المعارضة النقابية تعزز صفوفها ضد قيادة “اتحاد الشغل” في تونس
منذ خمسينيات القرن الماضي راوحت علاقة الاتحاد العام التونسي للشغل بالسلطة بين التوتر والصدام حيناً، والمشاركة والمهادنة أحياناً أخرى، ويحفظ التاريخ أحداثاً عدة اصطدم فيها الاتحاد العام التونسي للشغل بالسلطة، منها أحداث يناير (كانون الثاني) 1978، أو ما يعرف بـ”الخميس الأسود”، ثم أحداث الخبز الدموية عام 1984.
وفي ظل التشتت الحزبي الذي عانته تونس بعد 2011، برز الاتحاد العام التونسي للشغل كمنظمة مهيكلة قادرة على تحريك الشارع وتعبئته، لذلك تأخذ الحكومات المتعاقبة في تونس بعد 2011، في الحسبان قدرة المنظمة على تعبئة الشارع وإرباك الحكومات.
وعلى رغم بروزه كقوة فاعلة في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، فإن السؤال المحوري حول ديمقراطية التسيير داخل هياكل الاتحاد، باتت تؤرق شقاً كبيراً من النقابيين، بعد المناداة بتنقيح الفصل 20 من القانون الأساس الذي يضع سقفاً بدورتين كحد أقصى لعضوية المكتب التنفيذي، من أجل فسح المجال لعدد من أعضائه للتمديد في بقائهم بقيادة الاتحاد، ومن بينهم الأمين العام الحالي نور الدين الطبوبي.
أسهم هذا التوجه في خلق معارضة نقابية لقيادة الاتحاد، وبعد انعقاد مؤتمر صفاقس الـ25 في فبراير (شباط) عام 2022، والذي أسفر عن تثبيت الأمين العام الحالي في منصبه إثر نيله ثقة أكثر من 90 في المئة من المؤتمرين الحاضرين، وفوز ساحق لبقية أعضاء قائمته بأكثر من 80 في المئة من الأصوات، تعززت الأصوات المعارضة للقيادة الحالية، وتزامن ذلك مع حال من الفتور في علاقة الاتحاد بالسلطة، خصوصاً بعد لحظة الـ25 من يوليو (تموز) 2021.
فهل تنجح المعارضة النقابية في رأب الصدع داخل الاتحاد، وتعيد ترتيب البيت الداخلي للمنظمة النقابية، حتى تستعيد دورها في المشهد السياسي في تونس؟
نظم المنتمون لاتحاد المعارضة النقابية، السبت الـ27 من يناير 2024، وقفة احتجاجية أمام مقر الاتحاد العام التونسي للشغل في العاصمة، ورفعوا شعارات تطالب باستقالة الأمين العام الحالي للمنظمة نور الدين الطبوبي وكافة أعضاء المكتب التنفيذي، و”محاسبة جيوب الفساد داخل المنظمة”.
“قيادة فاشلة”
وقالت النقابية منية بن نصر عيادي عضو اتحاد المعارضة النقابية في تصريح لـ”اندبندنت عربية”، “إن الرسالة الموجهة إلى القيادة الحالية للاتحاد هي ضرورة ترسيخ الممارسة الديمقراطية داخل المنظمة، ورفض كل أشكال الاستفراد بالرأي، ونبذ ثقافة التفرد واستغلال النفوذ، وسياسة الولاءات التي تم تكريسها داخل الاتحاد”.
وتضيف عيادي أن “القيادة الحالية عاقبت كل نفس حر داخل الاتحاد، وهو ما أساء إلى صورته، مما أدى إلى تراجع منسوب الثقة في المنظمة بصورة لافتة، بعد أن كان الاتحاد خيمة كل المناضلين والنقابيين والسياسيين”.
وبتأثر شديد تؤكد عضو اتحاد المعارضة النقابية أنها ممنوعة مع بقية زملائها من دخول مقر الاتحاد بسبب موقفهم المعارض للقيادة الحالية مطالبة برحيل المكتب التنفيذي الحالي للاتحاد، واصفة إياه بـ”العاجز عن حل الملفات النقابية المطروحة”.
وتشير منية عيادي إلى أن “الاتحاد العام التونسي للشغل يعاني اليوم غياب الشفافية صلب هياكله، وأن توسع تيار المعارضة للمكتب التنفيذي الحالي انطلق منذ قرار التمديد لخمسة أعضاء من دون وجه حق قانوني”، بحسب تعبيرها.
وعن حجم هذه المعارضة النقابية للاتحاد تؤكد عيادي أن “المعارضة ستعمل على تغيير القيادة الحالية التي فشلت في تحقيق أي مكسب للعمال بوجود 47 اتفاقية في مختلف القطاعات غير مفعلة”، واصفة تلك الاتفاقات بـ”الهزيلة”، ومحذرة من “حدوث ثورة داخل الاتحاد”.
وأشارت إلى أن “الوضع المادي للشغالين أصبح صعباً، لأن القيادة الحالية فقدت قدرتها على التجميع، وفقدت ثقة القاعدة”، مقترحة “بعث لجنة نقابية مستقلة من حكماء المنظمة تعد لإنجاز مؤتمر جديد يفرز قيادة أخرى في أقرب الآجال، من أجل استعادة دور الاتحاد كمنظمة نقابية قوية ومستقلة”.
“الاتحاد” يحسن إدارة الخلافات
وبينما لم يتسن تحصيل رد من المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل على جملة الاتهامات التي وجهها اتحاد المعارضة النقابية للمكتب التنفيذي للمنظمة، فإن الناطق الرسمي للاتحاد العام التونسي للشغل، سامي الطاهري، صرح في وقت سابق أن “الاتحاد يحسن إدارة الخلافات والاختلافات، ويقبل الرأي الآخر، وقرار الغالبية هو النهائي من خلال الاحتكام إلى آلية الديمقراطية والتصويت”، في إشارة إلى تنقيح الفصل 20 من القانون الأساس للاتحاد.
المصالحة وترسيخ الديمقراطية الداخلية
من جهته أكد الإعلامي والكاتب الصحافي خالد كرونة، في تصريح خاص، أن “انحسار دور الاتحاد في مجمل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية، هو نتاج طبيعي للشرخ الذي أحدثه المؤتمر الاستثنائي الذي حول المنظمة ريعاً لقيادته”.
ويضيف كرونة أنه “على رغم محاولة القيادة الحالية لاتحاد الشغل التقليل من شأن المعارضة النقابية، فإنها تمثل بوادر لتجذر المعارضة، وهو ما سيقود في النهاية إلى البحث عن مخرج أساسه صون الوحدة النقابية، والبحث عن مصالحة أساسها ترسيخ الديمقراطية الداخلية، وعقد مؤتمر يبطل ما نتج من سابقه فيما يتصل بالنظام الداخلي، ويرسم استراتيجية تحركات الاتحاد في مرحلة تتسم بصعوبات اقتصادية وتراجع المكاسب الاجتماعية”.
ويواجه الاتحاد العام التونسي للشغل معضلة مزدوجة الأولى في علاقة بالشأن الداخلي وتنامي المعارضة النقابية التي باتت تؤثر في صورة الاتحاد كمنظمة وطنية تاريخية، والثانية تخص علاقته بالسلطة التي ستؤثر حتماً على سير المفاوضات الاجتماعية وتفعيل الاتفاقات العالقة لتحسين ظروف العمال وسط غلاء الأسعار وتدهور القدرة الشرائية لعموم التونسيين.
“تعديل أوتار”
في المقابل، أكد الصحافي المختص في الشؤون السياسية أيمن زمالي في تصريح خاص “أن كل المراحل الصعبة التي مر بها اتحاد الشغل، تمكن من تجاوزها بأخف الأضرار، واستطاع أن يحافظ على دوره في إدارة الشأن العام في تونس”.
ويضيف زمالي أن “الاتحاد في مراحل التراجع وانغلاق الفضاء العام السياسي في تسعينيات القرن الماضي والعشرية السابقة لأحداث يناير (كانون الثاني) 2011، استطاع أن يستوعب تيارات سياسية وأخرى نقابية معارضة، وتمكن من الحفاظ على الهيكل النقابي وديناميكيته، وبقي أهم مكونات الحوار الاجتماعي في تونس، متعايشاً مع الأخطار التي تهدده من الداخل ومن المحيط”.
ويخلص المختص في الشؤون السياسية إلى أنه “على رغم الصراعات التي لاحت منذ المؤتمر الأخير للاتحاد، فإن المعارضة النقابية صلبة، أو تلك التي تدفعه نحو المواجهة مع السلطة السياسية الحالية، لم تشكل إلى اليوم تهديداً حقيقياً للهياكل القيادية للمنظمة، لأن إرث المنظمة وتجاربها تجعلها قادرة على المقاومة، حتى وإن ارتفعت أصوات معارضة من الوسط النقابي نفسه”.
ورجح الزمالي أن “يعدَل الاتحاد أوتاره ويعيد ترتيب بيته الداخلي إذا ما تحسس أخطاراً تهدد وجوده”.
ويرى أيمن زمالي أن “هدف المعارضة النقابية هو فقط التأثير في قرارات الاتحاد، الذي يبقى رقماً صعباً في المشهد السياسي في تونس وفي مسار بناء الدولة الوطنية”.
المصدر: اندبندنت عربية