العلاقات بين الجزائر والمغرب تزداد توترا بعد مشروع مغربي يتضمن نزع ملكية عقارات جزائرية
في فصل جديد من السجال بين الجزائر والمغرب، تحدثت تقارير إعلامية مغربية عن مشروع مصادرة عقارات ملك للسفارة الجزائرية في الرباط، في خطوة نددت بها وزارة الخارجية الجزائرية واعتبرتها “استفزازا”.
فبعدما أعلن المغرب عن مشروع لتوسيع مباني وزارة الخارجية في قرار نشره في جريدته الرسمية، اعتبرت الجزائر أن هذا التحرك يشكل “مرحلة تصعيدية جديدة… وانتهاكا صارخا لحرمة وواجب حماية الممثليات الدبلوماسية للدول”.
وقال المغرب في القرار المنشور بالجريدة الرسمية “المنفعة العامة تقتضي… نزع ملكية العقارات اللازمة لهذا الغرض”. وتضمنت المباني التي شملها القرار عقارات تابعة للجزائر.
أما البيان الجزائري فوصف الأمر بأنه “عملية سلب متكاملة الأركان”، وقال إن حكومة الجزائر “سترد على هذه الاستفزازات بكل الوسائل التي تراها مناسبة. كما أنها ستلجأ إلى كافة السبل والطرق القانونية المتاحة، لا سيما في إطار الأمم المتحدة، بغرض ضمان احترام مصالحها”.
وأثار التراشق المتبادل القلق مجددا من مسار العلاقات بين البلدين. وحذر المحلل السياسي وأستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر توفيق بوقاعدة من اتجاه هذه العلاقات قائلا إنه يحمل “نذر حرب بين الدولتين الشقيقتين”.
وقال بوقاعدة، متحدثا لوكالة أنباء العالم العربي، “السلوك المغربي بمصادرة ممتلكات جزائرية على أراضيه خطوة استفزازية وتصعيدية. ورغم إدراك المغرب أن هذه الخطوة غير قانونية وتتنافى والأعراف والمواثيق المنظمة للعلاقات الدبلوماسية سواء زمن الحرب أو السلم، فإنه يبدو غير مكترث للعواقب التي تنجر عن ذلك”.
وفي تعليقه على رد وزارة الخارجية الجزائرية، أشار إلى أن بيان الخارجية الذي استنكر الخطوة “لم يتحدث عن المعاملة بالمثل، بل قال إنه يتوجه للمؤسسات الدولية حفاظا على ممتلكاته”. واعتبر الرد “خطوة إيجابية لتجنب التصعيد في الموقف”.
وقال إن الرد “دليل على حرص الجزائر على الحفاظ على أعلى درجات ضبط النفس وعدم الانسياق وراء الاستفزازات المغربية باستفزازات أخرى مماثلة”.
* العلاقات المقطوعة
والعلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والرباط مقطوعة منذ 24 أغسطس آب 2021، وتزامن القرار الذي اتخذته الجزائر من طرف واحد مع أسوأ سلسلة حرائق غابات في تاريخها والتي أودت بحياة قرابة 100 شخص، خاصة في منطقة القبائل.
واتهمت السلطات الجزائرية جماعات “إرهابية” بأنها وراء تلك الحرائق، منها منظمة انفصالية تدعى (حركة استقلال القبائل) وتعرف اختصارا بحركة (ماك)، يقودها مغني الطابع القبائلي السابق فرحات مهني الذي يتخذ من فرنسا منفى اختياريا له.
وصنفت الجزائر حركة (ماك) منظمة إرهابية، هي وحركة (رشاد) ذات التوجه الإسلامي والتي يقودها الدبلوماسي السابق محمد العربي زيتوت المقيم ببريطانيا.
وكانت خطوة قطع العلاقات الدبلوماسية “الباردة” أصلا بين البلدين بسبب شكوك الجزائر بأن الرباط تدعم حركة (ماك)، وهو ما عبَّر عنه صراحة وزير خارجيتها السابق رمطان لعمامرة، موجها أصابع الاتهام إلى المغرب بأن “الأعمال العدائية ضد الجزائر لم تتوقف”.
ولا تتهم الجزائر الرباط بدعم الحركة الانفصالية (ماك) وحسب، بل وبالسماح لإسرائيل بأن تهددها من الأراضي المغربية.
فقد تزامن هذا مع زيارة للمغرب قام بها في 12 أغسطس آب 2021 وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك يائير لابيد الذي رد على حملة قادتها الجزائر ضد قبول إسرائيل عضوا مراقبا في الاتحاد الأفريقي قائلا “نحن نشارك المملكة القلق بشأن دور دولة الجزائر في المنطقة، التي باتت أكثر قربا من إيران، وتقوم حاليا بشن حملة ضد قبول إسرائيل في الاتحاد الأفريقي بصفة مراقب”.
واعتبرت الجزائر هذه التصريحات تهديدا مباشرا، ودفعت الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لأن يقول في تصريحات للصحافة بعد شهرين “تهديد الجزائر من المغرب خزي وعار لم يحدث منذ عام 1948”.
* تدهور متواصل
وفي أكتوبر تشرين الأول من السنة نفسها، قررت الجزائر فرض عقوبات اقتصادية على جارتها، بتوقيف توريد الغاز نحو إسبانيا عبر الأنبوب العابر للأراضي المغربية، والذي كان يستفيد منه المغرب بنسبة سبعة في المئة من الكمية المنقولة ما يؤمّن له أكثر من ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز سنويا، وهو ما يمثل قرابة 65 في المئة من الطلب الداخلي على الغاز.
لكن جذور الأزمة ضاربة في عمق العلاقات من قبل، فالحدود البرية بينهما موصدة منذ 1994 بعد أن فرض الملك المغربي الراحل الحسن الثاني تأشيرة على الجزائريين قبل الدخول إلى الأراضي المغربية، وذلك على خلفية تفجير فندق بمراكش.
وقتها كانت الجزائر تعاني أزمة أمنية عصفت بها منذ توقيف المسار الانتخابي عام 1992، بعدما تقرر إلغاء نتائج انتخابات تشريعية فازت فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالأغلبية.
ورد الرئيس الجزائري آنذاك اليمين زروال على الملك الحسن الثاني بإعلان غلق الحدود البرية بين البلدين ابتداء من عام 1994.
وسبق للبلدين أن تواجها عسكريا؛ أول مرة بعد عام من استقلال الجزائر، وكان ذلك بسبب نزاع على الحدود التي رسمت في معاهدة بين الرئيس الجزائري الراحل الهواري بومدين وملك المغرب الحسن الثاني في عام 1972.
وسرعان ما عادت المعارك بين الطرفين في 1976 لدى هجوم الجيش المغربي على جنود جزائريين تقول التقارير الجزائرية إنهم كانوا ينقلون مساعدات إنسانية إلى مخيمات جبهة البوليساريو التي تسعى لإقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية.
وأعلنت الجزائر منذ ذلك الوقت دعمها لجبهة البوليساريو التي تبحث عن استقلال الصحراء الغربية، بينما يريد المغرب الذي يسيطر على قرابة 80 في المئة من الأراضي الصحراوية منحها حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.
وفي مارس آذار 2023، قال تبون إن العلاقات بين البلدين وصلت إلى نقطة “اللاعودة”.
المصدر: وكالة أنباء العالم العربي