ماكرون يواجه معركة سياسية بعد تمريره قانون إصلاح التقاعد

شهدت مناطق مختلفة في فرنسا اضطرابات صباح اليوم (الجمعة)، غداة تمرير قانون إصلاح نظام التقاعد من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية، الأمر الذي يُضعف موقف الرئيس إيمانويل ماكرون وسط استعادة الاحتجاج زخمه في الشوارع وفي الجمعية الوطنية، حسبما أفادت وكالة «الصحافة الفرنسية».
وفي باريس، تجمّع نحو مائتي متظاهر بدعوة من نقابات الاتحاد العمّالي العام (CGT) النافذ، وعرقلوا حركة المرور صباح الجمعة على الطريق الدائري غداة أمسية شهدت أعمال عنف. ومساء الخميس، خرجت تظاهرة عفوية شارك فيها آلاف الأشخاص في محيط ساحة «الكونكورد» قرب مقر الجمعية الوطنية. وتمّ اعتقال أكثر من 300 شخص، الخميس، بينهم 258 في باريس وحدها، وفق ما أعلن وزير الداخلية جيرالد دارمانان مساء لشبكة «آر تي إل».
وجرت تظاهرات متفرّقة تمّ خلالها قطع طرق مؤدّية إلى مدارس، غداة قرار الرئيس إيمانويل ماكرون اللجوء إلى المادة (49.3) من الدستور لتمرير هذا الإصلاح الذي لا يحظى بشعبية، والذي تحرّك الكثير من الفرنسيين ضدّه منذ 19 يناير (كانون الثاني).
واختارت الحكومة الفرنسية رفع سنّ التقاعد القانونية استجابة للتدهور المالي الذي تشهده صناديق التقاعد ولشيخوخة السكان.
وفرنسا من الدول الأوروبية التي تعتمد أدنى سن للتقاعد من دون أن تكون أنظمة التقاعد قابلة للمقارنة مع غيرها من الدول بشكل كامل.
يبرز شبه إجماع على اعتبار اللجوء إلى المادة (49.3) من الدستور لتبنّي مشروع القانون من دون تصويت في الجمعية الوطنية، نكسة بالنسبة إلى ماكرون الذي رَهَن رصيده السياسي في سبيل هذا الإصلاح، جاعلاً منه أبرز مشاريع ولايته الرئاسية الثانية.
ويسمح هذا الإجراء بتبنّي نصّ من دون التصويت عليه في الجمعية الوطنية، ما لم يؤدِّ اقتراحٌ بحجب الثقة إلى الإطاحة بالحكومة.
وتعيش حكومة رئيسة الوزراء إليزابيث بورن في حالة من التأهّب، بانتظار أن تقدّم المعارضة اقتراحاً أو أكثر لحجب الثقة قبل الساعة 2:30 مساءً بتوقيت غرينتش.
ومن المرجّح أن يسبّب أحد هذه المقترحات الذي قدّمته مجموعة وسطية صغيرة في البرلمان غير معروفة للرأي العام – مجموعة الحريات والمستقلّين وما وراء البحار والأقاليم LIOT – المشكلة الكبرى للحكومة لكونه «عابراً للأحزاب».
وقال زعيم المجموعة برتراند بانشي، للصحافة، إنّ «التصويت على هذا الاقتراح سيجعل من الممكن الخروج من أزمة سياسية عميقة»، غير أنّه أعرب عن أسفه لأنّ «الزملاء في حزب (الجمهوريين) لن يوقّعوا عليه».
من جهته، شجّع زعيم حزب «فرنسا المتمرّدة» (يسار راديكالي) جان لوك ميلانشون، على «التحرّكات العفوية في كلّ البلاد»، معلناً أنّ حزبه سيقوم بـ«سحب» اقتراحه لحجب الثقة لصالح الاقتراح المقدّم من مجموعة «ليوت (LIOT)»، ويعوّل البعض على أن يصوّت عليه نوّاب من اليمين معارضون لإصلاح نظام التقاعد.
ويأتي ذلك في حين أعلن حزب «التجمّع الوطني»، الذي يخطّط لتقديم مقترحٍ أيضاً، أنّه سيصوّت على جميع مقترحات حجب الثقة.
بالتالي، يقع مصير الحكومة، التي تستند إلى أغلبية نسبية في الجمعية الوطنية، في أيدي نحو 60 نائباً من المجموعة اليمينية التقليدية (حزب الجمهوريين). فلو أُضيفت أصواتهم إلى أصوات جميع نواب المعارضة الآخرين، سيصلون بذلك إلى الأغلبية المطلقة المتمثّلة في 577 نائباً، والتي يمكنها إسقاط السلطة التنفيذية.
من جهته، حذّر زعيم مجموعة «الجمهوريين» إيريك سيوتي، الخميس، من أنّ نوّاب حزبه لن يصوّتوا على «أيّ من مقترحات حجب الثقة». لذلك، يبدو إسقاط الحكومة هدفاً صعباً للمعارضة، في حين من الممكن أن يتسبّب متمرّدون في إرباك السلطة التنفيذية.
وسيتمّ التصويت على المقترحات بعد 48 ساعة على الأقل من تقديمها؛ أي من المرجّح أن يجري ذلك الاثنين.
في هذه الأثناء، قال المتحدث باسم الحكومة أوليفييه فيران: «نحن مدعوون لمواصلة الحكم».
في الشارع، تستمر تحرّكات معارضي قانون الإصلاح. ومن المقرّر عقد جمعيات عامّة لبعض المجموعات النقابية (في مجال الطاقة وعمّال السكك الحديدية) بعد ظهر الجمعة، لمحاولة تنظيم التعبئة التي اكتسبت زخماً بعد تمرير القانون، الخميس. ويخطّط الاتحاد النقابي لـ«تجمّعات محلية» في نهاية هذا الأسبوع، بالإضافة إلى يوم تاسع من الإضرابات والتظاهرات، الخميس 23 مارس (آذار)، في حين حذّر مسؤولون نقابيون من حصول تجاوزات.
ويبلور الإصلاح، المتمثّل في رفع سنّ التقاعد من 62 عاماً إلى 64 عاماً، الغضب وراء الإضرابات المتجدّدة.
وتُظهر مختلف استطلاعات الرأي أنّ غالبية الفرنسيين تعارض هذا الإصلاح، رغم أنّ عدد المتظاهرين في الشوارع والمضربين عن العمل انخفض مع مرور الوقت.

المصدر: الشرق الأوسط