احتجاجات اجتماعية بطابع سياسي في جنوب سوريا وبشار الأسد في مرمى الانتقادات
يواصل سكان محافظة السويداء ذات الغالبية الدروز في جنوب سوريا مظاهراتهم الاحتجاجية المستمرة منذ منتصف آب/أغسطس، احتجاجا على الارتفاع الكبير في كلفة العيش بعد رفع الدعم الحكومي عن المحروقات. إلان هذا التململ الاجتماعي أخذ صبغة سياسية، فيما تحركت مناطق أخرى لنفس السبب.
“يسقط الخائن بشار الأسد”.. هذا هو الشعار الذي رفعه المتظاهرون في محافظة السويداء بجنوب سوريا. خلال احتجاجاتهم ضد تدهور الوضع الاقتصادي وما تزال هذه المدينة الخاضعة لسيطرة دمشق مسرحا لاحتجاجات مطالبة برحيل النظام.
وفي سياق تدهور كبير لظروف العيش في البلاد، اندلعت هذه الاحتجاجات بعدما قررت السلطات رفع الدعم الحكومي عن المحروقات. لكن التحركات سرعان ما أخذت طابعا سياسيا.
وتشهد سوريا أزمة اقتصادية خانقة، فاقمها زلزال مدمر في شباط/فبراير والعقوبات الاقتصادية المفروضة من الدول الغربية، فقدت معها العملة المحلية أكثر من 99 في المئة من قيمتها.
في المقابل، تؤكد دمشق العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها سببا أساسيا للتدهور المستمر في اقتصادها. فيما تشير الأمم المتحدة إلى أن أكثر من 90 بالمائة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر.
ولم تقدم السلطات الرسمية ردا رسميا على هذه المظاهرات.
أزمة اقتصادية بخلفيات سياسية
“الأزمة الاقتصادية في سوريا بلغت مداها” يقول باحث الفلسفة السياسية في جامعة باريس رامي الخليفة العلي لفرانس24، مضيفا: “حتى أن بعضا من المنتمين للطائفة العلوية التي ينحدر منها بشار الأسد تحركوا في منطقة الساحل للمطالبة بتحسين الوضع الاقتصادي المتدهور. هناك إدراك من شق واسع من السوريين أن تردي الأوضاع الاقتصادية يعود إلى حالة الجمود السياسي. فالمتظاهرون في السويداء، حيث القبضة الأمنية أقل من باقي المناطق، رفعوا مطالب بتطبيق القرار الأممي 2254 الذي ينص على انتقال سياسي وتأسيس نظام جديد”.
وإلى حد الآن، لم تلجأ قوات الأمن السورية إلى قمع المتظاهرين على الرغم من هجومهم العلني على رموز السلطة، إذ أغلق المحتجون مكاتب حزب البعث ومزقوا صور الرئيس السوري.
بدوره، يؤكد رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير مازن درويش أن الوضع السوري ليس محكوما فقط بعوامل داخلية. وقال لفرانس24: “السوريون باتوا يعلمون جيدا أن العامل الخارجي يؤثر في البلاد، وهو ما جعل مظاهرات السويداء أكثر نضجا في رسائلها السياسية على الرغم من قوتها. هناك حساسية أكبر لدى المتظاهرين في التعامل مع التوازنات المحلية والخارجية”.
هامش من “الحرية” في السويداء
هنا يرى أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة باريس رامي الخليفة العلي أن “النظام لم يقمع التحركات في السويداء نظرا للطابع الخاص للمدينة، وباعتبار النظام يقدم نفسه على أنه حامي الأقليات في سوريا. كما أن وجود معارضة مدنية غير مسلحة بالمدينة ترك لها هامشا من الحركة. فعدة مناطق في جنوب سوريا أبقت قنوات الاتصال مفتوحة مع النظام وتم التوصل إلى اتفاقات مصالحة منذ سنوات”.
ولم يتورط أهالي السويداء، والذين يمثلون ثلاثة في المئة من السكان، في النزاع طيلة سنوات الحرب الأهلية. وتخلفوا عن دعم النظام أو الانضمام للمعارضة إلا فيما ندر. واكتفى الآلاف من شبانها بحمل السلاح دفاعا عن مناطقهم فقط، دون أن يتخذ النظام موقفا منهم.
وتُمثَل الحكومة السورية في محافظة السويداء عبر المؤسسات الرسمية، فيما ينتشر الجيش حاليا على حواجز في محيط المحافظة.
في السياق، يقول مازن درويش إن “أعداد المتظاهرين الجمعة بساحة الكرامة في السويداء أكثر من سابقاتها. البعض اعتقد أن حركة المطلبية السياسية والاقتصادية في سوريا قد انتهت بعد اتفاقات خفض التصعيد في 2018”.
بخصوص عدم قمع قوات الأمن للمتظاهرين، يضيف مازن درويش “صحيح أن مساحة الحرية في السويداء أكبر من باقي المناطق. يمكن لي القول إن السويداء معزولة شيئا ما ويمكن أن يستمر التحرك فيها شهورا دون أن يكون مقلقا لدمشق. وحتى في حال توسع رقعة الاحتجاجات، فإن الجميع استخلص العبر مما حدث في 2011 وسنوات الحرب التي تلتها، وستكون التحركات بشكل مختلف”.
تعامل مختلف مع مظاهرات درعا
خلال الأسابيع الأخيرة، خرجت مظاهرات بمدن سورية أخرى لاسيما بمحافظة درعا، مهد الانتفاضة الشعبية في سوريا سنة 2011، وفق تأكيد المرصد السوري لحقوق الإنسان. وشارك عشرات السكان في مظاهرة في بلدة بصرى الشام، مرددين هتافات مناهضة للرئيس بشار الأسد.
ورفع المتظاهرون في البلدة الواقعة تحت سيطرة فصائل سورية أبرمت اتفاقات تسوية مع دمشق برعاية روسية بدءا من العام 2018، لافتات يوم في 25 آب/أغسطس حملت شعارات عدة بينها “ارحل، نريد أن نعيش” و”السكوت اليوم يعني استمرار الطاغية”.
وأكد شهود أن التململ من غلاء المعيشة طال أيضا ضواحي دمشق حيث تظاهر سكان في منتصف آب/أغسطس ضد الانقطاع المستمر للكهرباء.
ويؤكد رامي الخليفة ذلك عندما يقول: “التحركات الاجتماعية لم تقتصر على السويداء، لكن تعامل السلطات معها كان مختلفا، إذ تم إطلاق النار على متظاهرين مدينة نوى بمحافظة درعا بعد خروج احتجاجات مماثلة”.
“توازنات” محلية وأخرى دولية
تأتي التحركات الاجتماعية في سوريا بعد استعادة النظام السوري نوعا من الاعتراف الخارجي باسترجاع مقعد سوريا في الجامعة العربية وزيارة الأسد للإمارات ومشاركته في القمة العربية الأخيرة بجدة.
اقتصاديا، يرى العلي أن تأثير العودة السورية لـ”الحضن العربي” يبقى محدودا جدا خصوصا مع تعثر المبادرة العربية في سوريا. وقال لفرانس24: “قنوات الاتصال مع الأطراف العربية توقفت تقريبا مع عدم توقف تهريب مخدر الكبتاغون إلى دول الخليج العربي وعدم إحراز أي تقدم سياسي داخلي. أعتقد أن المعارضة الأمريكية للانفتاح العربي على دمشق وتمسكها بموقفها من النظام السوري تجعل أيضا تقديم المساعدة الاقتصادية العربية مستبعدا”.
المصدر: فرانس 24