فرنسا: جدل محتدم بعد حوادث اعتداء قام بها رجال شرطة

تعيش فرنسا حالياً جدلاً كبيراً حول مدى منهجية العنف داخل جهاز الشرطة، بعد حادث اعتداء جسدي وعنصرية من أفراد شرطة على منتج موسيقي أسود في باريس. كما يقضّ قانون جديد للحد من تصوير أفراد الشرطة مضاجع الصحفيين والحقوقيين.

تثير قضية جديدة مرتبطة بعنف الشرطة، التي أوقف أربعة من عناصرها عن العمل بعد قيامهم بضرب منتج موسيقى أسود، في حادثة صورتها كاميرات عدة، جدلاً على أعلى مستويات الدولة الفرنسية، حيث أثارت “صدمة” الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

ووضع العناصر الأربعة الذين أوقفوا عن العمل أمس الخميس قيد الحجز الاحتياطي في المقر الرئيسي للمفتشية العامة للشرطة الوطنية. وهم ملاحقون بموجب تحقيق بتهمة “عنف ممارس من شخص يتمتع بسلطة عامة” و”تزوير وثائق رسمية”.

وأثار فيديو تعرض الرجل للضرب، الذي نشر الخميس (26 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020) على مواقع التواصل الاجتماعي، صدمة كبيرة وصلت حتى أعلى هرم السلطة، مروراً بشخصيات بارزة في عالم الموسيقى والرياضة.

وقال الرئيس ماكرون إنه “صدم جداً” للفيديو الذي يظهر ميشال زيكلير، وهو منتج أسود، يتعرض للضرب عند دخوله لاستوديو الموسيقى الخاص به في باريس. وهذه أول ردة فعل رسمية على الحادثة التي احتلت صباح الجمعة عناوين الصحف الوطنية.

وعنونت صحيفة “ليبيراسيون” صفحتها الأولى تحت صورة للرجل مدمى الوجه: “غثيان”، بينما كتبت لوموند على صفحتها الأولى: “عنف الشرطة: السلطة التنفيذية مسؤولة”.

وعلق رياضيون على “تويتر”، بينهم لاعبو كرة قدم من أبطال العالم، مثل كيليان مبابي وأنطوان غريزمان، بحزن على القضية.

وصرح مصدر حكومي أن الرئيس ماكرون استقبل مساء الخميس وزير الداخلية جيرالد دارمانان وطلب منه إنزال عقوبات واضحة جداً بالشرطيين الضالعين في المسألة. وبعد هذا اللقاء، قال الوزير لمحطة “فرانس 2” التلفزيونية إنه سيطلب “إقالة” العناصر الضالعين في أعمال العنف الموثقة بالفيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، واتهمهم بـ”تلطيخ زي الجمهورية”.

وكان مصدر مطلع على التحقيق ذكر لوكالة فرانس برس أن ثلاثة شرطيين أوقفوا عن العمل في البداية، ومن ثم تم إيقاف شرطي رابع لاحقاً يشتبه بأنه ألقى عبوة غاز مسيل للدموع داخل استوديو الموسيقى.

اتهامات بعنف بنيوي (هيكلي) لدى الشرطة

من جانبه، أعرب الأمين العام لنقابة مفوضي الشرطة، ديفيد لو بار، عن أمله في أن “يتصرف القضاء سريعاً”، مطالباً بالخروج من الجدل الذي “يدفع للاعتقاد” بأن الشرطة بكاملها عنيفة.

وأفاد الضحية ميشال زيكلير أن عناصر الشرطة وصفوه “مرات عدة بالزنجي القذر وهم يوجهون اللكمات لي”.

وتعيد هذه الحادثة إلى الواجهة الجدل حول العنصرية والعنف “الممنهج” لدى الشرطة الفرنسية، وهو ما تنفيه السلطات تماماً، لكن سلسلة حوادث في السنوات الأخيرة غذت هذا الاعتقاد. وقال عالم الاجتماع الفرنسي فابيان جوبار لوكالة فرانس برس إن “الشرطة الفرنسية تعاني من مشكلة عنف هيكلية”، مضيفاً أنه لا يعرف “بلداً في أوروبا الغربية فيه إشكالية مرتبطة بالشرطة على هذا النطاق”.

يشار إلى أن حادثة الاعتداء على زيكلير تأتي بعد أيام من تفكيك وحشي لمخيم للاجئين في باريس. وأثارت صور تفكيك المخيم، التي التقطها ناشطون وصحفيون، صدمة واسعة. وقدمت شكوى للمفتشية العامة للشرطة التي نددت “باستخدام غير متكافئ للقوة” من جانب شرطي طرح مهاجراً أرضاً.

قانون منع تصوير الشرطة في دائرة الضوء

كما تتزامن هذه الحوادث مع جدل كبير حول قانون يهدف إلى منع تصوير عناصر الشرطة أثناء أداء عملهم. ويندد صحفيون ومدافعون عن الحقوق بهذا القانون، الذي يرون فيه انتهاكاً لحرية إيصال المعلومات، وكان سبباً في تظاهرات لمدة أسبوعين تخللتها صدامات. ويفترض أن تنظم مظاهرة جديدة مماثلة غداً السبت في باريس.

وينص مشروع القانون، الذي أقرته الجمعية الوطنية الثلاثاء ويفترض أن يخضع لمزيد من المناقشات في مجلس الشيوخ، بفرض عقوبة السجن لسنة واحدة وغرامة قدرها 45 ألف يورو لنشر “صورة وجه أو أي عنصر آخر لتحديد هوية أفراد في قوات الأمن خلال عملهم، عندما يسبب ذلك ضرراً .. لسلامتهم الجسدية أو العقلية”.

وشدد العديد من الصحفيين على أنه “بدون صور، لا قضية”، بعد الكشف عن تعرض زيكلير للضرب. ولتهدئة الغضب، أعلن رئيس الوزراء جان كاستيكس مساء الخميس تشكيل “لجنة مستقلة مسؤولة عن اقتراح صياغة جديدة” للمادة التي ينوي عرضها بنفسه على المجلس الدستوري. لكن هذه المبادرة أثارت غضب النواب الذين اعتبروها تدخلاً من السلطة التنفيذية في صلاحياتهم.

 

المصدر: دي دبليو