إريك تن هاغ، تحذيرا صريحا للاعب بشأن ما فعله خلال معسكر الفريق في تايلاند وأستراليا، قائلا: «في تلك الجولة لم يُظهر السلوك الذي كان يجب أن يتحلى به»، مشيرا إلى أن السبب في ذلك يعود إلى شعوره بالإحباط من عدم الحصول على الكثير من الفرص والمشاركة في المباريات في بداية الموسم. وكان غارناتشو قد ذهب متأخرا إلى اجتماعين ولم يشارك إلا في مباراة ودية واحدة خلال الصيف نتيجة لذلك.

وقبل أن يعلن المنتخب الأرجنتيني عن قائمته لبطولة كأس العالم التي توج بلقبها، قال تن هاغ إن الوجود المحتمل لغارناتشو ضمن قائمة المنتخب الأرجنتيني لمونديال قطر 2022 لن يكون «خطوة صحيحة» للاعب الشاب. وكان أن تردد أن غارناتشو قد يشكل مفاجأة القائمة النهائية -التي لم ينضم إليها فيما بعد- لكن تن هاغ قال حينها إنه ليس واثقا من أن ذلك قد يشكل الخيار الأفضل لتطور اللاعب الشاب.

من الواضح أن العديد من اللاعبين الشباب في سن الثامنة عشرة لا يعيشون الاحتراف بشكل كامل، لكن ذلك الأمر يأتي مع النضج بمرور الوقت، وقد لوحظ بالفعل أن سلوك اللاعب الأرجنتيني الشاب قد تحسن كثيرا منذ الانتقادات العلنية التي وجهها له تن هاغ. إن الموهبة الكبيرة لا تضمن لأي لاعب أن يتألق ويحقق النجاح على الفور، لكن كلما التزم اللاعب الشاب بالمعايير المطلوبة، كان ذلك أفضل له على المدى الطويل، وهو الأمر الذي ينطبق تماما على غارناتشو.

وبعيدا عن العيوب المتصورة في شخصيته خارج الملعب، فإنه يمتلك قدرات وفنيات هائلة داخل المستطيل الأخضر، ولديه رغبة كبيرة في اللعب لكي يُظهر للجميع ما يمكنه القيام به بسبب ثقته غير المحدودة في نفسه وفي إمكاناته. من المؤكد أن عدم اللعب بشكل منتظم في فريق من أفضل ستة فرق في الدوري الإنجليزي الممتاز في سن 18 عاما لا يجب أن يكون مصدر إحباط للكثيرين، لكن غارناتشو يسعى جاهدا لأن يثبت للمدير الفني الهولندي أنه الخيار الأفضل في مركز الجناح الأيسر. لكن يجب أن يدرك هذا اللاعب الشاب أنه في هذه السن الصغيرة لا يمتلك كل المقومات المطلوبة الآن.

لكن الشيء الواضح للجميع هو أن غارناتشو قادر على القيام بأشياء مذهلة عندما تكون الكرة بين قدميه، وهو شيء طبيعي بالنسبة للاعبين الأرجنتينيين الذين يعشقون كرة القدم. إنه يسعى دائما للحصول على الكرة، وبمجرد أن يحدث ذلك فإنه ينطلق بسرعة مذهلة نحو مدافعي الفرق المنافسة بدون أي خوف، وبدون أي شعور بالانزعاج من الإخفاقات السابقة ضد منافسيه. إنه يتميز بالسرعة الفائقة والمهارة الفذة، والقدرة على المرور من المدافعين بطريقة مختلفة في كل مرة.

ومع ذلك، لا يزال هذا النجم الشاب بحاجة لمعرفة كيف ومتى يستخدم إمكاناته المذهلة. إنه بحاجة إلى أن يعرف أن أسرع طريقة للوصول إلى المرمى لا تعني دائما محاولة المرور من المدافعين، لأنه عندما تكون هناك مساحات خالية فإنه يمكن الانطلاق فيها بسرعة، وهو الأمر الذي فعله غارناتشو في الهدف الذي أحرزه في مرمى ريال سوسيداد. إن الطريقة التي أحرز بها هذا الهدف، ثم هدف الفوز الذي أحرزه في مرمى فولهام في الدوري الإنجليزي الممتاز في وقت متأخر من المباراة، تُظهر أن هذا اللاعب الشاب يتحلى بالهدوء والثقة ورباطة الجأش في المواقف الصعبة.

ربما أثبت غارناتشو أنه من اكتشافات الموسم بعد أن نزل بديلا وسجل هدف الفوز المتأخر لمانشستر يونايتد خارج أرضه على فولهام في الوقت بدل الضائع، ونال إشادات من الجميع. وقال زميله برونو فرنانديز: «أعتقد أن الجميع شاهد مؤشرات على قدراته، ليس بسبب أهدافه أو تمريراته الحاسمة وإنما لطريقة دخوله المباراة. يتمتع بالكثير من الموهبة وتفانيه في العمل مع موهبته يشكلان فارقاً كبيراً بدخوله معنا من مقاعد البدلاء». وتابع: «نحن سعداء حقاً من أجله ونعلم أن باستطاعته منحنا الأهداف، التمريرات الحاسمة وإثبات الفرح في لعب كرة القدم». وأضاف: «لا أحد يحب الجلوس بديلا لذا يبدو سلوكه مذهلا عند مشاركته، لكن إذا حافظ على لمساته الهجومية المبهرة فلن يستمر طويلا على مقاعد البدلاء».

وعندما كانت المباراة تلفظ أنفاسها الأخيرة، تكرر سيناريو آخر بالنسبة لفولهام حين خسر أمام قطب مانشستر الآخر سيتي حامل اللقب 1-2 في الوقت القاتل، بتلقيه هدفاً في الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع عبر غارناتشو الذي تبادل الكرة مع إريكسن ثم توغل بسرعة البرق داخل المنطقة قبل أن يسددها أرضية على يسار الحارس الألماني برند لينو، مسجلاً هدفه الثالث في 13 مباراة خاضها حتى الآن في جميع المسابقات مع الفريق الأول.

لقد تحسن غارناتشو كثيرا فيما يتعلق بالركض بدون كرة، والتمركز السليم داخل الملعب حتى يمكنه استلام الكرة في أفضل مكان وتشكيل خطورة أكبر على مرمى المنافس في الثلث الأخير من الملعب، كما أظهر براعة كبيرة في التحول من الدفاع للهجوم. لكن من المهم أن يفهم أنه لم يصل إلى حالة الكمال بعد وأن هناك الكثير من الأمور التي يتعين عليه تطويرها، ومن الواضح أن اللاعب السابق لأتلتيكو مدريد يفهم هذا الأمر جيدا. إنه يعمل بجدية كبيرة في التدريبات لكي يطور من نفسه ويكون قادرا على المشاركة في المباريات. ومنذ انضمامه إلى مانشستر يونايتد في عام 2020، يسير غارناتشو وفق خطة تطوير موضوعة بعناية، وقد تجاوز كل التوقعات في هذا الشأن. وفي نفس الوقت، فإن مانشستر يونايتد يتفهم تماما حقيقة أنه يتعين عليه التعامل بشكل مختلف مع هذا اللاعب الموهوب حتى يساعده على تقديم أفضل ما لديه داخل المستطيل الأخضر.

وعندما يتم تطوير غارناتشو من الناحية البدنية، سيكون قادرا على التعامل مع شراسة وقوة الدوري الإنجليزي الممتاز على المدى الطويل. إنه غير منزعج بالمرة من طبيعة المنافسة الشرسة بين اللاعبين في صفوف الفريق الأول لمانشستر يونايتد، ويسعى لإثبات نفسه ولإظهار أنه يستحق مكانا في التشكيلة الأساسية للفريق. وفي المستقبل القريب، فإنه لا يزال بحاجة إلى التكيف مع متطلبات اللعب على أعلى مستوى لمدة 90 دقيقة، خاصة في ظل الطبيعة القاسية لوجوده في نادٍ مثل مانشستر يونايتد، الذي يلعب مباراتين في الأسبوع.

وخلال الموسم الماضي، كان غارناتشو هو النجم الأبرز في فوز فريق مانشستر يونايتد للشباب بكأس الاتحاد الإنجليزي تحت قيادة ترافيس بينيون، حيث سجل سبعة أهداف في المسابقة، بما في ذلك هدفان في المباراة النهائية ضد نوتنغهام فورست. وطوال المسابقة، كان هو اللاعب الذي يعتمد عليه اللاعبون الذين تقل أعمارهم عن 18 عاما لكي يصنع الفارق أمام الفرق الأخرى. وفي موقف يعكس تماما ثقته الكبيرة في نفسه، فقد أخبر المدربين أنه سيحرز هدفين في المباراة النهائية، وهو التوقع الذي كان سعيدا بتحقيقه أمام أكثر من 60 ألف متفرج على ملعب أولد ترافورد.

جاء ذلك بعد أسبوعين من ظهوره الأول في الدوري الإنجليزي الممتاز في المباراة التي تعادل فيها مانشستر يونايتد مع تشيلسي بهدف لكل فريق على ملعب أولد ترافورد. وعلاوة على ذلك، فقد انضم لقائمة المنتخب الأرجنتيني في مارس (آذار) الماضي، وهو شيء مثير للإعجاب بالنسبة للاعب كان يبلغ من العمر 17 عاما في ذلك الوقت. قد يكون التدريب لمدة أسبوع مع مثله الأعلى ليونيل ميسي والمنتخب الأرجنتيني الذي توج بعد ذلك بفترة قصيرة بكأس العالم أفضل طريقة لإبعاد غارناتشو عن العودة للعب مع إسبانيا، التي كان يمثلها على مستوى الشباب قبل أن يغير قراره ويقرر اللعب للأرجنتين التي وُلدت بها أمه.

يتطلع مانشستر يونايتد إلى التعاقد مع مهاجم آخر في فترة الانتقالات الشتوية القادمة بعد رحيل كريستيانو رونالدو، ودخول جادون سانشو في تدريبات منفردة بعيدا عن زملائه خلال توقف الدوري الإنجليزي الممتاز بسبب كأس العالم، لكي يستعيد مستواه المعهود. وبالتالي، يمتلك غارناتشو فرصة ذهبية خلال الأسابيع المقبلة لإظهار أنه يمكن أن يكون لاعبا أساسيا في تشكيلة مانشستر يونايتد، خاصة في ظل خوض الأندية لعدد كبير ومكثف من المباريات خلال الفترة المقبلة. من المؤكد أنه لن يتم الحكم على غارناتشو، الذي سيبلغ من العمر 19 عاما في يوليو (تموز) المقبل، بناء على ما سيقدمه خلال الأشهر الستة المقبلة، لكن هذه الفترة ستكون بمثابة فترة إعداد أخرى ومهمة للغاية تحت قيادة تين هاغ.

المصدر: الشرق الأوسط