نبيل القروي.. من رائد للتسويق والإعلام إلى ساع للسلطة

بنظارتين صغيرتين لا تخفيان بريق عينيه، وتسريحة شعر ولباس لافت على الطريقة الكلاسيكية لنجوم السينما الإيطالية في ثمانينات القرن الماضي، عرف التونسيون نبيل القروي بملامحه الهادئة وصوته الخافت كأحد أقطاب المال والإعلام في تونس وخارجها.

وقبل أشهر معدودة، قرر الرجل الدخول في عالم السياسة من أوسع الأبواب وخوض غمار الانتخابات الرئاسية التي لم تسعفه الظروف لخوضها كبقية المترشحين، بسبب توقيفه قبل الحملة الانتخابية بأيام على ذمة التحقيق في قضايا تهرب ضريبي وتبييض أموال.

ورغم هذه الحالة الفريدة، تمكن القروي الذي نافس 24 مرشحا آخر في الدور الأول، من المرور إلى الدور الثاني بحصوله على نسبة 15.58% من مجموع أصوات المقترعين (525.517 ألف صوت)، بينما تصدر الأستاذ الجامعي قيس سعيد بنسبة 18.40% (620.711 ألف صوت).

وينتظر أن تحدد هيئة الانتخابات موعدا لإجراء الدور الثاني من الانتخابات، إما في السادس من الشهر المقبل بالتزامن مع الانتخابات التشريعية، أو يوم 13 من الشهر نفسه بعد استكمال الطعون وإعلان النتائج بصفة نهائية.

ووجهت هيئة الانتخابات وهيئة الإعلام السمعي والبصري مراسلتين إلى قاضي التحقيق المكلف بالتحقيق مع نبيل القروي في شبهة غسل الأموال وتهرب ضريبي، لمنحه فرصة الظهور الإعلامي ضمانا لتكافؤ الفرص مع منافسه خلال الحملة الانتخابية للدور الثاني.

بداية صعوده
لكن قاضي التحقيق لم يتخذ بعد قراره للسماح له بقيادة حملته الانتخابية من السجن، بينما رفض طلبا من محاميه للإفراج عنه في الـ18 من الشهر الحالي، أي عقب ثلاثة أيام عن صدور النتائج الأولية للدور الأول من انتخابات الرئاسة.

وينحدر نبيل القروي من مدينة بنزرت (أقصى نقطة في شمال البلاد وشمال أفريقيا)، وعرف كرجل أعمال ناجح أسس في 2002 أكبر شركة تسويق وإعلام في أفريقيا، بعد شغله مناصب إدارة أعمال بشركات عالمية عدة.

ويعود صعود القروي لدائرة الضوء عقب استثماره بالمجال الإعلامي وتأسيسه عام 2007 قناة “نسمة”، ثاني تلفزيون خاص في تونس زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، مستفيدا من علاقاته مع سياسيين فاعلين في أوروبا، على رأسهم رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق سيلفيو بيرلسكوني، وقطب الإعلام العالمي التونسي طارق بن عمار.

وكان خط القناة التحريري يرتكز في بدايتها على بث برامج ترفيهية موجهة للمغرب العربي، بسبب منعها من إنتاج مضامين إخبارية، لكنها سرعان ما تحولت إلى قناة سياسية واسعة الانتشار في تونس بعد سقوط نظام بن علي في 2011.

وبسبب رفضها تجديد رخصة بث قناته، أصبح نبيل القروي منذ 2011 وإلى حد الساعة خصما لدودا للهيئة المستقلة للإعلام السمعي والبصري (هيئة دستورية) التي طالما سلطت عليه عقوبات مالية وحاولت هذا العام إغلاق قناته بالقوة العامة، لكنها لم تنجح.

وفي انتخابات المجلس التأسيسي بعد الثورة في 2011، تعرض لهجوم على منزله من قبل عناصر متشددة بسبب عرضه في قناته للفيلم الإيراني “بيرسيبوليس” الذي أثار جدلا لتضمه مشاهد اعتبرت مسيئة للذات الإلهية.

تجربة سياسية
وفي يونيو/حزيران الماضي، أسس القروي حزبا سياسا أطلق عليه “قلب تونس” اختار له وجه أسد متوهجا كشعار. ورغم حداثة عهده، استطاع هذا الحزب أن يتقدم بقوائمه الانتخابية في جميع الدوائر الانتخابية مستفيدا من سياسيين بارزين مستقيلين من أحزاب فاعلة على رأسها “نداء تونس” المتصدع.

وكان القروي قال في حوار حصري مع الجزيرة نت قبيل إيقافه، إن ترشحه للانتخابات جاء بعد تجوله في المدن والقرى والأحياء الشعبية والتماسه مظاهر البؤس والفقر، مؤكدا أنه يطرح نفسه بديلا عن الائتلاف الحاكم الحالي لمحاربة الفقر والخصاصة.

واستطاع القروي أن يكتسب شعبية خاصة في الأوساط الفقيرة والمهمشة داخل الأحياء الشعبية والقرى والأرياف في دواخل بالبلاد، بفضل جمعيته الخيرية “خليل تونس” التي أسسها بعد وفاة ابنه خليل في حادث سيارة في 21 أغسطس/آب 2016، والتي مثلت نقطة تغير جذري في نظرته للحياة حسب مقربين منه.

ومنذ ذلك الحين، كرّس نبيل القروي جل أوقاته في العمل الخيري وتوزيع المأكل والملبس على الفقراء والمساكين، وسخر قناته “نسمة” للتغطية الإعلامية لتلك الأعمال.

وتزامنا مع بروزه كأحد الوجوه الصاعدة التي تربعت على عرش نوايا التصويت في استطلاعات الرأي، ثار جدل كبير بسبب مطالبات في البرلمان بتعديل قانون الانتخابات.

وارتكزت مطالب التعديل على مسألة غياب تكافؤ الفرص، باعتبار أن قانون الأحزاب يمنع حصولها على تمويل خارجي، في حين يتيح قانون الجمعيات لها ذلك “وهو ما ينطبق عليه بحكم امتلاكه جمعية فضلا عن الإشهار السياسي”.

مرشح للرئاسية
واعتبر القروي المصادقة على التعديل في البرلمان في 18 يونيو/حزيران الماضي محاولة لإقصائه من سباق الانتخابات بقانون “غير دستوري”، لكن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين أقرت بدستوريته رافضة الطعن فيه.

ورغم ذلك استفاد من عدم ختم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي على تعديل القانون، مما حال دون صدوره بالجريدة الرسمي، ليبقى العمل ساريا فقط بمحتوى قانون الانتخابات القديم الصادر في 2011 والمنقح في 2014 و2018.

وتم قبول ملف ترشح القروي للرئاسيات بعد حصوله على أكثر من عشرة آلاف تزكية مطلوبة كأحد شروط الترشح، مدعوما من كتلة حركة نداء تونس الموالية لحافظ قايد السبسي نجل الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.

وجمعت القروي علاقة متينة بالرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بعد مساهمته بتأسيس حركة “نداء تونس” في يونيو/حزيران 2012، بهدف تحقيق التوزان السياسي مقابل حركة النهضة التي فازت بأغلب مقاعد البرلمان في 2011.

وفضلا عن التنظيم اللوجستي لاجتماعاته وقيادة حملته الانتخابية، لعب القروي دورا كبيرا في الظهور الإعلامي لقايد السبسي، بحضوره المتواتر على قناة “نسمة”، وطالما تباهي بكونه السبب في فوز الباجي بانتخابات 2014.

وأعلن القروي مطلع أبريل/نيسان 2017 استقالته من الهيئة السياسية لحركة نداء تونس التي أنهكتها الصراعات الداخلية والاستقالات، مما جعلها تتشرذم إلى مجموعة من الأحزاب أبرزها “تحيا تونس” وحركة “مشروع تونس”.

غموض قانوني
وخلال تلك الفترة، تقدمت منظمة “أنا يقظ”، وهي منظمة رقابية تونسية تنشط في مكافحة الفساد بقضية ضد القروي بتهمة تبييض أموال وتهرب ضريبي. وقرر القضاء تحجير السفر عليه وتجميد ممتلكاته في يوليو/تموز الماضي، قبل اعتقاله الشهر الماضي، وهو ما اعتبره “عملية مدبرة” لإقصائه من سباق الانتخابات.

ويلف حاليا غموض كبير وضعيته القانونية وسط انقسام في الآراء، فبينما يعتقد خبراء أنه سيتمتع بالحصانة مع اكتسابه صفة الرئيس إذا فاز بالدور الثاني، يقول آخرون إنه بوصفه مسلوب الحرية لا يستطيع تأدية اليمين ليكون رئيسا.

ويسعى مسؤولو حزبه لتدويل القضية والطعن بنتائجها، إذا رفض الإفراج عنه لخوض غمار الدور الثاني من الرئاسيات بشكل عادل، في حين لا يزال هو قابعا في السجن في قضية فساد مالي معقدة يقول خبراء إنها قد تستغرق أشهرا في أروقة المحاكم.

المصدر: الجزيرة