مخاوف من أوضاع السجناء مع تمدد الاحتجاجات الإيرانية

تصاعدت المخاوف على مصير المحتجين في السجون الإيرانية، وسط عودة المسيرات الليلية في طهران وعدة مدن، مع اقتراب نهاية الأسبوع الخامس على اندلاع أحدث موجة من الاحتجاجات العامة، التي أشعلت شرارتها وفاة الشابة مهسا أميني أثناء احتجاز «شرطة الأخلاق» الإيرانية لها، قبل أن تتحول إلى استعراض للمطالبة بإسقاط نظام المرشد الإيراني علي خامنئي.

وأظهرت تسجيلات فيديو عودة المسيرات الليلية في عدة مناطق من طهران والمدن الإيرانية، ويُسمَع فيها ترديد شعار «الموت للديكتاتور»، في إشارة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي. وفي شارع «انقلاب» وسط العاصمة، تحدت مجموعة من النساء الأجواء الأمنية المشددة لترديد هتاف: «المرأة… الحياة… الحرية».

وفي شمال غربي طهران، استخدمت قوات الأمن قنابل صوتية والغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين في منطقة جيتغر، ويُسمَع من تسجيلات الفيديو هتافات من عمارات سكنية ضد قوات الأمن، وأظهر مقطع فيديو مناوشات بين المحتجين وقوات الأمن، أثناء محاولتها نقل أحد الموقوفين. وهاجم عناصر الأمن مسيرة احتجاجية ليلية في بلدة اكباتان غرب العاصمة. وحاول محتجون إشعال النيران وقطع طريق ساوه السريع غرب طهران.

كما نشر حسابٌ 1500 صورة وتسجيلات فيديو تظهر مسيرات ليلية في مدن أراك وسط البلاد، وكرمان جنوب، ومحافظتي إيلام وكرمانشاه ذات الأغلبية الكردية غرباً.

وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، أعلنت أكثر من 40 منظمة مدافعة عن حقوق الإنسان، من بينها «منظمة العفو الدولية» أن الحملة التي يشنها النظام أدت «إلى تزايد أعداد القتلى من المتظاهرين والمارة»، ومن بينهم 23 طفلاً على الأقل، خلال أربعة أسابيع من الاحتجاجات.

وقالت «منظمة حقوق الإنسان في إيران»، ومقرها أوسلو، في بيان، أمس، إن 215 شخصاً، من بينهم 27 طفلاً، لقوا مصرعهم على أيدي قوات الأمن. وطالب المنظمة بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، محذرة من «أوضاعهم المزرية». ولفتت إلى أن المعتقلين يتعرضون للإهانات اللفظية والتعذيب وشتى أصناف المعاملة السيئة، وأُجبر بعضهم على الإدلاء باعترافات متلفزة تجرم أنفسهم، تحت الإكراه والتعذيب.

كما أشارت إلى نقل الموقوفين إلى «مبان غير رسمية، دون أي أنظمة أو رقابة. تمتلئ المعتقلات الرسمية والسجون فوق طاقتها دون مرافق صحية، ومن بين المعتقلين أطفال دون سن 18 عاماً». وأشارت إلى توقيف آلاف الأشخاص، من بينهم 38 صحافياً و170 طالباً و16 محامياً وأكثر من 580 ناشطاً مدنياً، بما في ذلك نقابات العمال والمعلمين.

– حداد على الطلبة القتلى

في غضون ذلك، دعت «اللجنة التنسيقية لنقابات المعلمين» إلى الحداد ثلاثة أيام احتجاجاً على مقتل طلبة المدارس والجامعات، وسينتهي غداً (السبت)، على أن المدرسين دعوا إلى اعتصام يومي الأحد والاثنين، للمطالبة بحق الاحتجاجات السلمي للناس، وإطلاق سراح جميع المعتقلين، دون شروط مسبقة.

وأعربت اللجنة في بيان احتجاجها على «القمع المنظَّم للمعلمين والطلبة والناس»، لافتاً إلى اقتحام المدارس من قبل القوات العسكرية والأمنية وعناصر أمنية يتنكرون بأزياء مدنية»، منوها بأن «مئات الطلبة اعتُقلوا خلال الأسابيع الأخيرة، كما جرى اعتقال عدد كبير من المعلمين، دون سبب، ودون أوامر قضائية». وأضافوا: «بدلاً من الاعتراف بحق الشعب في الاحتجاج والتوقف عن مضايقة الطلاب، فإن الحكومة تستخدم أساليب قمع أكثر شدة وعنفاً، لدرجة أنها أطلقت حتى الآن الغاز المسيل للدموع في المدارس الابتدائية، وتستجوب الطلبة، وتطلب منهم تقديم التزامات».

وأكدت اللجنة مقتل فتاة تبلغ 15 عاماً، الأسبوع الماضي، إثر تعرّضها للضرب، خلال تدخل لقوات الأمن في مدرستها، وقد طالبت السلطات بالتوقف عن قتل محتجين «أبرياء».

وقضت أسرا بناهي في 13 أكتوبر (تشرين الأول) بعدما «هاجمت قوات أمنية بالزي المدني» مدرسة «شاهد» في أردبيل، الواقعة في شمال غربي إيران. وعمد أشخاص «بالزي المدني ونساء محجبات» إلى «تعنيف وإهانة» عدد من الطالبات اللواتي «أطلقن هتافات ضد التمييز وانعدام المساواة». وجاء في البيان أن الطالبات وبعد عودتهن إلى المدرسة تعرّضن للضرب مجدداً.

وتابع: «بعد ذلك للأسف قضت طالبة تُدعى أسرا بناهي في المستشفى، وتم اعتقال عدد من الطالبات الأخريات».

وبث التلفزيون الرسمي مقابلة مع شقيقها (محمد رضا بناهي) 15 عاماً قال خلالها إن الفتاة قضت جراء نوبة قلبية. وأورد تقرير لموقع «ديدبان إيران» الإلكتروني، نقلاً عن ممثل أردبيل في البرلمان، النائب كاظم موسوي، قوله إن الفتاة «أقدمت على الانتحار بابتلاع أقراص».

وقد أثارت هذه التصريحات غضب نجم كرة القدم المعتزل، علي دائي، المتحدر من أردبيل، الذي واجه مشكلات مع السلطات، على خلفية تأييده الاحتجاجات التي نُظّمت على خلفية وفاة أميني.

وفي تعليق نشره في حسابه على «إنستغرام»، أشار دائي إلى أنه لا يعتقد أن بناهي قضت جراء نوبة قلبية، ووصف بـ«الشائعات» ما أورده النائب بخصوص انتحارها. ورداً على منشور دائي على «إنستغرام»، وصف موقع «ميزان» القضائي ما أورده بأنه «أخبار مضللة». وجاء في رد الموقع: «إذا كان دائي يملك أي أدلة تثبت المزاعم بشأن وفاة الطالبة في أردبيل، فليقدمها للمسؤولين المعنيين بأسرع وقت».

وذكرت تقارير، أول من أمس، إن شقيق الفتاة، محمد رضا بناهي، نقل إلى المستشفى إثر محاولة انتحار. وذكرت قناة «من وتو» التي تتخذ من لندن مقراً لها أن مستشفى مدينة أردبيل «أكد تسمُّم محمد رضا بناهي بسبب تناول الأدوية».

– هزيمة الفتنة

قال مساعد الشؤون السياسية لقائد ميليشيا «الباسيج»، جلال حسيني، إن عدد مَن نزلوا إلى الشارع «في أفضل حالاته يصل إلى 70 ألف شخص»، مشيراً إلى مشاركة 10 آلاف و500 شخص من أصل ثلاثة ملايين طالب في إيران. وقال إن 70 في المائة من المحتجين دون 20 عاماً، حسبما أوردت وكالة «المراسلين الشباب» التابعة للتلفزيون الرسمي.

وقال حسيني إن 90 في المائة من مجال الإنترنت «في يد الأعداء»، وأضاف: «رغم المحاولات الواسعة، انهزم الأعداء في الفتنة الأخيرة».

ومع ذلك، قال قائد «الحرس الثوري»، حسين سلامي، إن «الفتنة في لحظاتها الأخيرة»، وإن «قليلاً من الشباب ما زلوا أسرى أكاذيب العدو»، مكرراً الاتهامات للولايات المتحدة بالوقوف وراء الاحتجاجات. واعتبر أن «كل القوة الأميركية تمثلت في إشعال النار بعدد قليل من حاويات القمامة». وقال أيضاً: «الفتنة الأخيرة طفل وُلِد ميتاً وسيكون تاريخاً من العار لأميركا». وأضاف: «العدد القليل من المخدوعين سيعرفون الحقيقة».

كذلك وجه سلامي تحذيراً إلى الدول التي أعلنت عن مواقف إزاء قمع الاحتجاجات في إيران، قائلاً: «لسنا غافلين عن الأعداء الأجانب. نحذر الدول الأخرى من التدخل في الشؤون الداخلية الإيرانية. يجب عليهم الابتعاد عن هذه القضايا والكف عن الأكاذيب والمؤامرة. ادخلوا قصوركم الزجاجية ولا تستفزوا الشعب الإيراني. بيوتكم أوهن من العنكبوت».

وفي إشارة ضمنية إلى العقوبات الأخيرة التي طالت مسؤولين إيرانيين بسبب قمع الاحتجاجات، قلل سلامي من أهمية العقوبات المفروضة على إيران، وقال: «العقوبات في وهم الأعداء كانت نسخة من استسلام إيران. والعدو بنظرته المادية لم يتمكن من رؤية عمق النظام والثورة. كلما حاول واجه أبواباً موصدة، وتجمَّد وانهزم مرة أخرى».

تأتي تعليقات قادة «الحرس الثوري»، في وقت تعتزم فيه السلطات الإيرانية «تجريم» بيع الشبكات الخاصة الافتراضية (في بي إن) التي تتيح تخطي قيود على الاتصال بالإنترنت. وقال وزير الاتصالات، عيسى زارع بور، إن «بيع الأدوات المضادة للتقنين غير مشروع، لكن للأسف لم يتم تجريمه بعد. يتم بذل جهود من أجل تجريم هذا الأمر»، وقال إن الإجراء «ليس ضمن مهماتي، وبطبيعة الحال متابعته تعود للمؤسسات المختصة»، وذلك في تصريحات أدلى بها، إثر اجتماع للحكومة الإيرانية، أول من أمس (الأربعاء).

– معتقلون أجانب

واعتقلت السلطات الإيرانية 14 أجنبياً، على خلفية الاضطرابات التي هزت البلاد في الأسابيع الماضية.

وأفادت «رويترز»، نقلاً عن وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري»، أول من أمس (الأربعاء)، أن «التحقيقات تظهر أن مواطنين من 14 دولة، منها الولايات المتحدة وروسيا والنمسا وفرنسا وبريطانيا وأفغانستان، اعتُقلوا في أعمال الشغب الأخيرة في البلاد، وكان الأفغان الأكثر عدداً». ولم تذكر توقيت الاعتقالات. ولم توضح أيضاً ما إذا كان من بينهم تسعة أجانب قالت وزارة المخابرات الإيرانية في 30 سبتمبر (أيلول) إنهم اعتُقلوا لدورهم في الاحتجاجات.

في فيينا، أشارت وزارة خارجية النمسا، أمس (الخميس)، إلى أن أحد رعاياها أُوقف في إيران، في عملية يُعتقد أنها ليست على صلة بالتحركات الاحتجاجية التي تشهدها الجمهورية الإسلامية منذ أكثر من شهر.

وقال بيان للخارجية النمساوية إن «السلطات الإيرانية أكدت توقيف مواطن نمساوي»، مشيرة إلى أنها طالبت إيران بـ«إيضاحات حول ملابسات توقيفه».

وأوضح البيان أن طهران أعلنت أنه «متّهم بارتكاب جرم لا علاقة له بالاحتجاجات» التي تشهدها البلاد حالياً. وأكدت الوزارة في بيانها أنها ستوفر حماية قنصلية «كاملة» للنمساوي الموقوف، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».

المصدر: الشرق الأوسط