هل يدفع اللاجئون السوريون “ثمن فشل السياسة الداخلية في لبنان”؟

على مدار الأيام الماضية، تصاعدت وتيرة الجدل في لبنان حيال تواجد اللاجئين السوريين. جهات سياسية وإعلامية واجتماعية أطلقت حملة دعت من خلالها السلطات لترحيلهم إلى بلادهم، محملين إياهم المسؤولية عن الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الجريمة. السلطات اللبنانية باشرت بتطبيق إجراءات بحقهم، على رأسها ضبط من ليس لديهم أوراق رسمية أو إقامات صالحة. هذا الأمر الذي أثار مخاوف اللاجئين وتحذيرات المنظمات الحقوقية من خروج الأمور عن السيطرة. ويرى الكاتب السياسي باسل صالح أن اللاجئين السوريين “يدفعون ثمن فشل السياسة الداخلية في لبنان” وأن “الحملة الحالية ضدهم هي محاولة لابتزاز المجتمع الدولي من أجل المزيد من التقديمات والدعم”.

يعيش لبنان منذ أسابيع حالة جدل وتراشق اتهامات بين أوساط سياسية وإعلامية بشأن الدعوات إلى ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلادهم. فعلى ضوء الأزمة الاقتصادية الحادة التي يعيشها البلد، انطلقت حملات على وسائل التواصل وبعض الوسائل الإعلامية تحمل اللاجئين المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع، داعية السلطات إلى اتخاذ إجراءات سريعة وجذرية تشمل إعادتهم إلى سوريا.

الحكومة اللبنانية سارعت إلى البدء بإجراءات تماشيا مع تلك المطالب، تمثلت بإطلاق حملة أمنية لرصد وتوقيف السوريين المتواجدين في البلاد بشكل غير شرعي. الحملة أسفرت عن توقيف المئات، وسط توارد تقارير عن إبعاد نحو 60 منهم إلى سوريا.

في هذا الإطار، طالبت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية “وقف عمليات الترحيل غير القانونية للاجئين سوريين”، خوفا من المصير المجهول الذي ينتظرهم هناك. وتحدثت المنظمة الحقوقية في بيانها عن قيام أجهزة الأمن اللبنانية “بمداهمة مخيمات اللاجئين ومناطق تواجدهم وتوقيف من لا يملكون تصاريح إقامة سارية”، معربة عن قلقها من “قيام الجيش بتقرير مصير اللاجئين”.

ومع مرور الوقت واشتداد حدة التحريض، سجلت حسابات على مواقع التواصل سلسلة من الاعتداءات طالت عائلات سورية في عدد من المناطق اللبنانية. من بين هذه الحالات ما وقع في بلدة “القليعة” في قضاء مرجعيون (جنوب) حيث عمد بعض الشبان إلى طرد عائلات سورية بذريعة “اعتداء” أحد السوريين على شرطي بلدي.

عشرات المداهمات لمخيمات اللاجئين

عامل إنساني في إحدى المنظمات غير الحكومية الدولية، تحدث عن حصول عمليات ترحيل قسرية لسوريين من لبنان، كما أكد وقوع العشرات من عمليات المداهمات لمخيمات للسوريين في البقاع والجنوب. “لا يمكن لكل اللاجئين أن يعودوا، فمنهم من يخشى أن يكون مطلوبا للسلطات هناك، وآخرون مطلوبون للتجنيد الإجباري. قد يكون الوضع آمنا لمن يقومون بالذهاب والعودة بشكل دائم، لكن كيف يمكن إحصاء هؤلاء في ظل وجود عشرات المعابر الحدودية غير الشرعية؟”.

ويورد أن “من يقومون بزيارة سوريا بشكل طبيعي وهم يحملون صفة اللجوء، هؤلاء يمكن للأمن اللبناني أن يوقفهم عند الحدود ويمنعهم من الدخول. لكن أن تشن حملات مداهمات عشوائية تزيد من التوتر الذي يعيشه اللاجئون، هذا ما لا يمكن تفسيره. قد يتم خلال تلك المداهمات توقيف وإبعاد أشخاص حياتهم معرضة للخطر في سوريا”.

مصدر آخر في إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن السلطات اللبنانية رحلت سوريين مسجلين لدى الأمم المتحدة، بينهم قُصر دون ذويهم. الأمر الذي أكده المجلس النرويجي للاجئين في أحد بياناته حيث قال إن أحد المستفيدين من أحد برامجه الشبابية من بين المرحلين.

تضييقات مختلفة

وعلى الرغم من عدم وجود إحصاء لعمليات المداهمات التي تعرضت لها مخيمات اللاجئين، إلا أن مركز “الوصول” لحقوق الإنسان، المتخصص بجمع بيانات ومتابعة أوضاع اللاجئين السوريين، قال إنه وثق ما لا يقل عن 200 عملية ترحيل في نيسان/أبريل الماضي.

وهذه ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات اللبنانية لترحيل سوريين، لكن عمليات الترحيل السابقة بمعظمها استهدفت أعدادا صغيرة وتم تنفيذها بموجب إجراءات وقرارات رسمية، وكان لدى الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية فرص للتدخل فيها، حيث تمكنت من وقف بعض تلك العمليات.

وتزايدت الضغوطات على السوريين، حيث قامت بعض البلديات اللبنانية بإصدار قرارات تحد من قدرة اللاجئين لديها على التحرك بحرية. في هذا الإطار، طالبت وزارة الداخلية نهاية الشهر الماضي البلديات بإجراء مسوحات ميدانية على اللاجئين السوريين المقيمين لديها، وعدم السماح لمن لا يملكون أوراقا قانونية باستئجار عقارات فيها.

من جهة أخرى، طالبت الداخلية اللبنانية مفوضية شؤون اللاجئين بإسقاط صفة “اللجوء” عمن يمكنهم التنقل بحرية بين لبنان وسوريا، كما تلقت المفوضية طلبا من لجنة وزارية بتسليم معلومات خاصة باللاجئين مخزنة في قاعدة بياناتها.

“يدفعون ثمن فشل السياسة الداخلية في لبنان”

الأستاذ الجامعي والكاتب السياسي اللبناني باسل صالح اعتبر أن حملات التحريض المتجددة “ممولة من أحزاب هي جزء من السلطة، لتحميل اللاجئين عواقب الأزمات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها البلاد”. وأعاد صالح المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع عامة في البلاد والبؤس الذي يعيشه اللاجئون إلى “فشل الدولة اللبنانية أصلا بتنظيم أوضاع السوريين في البلاد” منذ بداية الأزمة في 2011. “اللاجئون يدفعون ثمن فشل السياسة الداخلية في لبنان، فشل الأمم المتحدة بتحمل مسؤولياتها، وفشل المجتمع الدولي بمعالجة أسباب لجوء هؤلاء”.

وأعاد الكاتب السياسي الكرة إلى ملعب الدولة اللبنانية، باعتباره أن “الحملة القائمة حاليا ضد السوريين هي محاولة لابتزاز المجتمع الدولي من أجل المزيد من التقديمات والدعم. الكل يتابع مجريات الأحداث السياسية في المنطقة والمحاولات العربية لإعادة تطبيع العلاقات مع سوريا، مثال على ذلك الاجتماع الأخير الذي حصل في الأردن والذي ناقش قضية اللاجئين ضمن ملفات أخرى. ومع أن لبنان يتحمل العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في المنطقة (النسبة المئوية مقابل عدد السكان)، إلا أنه لم تتم دعوته للمشاركة”.

في هذا السياق اعتبر صالح أن “النظام السياسي القائم في لبنان أمام عدد من الملفات المحلية العالقة (الأزمة الاقتصادية، مفاوضات صندوق النقد، الانتخابات الرئاسية…)، لذا رأى أن أفضل وسيلة للتهرب من مسؤولياته هي بتأجيج صراعات داخلية”.

وحذر من أن الحملات التي “تؤجج خطاب الكراهية” ستفاقم الأزمة وتزيد من الشرخ القائم “بين اللبنانيين واللاجئين السوريين، ويمكن أن تؤدي إلى اعتداءات على المخيمات ما ينذر بالأسوأ”.

المصدر: فرانس 24