هجوم رفح المرتقب – الخوف والقلق يسيطران على النازحين

لم تدم طويلا أجواء الفرحة والطمأنينة العفوية في شوارع قطاع غزة عقب إعلان حماس قبولها مقترح وقف إطلاق النار الذي طرحته مصر وقطر. فعقب وقت قصير من الإعلان، سُمع دوي انفجارات شديدة في شرق رفح، فيما طالب الجيش الإسرائيلي السكان بالإخلاء الفوري.

وفي رده، قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن اقتراح وقف إطلاق النار لا يلبي المطالب الإسرائيلية وأن مجلس الحرب قد وافق على استمرار العمليات في رفح.

ونُقل عن مسؤولين رفيعي المستوى قولهم إن حماس، المدرجة على قائمة المنظمات الإرهابية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول اخرى، قد وافقت على مقترح آخر لوقف إطلاق النار. وتزامن هذا مع إرسال إسرائيل وفدا إلى القاهرة لمواصلة المحادثات مع الوسطاء.

وقال مسؤول إسرائيلي عسكري الثلاثاء (7 مايو / آيار) إن القوات الإسرائيلية شنت ما وصفه بـ “عملية مستهدفة” في مناطق محددة في شرق رفح بما في ذلك السيطرة على الجانب الفلسطيني من معبر رفح، الذي يعد شريان الحياة لقطاع غزة سواء لعبور الأفراد أو شحنات المساعدات.

وعلى وقع ذلك، أُعلن عن وقف العمل في المعبر مع استمرار إغلاق معبر كرم أبو سالم “كيرم شالوم” منذ هجوم حماس بقذائف هاون الأحد (5 مايو / آيار) والذي أسفر عن مقتل أربعة جنود إسرائيليين.

غير أن معلومات إسرائيلية أفادت أن معبر كرم أبو سالم أعيد فتحه اليوم الأربعاء (الثامن من مايو/ أيار)، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية (د ب أ)، التي نقلت عن الجيش الإسرائيلي قوله إنه على الرغم من هجوم صاروخي آخر من قطاع غزة يوم الثلاثاء، فإن شاحنات من مصر تحمل مساعدات إنسانية، بما في ذلك الغذاء والمياه ومعدات الإيواء والأدوية والإمدادات الطبية التي تبرع بها المجتمع الدولي، وصلت إلى المعبر مرة أخرى. وأكد الجيش أنه بعد فحص أمني شامل، سيتم نقل المعدات إلى جانب غزة من المعبر الحدودي.

“أين سنذهب؟”

وألقت هذه التطورات المتسارعة بظلالها على النازحين في رفح، إذ بات كثيرون منهم يعيشون في كنف الخوف من الأسوأ.

وفي مقابلة عبر الهاتف مع DW، قالت غادة رفيق ذات الثلاثين عاما، إن الأمل يحدوها في ألا تقع عملية برية إسرائيلية تستهدف رفح، مضيفة “فكرة العودة إلى العيش داخل خيمة بلا مياه أو خدمات مخيفة”.

وقالت “أين سنذهب؟ وماذا سنفعل؟ نريد وقفا لإطلاق النار وهدنة. أصلي إلى الله من أجل قرب التوصل إلى اتفاق هدنة يحول دون دخول الجيش رفح”.

وقال العديد من سكان الأحياء الشرقية في رفح إن يوم الثلاثاء (7 مايو/ أيار) كان ثقيلا إذ في الساعات الأولى، أسقط الجيش الإسرائيلي منشورات تطالب سكان شرق رفح مغادرة المنطقة والانتقال إلى مكان قريب من منطقة المواصي الواقعة شمال غرب رفح قرب البحر المتوسط.

وكان مسؤول عسكري إسرائيلي قد قال في إفادة صحافية، الاثنين (6 مايو / آيار)، إن عملية الإخلاء كانت “محدودة”، حيث أمر الجيش حوالي مئة ألف شخص يقطنون أحياءً محددة بالانتقال إلى “منطقة إنسانية موسعة” قرب الطريق الساحلي.

النزوح مجددا

وقبل العملية الإسرائيلية الأخيرة، كان الخوف يطبق على السكان والنازحين في رفح خلال الشهور الماضية مع تلويح إسرائيل بشن هجوم بري وشيك. وعلى وقع ذلك، بدأ بعض النازحين في حزم أمتعتهم، سواء على متن سيارات أو عربات تجرها الحمير أو حتى على أكتافهم، في سبيل انتقالهم بعيدا عن رفح.

الشابة الغزاوية غادة كانت من بين السكان الذين تلقوا رسالة تطالبهم بالإخلاء، وتقول: “استيقظت صباح الاثنين على صوت رنين هاتفي حيث كانت رسالة الجيش الإسرائيلي المسجلة تأمرنا بالإخلاء من شرق رفح، نعيش في حي الجنينة شرق رفح الذي يعد ضمن المناطق التي طالب الجيش سكانها بالإخلاء”.

وأضافت أنها مثل الكثيرين من سكان غزة كُتب عليها النزوح والانتقال مرات خلال الأشهر السبعة الماضية، مضيفة “كنا في البداية نعيش في مخيم جباليا ثم انتقلنا إلى مخيم النصيرات وبعد ذلك إلى دير البلح وأخيرا إلى رفح”.

وقالت إن الليلة الماضية كانت مرعبة بسبب القصف المكثف، مضيفة: “منذ الصباح الباكر، سمعنا دوي قذائف مدفعية في المناطق الشرقية. قررنا المغادرة والتوجه صوب خان يونس. نحتفظ بخيمة منذ وقت نزوحنا إلى دير البلح. يسيطر علينا الخوف والقلق بشأن ما سيأتي”.

وفي ذلك، قالت وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة إن أكثر من 50 شخصا قتلوا خلال الساعات الـ24 الماضية ما يرفع حصيلة القتلى إلى أكثر من 34 ألفا منذ بدء إسرائيل عملياتها العسكرية في قطاع غزة، ردا على هجوم حماس الإرهابي في السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.

إسرائيل عازمة على اجتياح رفح

وفي سياق متصل، شدد نتنياهو في عدة مناسبات على عزمه شن هجوم بري واسع النطاق على رفح سواء جرى التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار أو لا بهدف إطلاق سراح الرهائن، الذين تم احتجازهم في هجوم السابع من أكتوبر / تشرين الأول.

وفي ضوء تصريحات نتنياهو، خرجت تحذيرات دولية خاصة من الولايات المتحدة – الحليف الإسرائيلي الوثيق – من تداعيات أي اجتياح لرفح بسبب المخاوف من سقوط ضحايا كثيرين في صفوف المدنيين. وتتهم إسرائيل حركة حماس بالاختباء بين المدنيين، مشيرة إلى حتمية اجتياح رفح لتدمير أربع كتائب تابعة لحماس في رفح من أجل إعلان انتصارها.

إسرائيل تسيطر على معبر رفح من جهة غزة

وأعلن الجيش الإسرائيلي الثلاثاء أنه نشر دبابات في رفح وسيطر على المعبر الحدودي مع مصر في جنوب غزة ما أدى الى توقف وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع الفلسطيني المحاصر.

لكن الحكومة الأمريكية أكدت أن تقدم الجيش الإسرائيلي في مدينة رفح هو عملية “محدودة”. وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي الثلاثاء: “أوضحنا مخاوفنا مرارا وبثبات” بشأن “عملية كبرى في رفح في مناطق شديدة الكثافة السكانية مما قد يمثل خطورة أشد على المدنيين وسقوط قتلى وجرحى من بينهم”.

وبحسب منظمة الصحة العالمية، يقيم نحو 1,2 مليون شخص غالبيتهم من النازحين في رفح في الوقت الحالي.

وقبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كان يقطن مدينة رفح حوالي 300 ألف شخص فقط، وبعد أن قصدها الكثير من النازحين أصبحت الظروف المعيشية في المدينة الحدودية كارثية. ويعاني النازحون من ظروف معيشية صعبة وسط نقص في الغذاء ومياه الشرب والأدوية، فيما اضطر الكثير منهم إلى العيش في خيام رغم برودة الطقس.

وعلى وقع الخوف من هجوم إسرائيلي وشيك، يخشى كثيرون على مصيرهم خاصة في ظل الغموض حيال وجهتهم المقبلة فيما يتفاقم الأمر بالنسبة للسكان الذين لا يستطيعون المغادرة من كبار السن والمرضى.

وفي مقابلة عبر الهاتف مع DW، قال فضل قنديل (54 عاما) إنه قرر البقاء في رفح رغم أن عائلته قررت ترك المكان. وأضاف في اتصال هاتفي “اليوم كان مخيفا بكل ما تعنيه الكلمة. فرغم التهديدات السابقة بقرب عملية عسكرية في رفح، إلا أن الأجواء كانت مخيفة صباح اليوم بشكل مختلف.”

وقال إنه “مع إلقاء منشورات الإخلاء في رفح، كان مشهد مغادرة السكان حاملين أمتعتهم البسيطة، مؤلما”، مضيفا أنه يأمل في أن يتم الاتفاق على وقف إطلاق النار قريبا.

وفي ذلك، قال إن “الأخبار الإيجابية عن وقف إطلاق النار خففت من مخاوفي قليلا، لكنني لست متأكدا من أنها ستنجح. في حقيقة الأمر، لست متفائلا، لكن أتمنى أن أكون مخطئا”.

المصدر: دي دبليو