15 ألف طبيب غادروا الجزائر والحكومة: بمحض إرادتهم

لا تزال هجرة الأطباء إلى الخارج وبخاصة نحو فرنسا تشكل صداعاً في الجزائر، بعد نشر طلاب الطب بكلية الجزائر العاصمة على حساباتهم بمختلف وسائل التواصل قائمة تضم زملاء لهم اجتازوا اختبارات التوظيف بالمستشفيات الحكومية الفرنسية، مما أعاد للأذهان قضية هجرة 1200 طبيب جزائري نحو فرنسا السنة الماضية، وما أثارته من جدل واسع حينها.

تتضمن القائمة التي تم تداولها على نطاق واسع آلاف الأطباء عبر العالم الذين نجحوا في امتحان المعرفة الذي ينظمه كل عام في فرنسا المركز الوطني للممارسين الاستشفائيين، لكن وجود عدد من الجزائريين بينهم فتح نقاشات واسعة حول أسباب استمرار النزف الذي يسجل مغادرة 15 ألف طبيب نحو فرنسا خلال الأعوام الـ30 الماضية، في حين يعاني القطاع الصحي المحلي مشكلات لا تنتهي.

وعلى رغم النقاشات التي أثارتها القائمة فإن وزير الصحة والسكان وإصلاح المستشفيات الجزائري عبدالحق سايحي نفى وجود هجرة للأطباء نحو الخارج، مؤكداً في تصريح صحافي على هامش تدشين عيادة متعددة الخدمات بالعاصمة أن “المستشفيات الجزائرية تتوفر حالياً على 36 ألف طبيب و15 ألف أخصائي، والأطباء الجزائريون الذين انتقلوا إلى الخارج فعلوا ذلك بمحض إرادتهم”.

وتابع أن الجزائر كان لديها نقص في التكوين، غير أنه تم تدارك الأمر بخاصة في طب النساء والتوليد والانعاش لتلبية الحاجة إلى هذه التخصصات.

ملف يؤرق الحكومة

وبات الملف يؤرق الحكومة التي راحت تبحث عن حلول لوضع حد للظاهرة وتجنب مزيد من الخسائر على اعتبار أن الدراسة والتكوين بالمجان في الجزائر، في حين تستفيد فرنسا والخارج من كوادر طبية مؤهلة من دون دفع يورو واحد، ولعل قرار وقف المصادقة على شهادات التخرج من كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان الذي اتخذته الجهات المعنية خلال الأشهر الماضية واحد من المحاولات التي يبدو أنها فشلت في مواجهة الهجرة الجماعية للأطباء الجزائريين إلى فرنسا.

الخطوة أثارت جدلاً واسعاً بين الطلاب والمتخرجين والأطباء الذين اعتبروا أن وقف التصديق على الشهادات ليس الحل، لأن من حق أي طبيب أكمل دراسته المصادقة على شهادته، كما أشاروا إلى أن الخطوة من شأنها منعهم من تعلم التقنيات الجديدة.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استدعى مساءلة وزير الصحة وإصلاح المستشفيات عبدالحق سايحي، الذي أكد أن لجنة مشتركة تم استحداثها تجمع عديداً من القطاعات للتكفل برفع أجور الأطباء وتحسين ظروف العمل في المستشفيات والمصحات العمومية بهدف ثنيهم عن مغادرة البلاد.

وأوضح أن وزارته أنشأت رتباً ومناصب جديدة في الطب، وخفضت من سنوات الأقدمية بهدف تسهيل الالتحاق بالوظائف الكبيرة.

ليست وليدة اليوم

في السياق أرجع رئيس النقابة الوطنية للأساتذة والباحثين الجامعيين رشيد بلحاج هجرة الأطباء نحو فرنسا إلى الوضع الاقتصادي والأجور الحالية التي لا تسمح للطبيب حتى بشراء منزل أو سيارة جديدة، معتبراً أن الظاهرة ليست وليدة اليوم وإنما يشهدها القطاع منذ سنوات، وهي لا تخص الأطباء فقط بل وحتى شبه الطبيين.

كما اعتبر الوزير السابق للصحة عبدالرحمن بن بوزيد في صريحات صحافية أن هناك قراءات أخرى حول سبب الهجرة لا تخص بالضرورة غياب ظروف العمل، موضحاً أن هناك أسباباً شخصية وعائلية تدفع الأطباء للهجرة، إضافة إلى رغبة بعضهم في العيش خارج البلاد.

إلى ذلك يرى المحلل السياسي والكاتب الصحافي محمد دلومي أن نزف الأطباء الجزائريين نحو الخارج ليس ظاهرة جديدة، وبدايتها كانت مع سنوات التسعينيات خلال الأزمة الأمنية التي امتدت إلى عشرية كاملة، إذ وجد أصحاب المآزر البيضاء في الهجرة ملاذاً للهرب من بلاد كان مستقبلها مجهولاً.

وقال دلومي لـ”اندبندنت عربية” إنه كان يمكن فهم الظاهرة في تلك الفترة بحكم تركيز السلطات على مكافحة الإرهاب وترك ما دون ذلك، لكن استمرارها بعد انتهاء الأزمة الأمنية وعودة السلم أمر يطرح استفهامات، مشيراً إلى أنه على رغم الوعود التي قدمتها الحكومات المتعاقبة قصد إصلاح صحي شامل يمكن من خلاله امتصاص ظاهرة هجرة الأطباء، فإنها لم ترق إلى طموح الطبيب الجزائري، فلا بيئة العمل تساعد في البقاء، ولا الوضع الاجتماعي في تحسن، فضلاً عن الأزمات السياسية التي عرقلت أية نهضة.

وتابع دلومي، أن المنظومة الصحية في البلاد بحاجة إلى جراحة دقيقة، إن صح التعبير، قصد تخليصها من مشكلاتها الإدارية المستعصية التي تتصادم مع طموحات الأطباء، مبرزاً أنه على رغم الزيادات في الأجور وبعض المراسيم القانونية التي استفاد منها القطاع الصحي، فإنها تبقى بعيدة من طموحات الطبيب وآمال المرضى، بالتالي وجد الأطباء في الهجرة فرصة لترقية تحصيلهم العلمي وتحسين وضعهم الاجتماعي، وبسبب غياب الآفاق وعدم الاستقرار الاقتصادي.

المصدر: اندبندنت عربية