منطقة القرن الأفريقي وأهم التحديات السياسية والاقتصادية في عام 2020

بقلم/ روضة علي عبد الغفار

تتغير موازين القوى وتتبدل، فتظهر دول وتختفي أخرى على ساحة الصراعات، وكلٌ يلقى تحدياتٍ حسب أهميته، والسؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة؛ ما الذي يجعل دولة بعينها تكثر بها الصراعات والتحديات ويضج تاريخها بالأحداث المتسارعة دون غيرها؟! والإجابة هنا ترجع إلى عوامل عدة: قد تكون الدولة تتمتع بموقع جغرافي فريد، أو أهمية إستراتيجية كبيرة، أو لها أهمية سياسية متصاعدة، أو مكانة عسكرية خطيرة، أو تمتلك مقومات اقتصادية لا تملكها دول أخرى.

ومنطقة القرن الأفريقي قد امتلكت هذه الأهميات ومواطن القوة؛ لتصبح عرضة للصراعات الدولية والإقليمية، وهو ما يجعلها دائمًا أمام تحديات كبيرة، هذه المنطقة التي تمتد على شكل قرن وتقع غرب البحر الأحمر وخليج عدن وتشمل أربع دول هي: الصومال وجيبوتي وإريتريا وإثيوبيا.

وتنبع أهمية القرن الأفريقي من الموقع المتميز على الخريطة الجيوسياسية، فهي تتمتع بمنافذ بحرية متميزة سواء كانت في البحر الأحمر أو بموقع خليج عدن والمحيط الهندي، وهي بهذا الوضع تعد أهم منفذ تجاري على مستوى العالم لأنه يربط بين ثلاث قارات: أفريقيا، وآسيا، وأوروبا، كما أن هذا الموقع يتيح السيطرة على البحر الأحمر عن طريق التحكم في مضيق باب المندب.

في هذا التحقيق نتناول أهم التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه دول القرن الأفريقي في 2020.

التحديات السياسية ومستقبل الصراعات

نظرًا لما تمثله منطقة القرن الإفريقي من موقع جيوستراتيجي هام، فقد ظلت تاريخيًا ساحة صراع دولي سواء في فترات الاحتلال الغربي أو فترة الحرب الباردة وما بعدها، وقد عملت القوى الكبرى على التواجد بها؛ بداية من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا مرورًا بالصين واليابان؛ ثم اللاعبين الجدد مثل تركيا وإيران والدول العربية كالإمارات والسعودية.

فيقول عباس محمد صالح، الباحث في الشئون الأفريقية، في تصريحات لـ “موقع إعلام العرب”، أن القرن الأفريقي سيظل في بؤرة الاهتمام الدولي لأنه محل صراع وتنافس بين القوى الكبرى من أجل التواجد فيه كمنطقة نفوذ، ومن التحديات التي تواجه دول القرن الأفريقي تحدي الحفاظ على الاستقرار السياسي، مع وجود مؤشرات لربيع أفريقي من حِراكات جماهيرية هنا وهناك، بجانب قضية الهجرة غير الشرعية من دول المنطقة صوب أوروبا وهي قضية تندرج ضمن أجندة المجتمع الدولي بشكل واسع.

فمن الواضح أن طبيعة المشهد السياسي في منطقة القرن الإفريقي اليوم- وفق التجربة التاريخية- أنه مشهد متحرك ولا يملك القدرة على الاستقرار والثبات، ومآلات المشهد مفتوحة على كل الاحتمالات، رغم اتجاه بعض القوى الدولية إلى ترميم الأوضاع لتحقيق الاستقرار وعدم الخروج عن السيطرة، وهو ما رأيناه في المحاولات الأخيرة لتحقيق السلام بين إرتريا وإثيوبيا، إلا أن نجاح ذلك مرهون بجملة من التحديات الداخلية والخارجية ومدى تحقيق المكتسبات الجمعية لمكونات الإقليم.

فبالنظر إلى تحديات إثيوبيا خلال عام 2020؛ يقول الباحث صالح أن استحقاق الانتخابات العامة المقرر لها مايو المقبل يعتبر من أهم التحديات، حيث تضع البلاد على مفترق طرق حقيقي، إما أن تؤسس لانتقال ديمقراطي حقيقي، أو أنها تضع البلاد على حافة الانهيار والتمزق، فضلًا عن مظاهر أخرى عديدة للهشاشة؛ كالتوترات العرقية والنزاعات الداخلية وتدهور مستويات المعيشة بشكل ملحوظ.

كما سيظل سد النهضة محل استقطاب إقليمي، خاصة وأن عملية التفاوض الجارية حوله لم تثمر عن نتائج توافقية للأطراف المعنية، ويتمحور الخلاف الإثيوبي- المصري حول قضيتين حساستين هما: فترة ملء السد وكذلك إدارته، وستمضي إثيوبيا في إكمال السد وفق رؤيتها، بينما يظل الموقف المصري على حاله، ولن ينجح في حشد أي نوع من الدعم الدبلوماسي القوي لخدمة مواقفه، وبالتالي الاستقطاب بين البلدين ستزداد حدته مستقبلا، لاسيما على صعيد الحملات الإعلامية.

لكن فيما يخص العلاقات الأثيوبية- الاريترية، يضيف الباحث صالح، أنه رغم المصالحة الذي بادر إليها رئيس الوزراء الأثيوبي فور وصوله السلطة في عام 2008، إلا أن العلاقات بين البلدين عادت إلى مربع “الجمود”، فمستقبل علاقات البلدين يتوقف على سلوك الرئيس الاريتري، فضلًا على العامل الخارجي وتحديدًا أبو ظبي التي تمثل دور الضامن لتلك العلاقات، أما داخليًا فإن اريتريا على فوهة بركان قد ينفجر في أي لحظة، فنظام الرئيس افورقي بلغ مرحلة عالية من الاستبداد، وحتمًا يواجه هذا النظام شبح الانهيار لأنه يقوم على حكم الفرد المطلق في أسوأ صوره، ويحاول المواطنون الفرار بأي طريقة، في وقت يحكم فيه افورقي قبضته المطلقة على مقاليد الأمور في البلاد.

التحديات الاقتصادية ومستقبل التنمية

تعاني دول القرن الأفريقي من فقر مدقع حيث تعتمد معظمها على المساعدات الخارجية، فإريتريا تعد واحدة من أكثر دول العالم اعتمادًا على المساعدات الخارجية وكذلك الصومال، أما إثيوبيا فكانت تعتمد أيضًا على المساعدات وكانت تصنف من أفقر دول العالم؛ إلا أنها في السنوات الأخيرة شهدت نموًا اقتصاديًا ملموسًا يعد من أسرع معدلات النمو العالمية، أما جيبوتي فتسعى إلى الاستفادة من موقعها الإستراتيجي على مضيق باب المندب عن طريق الاستثمار في اقتصاد الموانئ، وكذلك الامتيازات والتربح بالسماح بإنشاء قواعد عسكرية، حيث تجني جيبوتي نحو ربع مليار دولار سنويًا مقابل تأجير أراضي لقواعد عسكرية.

ويوضح الباحث صالح لـ “إعلام العرب”، أن دول وشعوب منطقة القرن تحتاج للتنمية الاقتصادية العاجلة، فقد فشلت سياسات دول المنطقة والمقاربات الدولية في هذا الصدد لإحداث نقلة اقتصادية تنعكس علي حياة هذه الشعوب وازدهارها، ويظل تحدي خفض الفقر وانتشال الشعوب من براثنه قائمًا، وكذلك الأمن البشري لسكان المنطقة هو التحدي الحقيقي ليس فقط لدول المنطقة ولكن للمجتمع الدولي بأسره، خاصة في ظل مخاطر التغيرات المناخية وموجات الجفاف وما تسببه من نزوح ولجوء وأشكال أخرى من الحراك السكاني الذي يمكن أن يتسبب في زعزعة الاستقرار الإقليمي بشكل أو آخر.

ولا تقتصر الأهمية الاقتصادية للقرن الإفريقي على اعتبارات الموقع والموانئ فحسب، وإنما تتعداها للموارد الطبيعية، خاصة البترول الذي بدأ يظهر في الآونة الأخيرة في عدد من دول المنطقة مثل الصومال، كما تمتلك المنطقة مقومات اقتصادية أخرى أهمها المياه، فهي التي تزود مصر والسودان بالمياه الصالحة للشرب؛ لأن نهر النيل ينبع جزئه الأكبر من إثيوبيا، لذا سعت دول العالم إلى هذه المنطقة للاستفادة من مقوماتها الاقتصادية وبسط نفوذها على المحيط الإقليمي تحت ذريعة التعاون الاقتصادي والخيري.

وكان أوضح الدكتور عبد الله حمدوك، رئيس وزراء السودان الحاليوالمحلل السياسي والاقتصادي لتحديات التنمية في أفريقيا، في محاضرة بعنوان: “الاستثمار العربي في القرن الأفريقي.. التحديات والفرص والآفاق”، أنّ أفريقيا عمومًا والقرن الأفريقي على وجه الخصوص منطقة أزمات وتحديات، وهي أيضا منطقة الفرص الاقتصادية والاستثمارات، وبالذات للدول العربية بحكم الجوار الجغرافي والتقارب الثقافي، وتُنافسها في ذلك القوى الاقتصادية الكبرى مثل الصّين والهند وتركيا والبرازيل التي ترى في أفريقيا المكان الأمثل للاستثمار، ومن الضروري أن تمثل منطقة القرن الأفريقي للدول العربية وجهة تجارية نظرا لما توفره من فرص استثمارية كبيرة، ولكن دون إغفال أنه لا يزال هنالك كثير من التحدّيات التي تعيق عملية زيادة معدلات الشراكة بين العرب ومنطقة القرن الأفريقي لأسباب مشتركة من الطرفين والتي تبقي القرن الأفريقي بعيدًا – حتى الآن – عن مجال الاستثمار العربي.

ويظل القرن الأفريقي بؤرة للصراعات السياسية والاقتصادية، وأرضًا خصبة لأشرس التحديات، إلا أن الإسراع المتزايد والتكالب على المنطقة لبسط النفوذ قد يكون له تداعيات مستقبلية لا تُحمَد عُقباها، خاصة وأن الدول صاحبة القوة لا تكتفي بقواعدها العسكرية بل تمد جذورها داخل بلدان القرن الإفريقي عن طريق الهيمنة الاقتصادية، مما جعل دول المنطقة لا تملك من أمرها شيئًا.

وختامًا.. فإن الاستقرار لن يعم إلا إذا امتلكت الدول قرارها وزمام أمرها، وهو ما نرجو أن يتحقق في دول القرن الأفريقي بنسبة أكبر، وأن تخرج المنطقة من التحديات التي أمامها بما يَصلح للشعوب ويدعم واستقرارها وأمنها، وأن يصبح الإنسان هدفًا أول للمجتمع الدولي بأسره.

(المقال يمثل رأي صاحبه وليس بالضرورة رأي الموقع)