لبنان: النيابة العامة تقرر إطلاق سراح جميع الموقوفين في قضية انفجار مرفأ بيروت

قرر النائب العام اللبناني غسان عويدات الأربعاء إطلاق سراح جميع المحتجزين في قضية انفجار مرفأ بيروت. وذلك بعد يومين على إعلان المحقق العدلي طارق بيطار استئناف تحقيقاته في القضية بعد 13 شهرا على تعليقها، على الرغم من رفض النيابة العامة التمييزية.

قال النائب العام التمييزي اللبناني غسان عويدات الأربعاء إن قاضي التحقيق طارق بيطار ما كان ينبغي أن يستأنف التحقيق هذا الأسبوع. وأمر بإطلاق سراح كل الموقوفين في قضية مرفأ بيروت.

وجاء في قرار عويدات أن المعتقلين سيطلق سراحهم بدون استثناء لكن سيحظر سفرهم.

هذا، وقد نشبت معركة قضائية هذا الأسبوع بين الطرفين، وفق ما قال مسؤول قضائي لوكالة الأنباء الفرنسية. وأضاف أن “عويدات ادعى على المحقق العدلي طارق بيطار وقرر منعه من السفر على خلفية التمرد على القضاء”.

ويأتي قرار عويدات بعد يومين على إعلان بيطار، متحديا الضغوط السياسية والعراقيل القضائية، استئناف تحقيقاته في قضية الانفجار على الرغم من عشرات الدعاوى التي طالبت بعزله وعلقت عمله منذ 13 شهرا، في خطوة رفضتها النيابة العامة التمييزية.

وكان بيطار قد استأنف تحقيقاته بالادعاء على ثمانية أشخاص، بينهم عويدات ومسؤولان أمنيان رفيعان. وسارعت النيابة العامة التمييزية إلى رفض قراراته سواء استئناف التحقيقات أو الادعاءات الجديدة.

وتفاقمت المعركة القضائية الأربعاء بإعلان عويدات الادعاء على بيطار ومنعه من السفر، وإخلاء سبيل كافة الموقوفين الـ 17 في التحقيق، ما أثار غضب أهالي الضحايا.

وأكد عويدات لوكالة الأنباء الفرنسية الادعاء على “بيطار وقرار منعه من السفر على خلفية التمرد على القضاء واغتصاب السلطة”.

وبالمقابل، رد بيطار بالقول لوكالة الأنباء الفرنسية “أنا ما زلت المحقق العدلي ولن أتنحى عن الملف (…) أما عويدات فلا صلاحية له للادعاء علي، وقراره يجب ألا ينفذ”.

وأضاف “لا يحق لعويدات (اتخاذ) أي قرار في الملف كونه مدّعى عليه. لا يحق له أن يدعي على قاض سبق وأن ادعى عليه”.

هذا، وأكد مسؤول قضائي أن بيطار رفض المثول أمام عويدات، الذي طلب من المدير العام للأمن العام عباس ابراهيم المُدعى عليه أيضا في قضية الانفجار، تنفيذ قرار منع السفر بحق بيطار.

ويذكر أن بيطار كان قد ادّعى في صيف 2021 على رئيس الحكومة السابق حسان دياب وطلب رفع الحصانة عن نواب آنذاك، بينهم وزيرا الأشغال السابقان يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، ووزير المالية السابق علي حسن خليل.

ومن بين الأشخاص الثمانية الذين ادعى عليهم بيطار الثلاثاء، عويدات وثلاثة قضاة، وعباس إبراهيم الذي تربطه علاقة جيدة بالقوى السياسية خصوصا حزب الله، اللاعب السياسي والعسكري الأبرز في لبنان، ومدير جهاز أمن الدولة طوني صليبا المقرب من الرئيس السابق ميشال عون.

كما حدد بيطار الثلاثاء مواعيد لاستجواب 13 شخصا مدعى عليهم، الشهر المقبل، في إطار دعاوى حق عام “بجرائم القتل والإيذاء والإحراق والتخريب معطوفة جميعها على القصد الاحتمالي”.

إطلاق سراح المحتجزين

وقرر عويدات الأربعاء، وفق مذكرة، “إطلاق سراح الموقوفين كافة في قضية انفجار مرفأ بيروت بدون استثناء ومنعهم من السفر وجعلهم بتصرف المجلس العدلي”.

وجاء هذا القرار إثر إعلان بيطار إخلاء سبيل خمسة فقط من الموقوفين، والذي أوضح لوكالة الأنباء الفرنسية أن “عويدات لا يحق له إطلاق سراح موقوفين، بل أن المحقق العدلي هو الوحيد المخول ذلك”.

وبينما رفضت الأجهزة تنفيذ مذكرات توقيف أصدرها بيطار سابقا، لم تمر سوى ساعات قليلة على إعلان عويدات حتى بدأ إخلاء سبيل الموقوفين، وبينهم لبناني يحمل جنسية أمريكية ومدير عام الجمارك السابق بدري ضاهر. الأمر الذي أثار غضب أهالي الضحايا.

ووصفت المحامية سيسيل روكز التي فقدت شقيقها في الانفجار القرار بـ “الجنون”.

واعتبر المحامي نزار صاغية، المدير التنفيذي للمفكرة القانونية وهي منظمة غير قانونية تُعنى بشرح القوانين، قرار عويدات “انقلابا مافياويا على ما تبقى من الشرعية”، مشددا على أن مدعي عام التمييز “لا يملك صلاحيات إخلاء سبيل الموقوفين”.

مضيفا أن عويدات “كرس الإفلات من العقاب”، واعتبر أن “المدّعى عليه عويدات يعلن الحرب على المحقق العدلي.. ويلاحق القاضي الذي لاحقه، إنه استيلاء على سلطة القاضي”.

ويعرف القاضي بيطار (48 عاما) بنزاهته واستقلاليته وابتعاده كليا عن الإطلالات الإعلامية.

ومنذ تسلّمه الملف، يواجه عقبات وتدخلات سياسية حالت دون إتمام عمله، مع اعتراض قوى سياسية عدة على عمله أبرزها حزب الله، واتهامه بـ “تسييس” الملف، وصولا إلى المطالبة بتنحيه.

هذا وكان قد رفض البرلمان السابق رفع الحصانة عن نواب شغلوا مناصب وزارية، ما حال دون استجوابهم. كما امتنعت وزارة الداخلية عن منح بيطار الإذن لاستجواب مسؤولين أمنيين تحت سلطتهم، وامتنعت قوى الأمن أيضا عن تنفيذ مذكرات توقيف.

وللتذكير، تظاهر في تشرين الأول/أكتوبر 2021، مناصرون لحزب الله وحليفته حركة أمل التي ينتمي إليها الوزيران زعيتر وخليل، تخللتها أعمال شغب وعنف ثم إطلاق نار أوقع سبعة قتلى.

ورغم الحملة ضده، يحظى طارق بيطار بتأييد لبنانيين كثر على رأسهم عدد كبير من أفراد عائلات الضحايا الذين يعلقون آمالا كبيرة على عمله.

واعتبرت المحامية روكز أن بيطار “جريء لدرجة أنه يواجه سلطة كاملة تعرقل التحقيق”، وأن “جرأته تنبع من ضميره الحي”.

وترفض السلطات اللبنانية منذ البداية تحقيقا دوليا، فيما تطالب الأمم المتحدة بإرسال بعثة تقصي حقائق مستقلة، أمام تعثر التحقيق المحلي.

ويعكس مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ثقافة “الإفلات من العقاب” التي لطالما طبعت المشهد العام في بلد يحفل تاريخه باغتيالات وانفجارات وملفات فساد، نادرا ما تمت محاسبة المتورطين فيها. هذا بالإضافة إلى التدخلات السياسية المتكررة التي تؤجج غضب أهالي الضحايا ومنظمات حقوقية.

وللتذكير، خلف انفجار الرابع من آب/أغسطس 2020 أكثر من 215 قتيلا و6500 جريح. ومنذ البداية، عزت السلطات اللبنانية الانفجار إلى تخزين كميات ضخمة من نيترات الأمونيوم داخل المرفأ من دون إجراءات وقاية، واندلاع حريق لم تُعرف أسبابه. وتبين لاحقا أن مسؤولين على مستويات عدة كانوا على دراية بمخاطر تخزين المادة ولم يفعلوا شيئا.

المصدر: فرانس 24