6300 امرأة خدمن بالجيش الأفغاني في مرمى مخاطر «طالبان»

رغم الصعوبات الثقافية، دربت الولايات المتحدة وحلفاؤها كادراً من النساء الأفغانيات في الجيش للقيام بأعمال لم تكن متاحة لهن عادة، حيث خدمن في وحدات قتالية تدعمها الولايات المتحدة، بل إن عدداً صغيراً منهن قاد طائرات مروحية وطائرات عسكرية. وقبل سقوط أفغانستان تحت حكم «طالبان»، خدمت أكثر من 6300 امرأة في الجيش الأفغاني والشرطة والقوات الجوية الأفغانية. رغم نجاح إجلاء آلاف من المواطنين الأميركيين والأفغان من أفغانستان بالتزامن مع انسحاب القوات الأميركية من البلاد، لا تزال هذه الفئة التي تعاونت مع الجيش الأميركي معرضة للخطر.

ويقول عبد الرحمن رحماني، وهو كولونيل سابق وطيار أفغاني ورئيس مركز تنسيق المعلومات الرئاسي في مكتب مجلس الأمن القومي في أفغانستان، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إنه قبل أن تسيطر «طالبان» على أفغانستان مرة أخرى في 15 أغسطس (آب) الماضي، كان قد تم طوال السنوات العشرين الماضية تعزيز حقوق المرأة والمساواة والعدالة في أفغانستان من جانب الولايات المتحدة ودول حلف شمال الأطلسي (ناتو). ويضيف رحماني، الذي يدرس حالياً في جامعة الدفاع الوطني في واشنطن العاصمة، أنه ضمن هذه الجهود، أتيحت فرص للنساء للخدمة طوعاً في الجيش الأفغاني، رغم أن العادة جرت على إخضاع هذه الخدمة لهيمنة الذكور في أفغانستان. هؤلاء النساء، وفقاً لرحماني، لم يخدمن في الجيش وشاركن في محاربة «طالبان» فحسب، بل عززن الديمقراطية والمساواة والعدالة كجزء من تحول أفغانستان. لقد شجع المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة، النساء في الجيش وساندهن عن قصد كجزء من التحول الأوسع إلى أفغانستان أكثر ديمقراطية ومساواة. ويتابع أنه بسبب أن هذه البرامج تضع هؤلاء النساء بشكل مباشر ورمزي في حرب مع «طالبان»، تتحمل الولايات المتحدة التزاماً أخلاقياً بعدم التخلي عنهن في مواجهة عودة «طالبان» إلى الظهور.

ومن المرجح أن تواجه هؤلاء النساء انتقام «طالبان» وربما الموت. والطريقة الأكثر مباشرة للولايات المتحدة للوفاء بالتزامها الأخلاقي هي منح هؤلاء النساء تأشيرات دخول إلى الولايات المتحدة ودعم إجلائهن الآمن من أفغانستان.

وفي الفترة من عام 1996 إلى عام 2001، حكمت حركة «طالبان» أفغانستان إلى أن أطيح بها خلال غزو الولايات المتحدة. ومنعت «طالبان» الفتيات من الدراسة ومنعت النساء من الخدمة في الحكومة أو الجيش. ويرى رحماني أنه لن تسمح قيادة «طالبان» للنساء بالخدمة في نظامها، مشيراً إلى أن أفضل حل لوحشية «طالبان» المحتملة ضد هؤلاء النساء هو إخراجهن من أفغانستان.

ويقول إنه يجب على الولايات المتحدة إجلاء هؤلاء النساء، لأن حياتهن في خطر كبير. وقاتلت النساء الأفغانيات اللاتي خدمن في الجيش «طالبان» في المجالين البري والجوي. وحاربت غالبية النساء في الجيش الوطني الأفغاني البالغ عددهن 6300 امرأة، على الأرض، ولكن نحو 146 امرأة خدمن في القوات الجوية الأفغانية، وحلقن بطائرات قتالية. كما خدمت العديدات في الشرطة، واستجوبن مقاتلي «طالبان» في قاعدة باجرام العسكرية، وسجون أخرى حول أفغانستان. وأُطلق سراح بعض مقاتلي «طالبان» الذين استجوبتهم الشرطة النسائية من السجون الأفغانية بموجب اتفاق السلام الذي وقعته «طالبان» والولايات المتحدة في فبراير (شباط) 2020 في الدوحة. وقد شارك سجناء «طالبان» المفرج عنهم بنشاط في الحرب الأخيرة ضد الحكومة الأفغانية. ولذلك، فإن العمل الذي قامت به هؤلاء النساء كقوات برية للجيش وطيارات ومحققات في الشرطة يعرضهن لخطر التعرف عليهن وإعدامهن على أيدي «طالبان». وعلاوة على ذلك، خاطرت هؤلاء النساء بحياتهن لحماية الولايات المتحدة وحلفائها ومصالح الحكومة الأفغانية في تعزيز قيم مثل الديمقراطية والمساواة والعدالة كجزء من تحول أفغانستان نحو بلد ديمقراطي. وكانت هذه أمثلة على تلك القيم.

ويقول رحماني إنه على سبيل المثال، تطلب عمله في مكتب مجلس الأمن القومي في القصر الرئاسي في أفغانستان أن يقرأ ويحلل ويبلغ عن جميع التقارير الأميركية عن أفغانستان إلى مستشار الأمن القومي ورئيس أفغانستان. وخلال فترة عمله التي دامت عامين ونصف العام، يقول إنه لم يرَ قط تقريراً واحداً لم تذكر فيه هؤلاء النساء كعلامة على التقدم في تعزيز الديمقراطية والعدالة والمساواة. وعلاوة على ذلك، قال العديد من المثقفين والصحافيين وخبراء مراكز الفكر وغيرهم من الأشخاص العاملين في مجال حقوق المرأة في أفغانستان إن مشاركة المرأة الأفغانية في الجيش كانت علامة إيجابية في تعزيز هذه القيم المهمة.

ويتساءل رحماني: كيف يمكن للولايات المتحدة مساعدة هؤلاء النساء على مغادرة أفغانستان بأمان؟ ويضيف أنه لإجلاء هؤلاء النساء بأمان من أفغانستان، يجب على الولايات المتحدة التفاوض مع باكستان من أجل إملاء النفوذ على «طالبان» للسماح لهؤلاء النساء بالمرور الآمن. ومن وجهة نظر أخلاقية، يجب على الولايات المتحدة ألا تتحدث إلى قادة «طالبان» الذين لا يزالون على قائمة عقوبات الأمم المتحدة.

ويتعين على واشنطن التحدث مع السلطات الباكستانية وطلب مساعدتها.

وكجزء من الصفقة، يمكن للولايات المتحدة إقناع الحكومة الباكستانية بأنه إذا سمحت «طالبان» لهؤلاء النساء بالمرور الآمن، كما فعلت للغربيين، فقد يساعد ذلك في السعي للاعتراف بهن في المجتمع الدولي. لكن الوعد يجب أن يكون قائماً على شروط، فإذا لم تغير طالبان مدونة قواعد سلوكها وفقاً لمطالب المجتمع الدولي، يجب على المجتمع الدولي أن يحتفظ بالقدرة على فرض عقوبات على نظامها. وبالنظر إلى أن باكستان تتعرض لضغوط شديدة من الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بالنسبة لدعم «طالبان»، فمن المرجح أن يساعد ذلك الولايات المتحدة على التفاوض على اتفاق.

وفي حين أن «طالبان» منبوذة على الساحة الدولية، فإن هناك احتمالاً قوياً بأن تسمح لهؤلاء النساء بالمرور الآمن من أفغانستان.

المصدر: الشرق الأوسط