المغرب… الحضور التاريخي والثقافي والديني عقبة أمام التمدد العقائدي التجاري لإيران في أفريقيا
تسعى إيران إلى الاتجاه نحو أفريقيا والتغلغل فيها من بوابة نشر التشيع وكذلك المشاريع التجارية والاقتصادية، لكن التمدد الإيراني يجد أمامه قوة مضادة وذات حضور تاريخي ثقافي وديني وتجاري في القارة، ألا وهي المغرب.
ويجعل الحضور الديني والثقافي في غرب أفريقيا المغرب الأقدر على مواجهة إيران ووقف تمددها، فهو يعتبر مرجعا روحيا للحركات والفرق الصوفية المتعددة، وهو ليس في حاجة إلى بذل الكثير من الجهد وأئمته موجودون على الأرض، والرباط ملتقى دوري لمختلف الزعامات السياسية والدينية والقبلية في عموم منطقة الساحل.
ويقول المغاربة إن وجود بلادهم جزء أصيل من المنطقة بحكم الجغرافيا، وهو ليس نزهة استثمارية لدولة مثل تركيا أو مغامرة استعمارية لدولة أخرى مثل فرنسا، أو لمسعى ديني أو مذهبي لثالثة مثل إيران.
وينظم في المغرب بشكل سنوي الملتقى العالمي للمنتسبين إلى الطرق الصوفية بمشاركة 50 بلدًا، برعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وذلك في أحد المزارات الصوفية الكبرى (سيدي شيكر) قرب مدينة مراكش (جنوب).
ويرتبط عدد من الزوايا الصوفية في أفريقيا بمراكز صوفية في المغرب، حيث تحيي مثلا الزاوية التيجانية بالسنغال المناسبات الدينية على الطريقة المغربية، وتحيي ذكرى وفاة الملوك المغاربة، في دلالة على الارتباط الوطيد بين هذه الزوايا في أفريقيا والمغرب.
ويرى مراقبون أن تمدد الثقافة الصوفية القائمة على البعد الروحي لدى الإنسان كقيمة في حد ذاته سيجعل من الصعب على التبشير بالتشيع كحركة سياسية بغطاء مذهبي أن يجد له مكانا في المنطقة، وهو ما جعل إيران تسعى إلى تغيير أسلوبها من خلال عقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية محدودة لن تقدر على منافسة الحضور المغربي القوي اقتصاديا في المنطقة.
وأكد محمد الطيار، الباحث المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، أن “إيران حاولت أن توسع تأثيرها مذهبيا في دول غرب أفريقيا وفي دول الساحل وشمال أفريقيا، غير أنها اصطدمت بتجذر الطرق الصوفية المرتبطة بمدينة فاس وارتباطها بإمارة المؤمنين في المغرب لتشكل المرجعية الدينية المغربية العريقة عقبة أمام تمدد التشيع الإيراني”.
وأضاف الطيار في تصريح لـ”العرب” أنه “على المستوى العقائدي لم تستطع إيران مجاراة المغرب الذي جدد علاقته بالطرق الصوفية في أفريقيا وانكب على تكوين الأئمة والمرشدين الأفارقة بالمعاهد الدينية في المغرب، تحت رعاية مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة”.
وزادت المبادرة الأطلسية التي أعلن عنها العاهل المغربي وشبكة العلاقات الاقتصادية مع الكثير من الدولِ التأثيرَ المغربي اقتصاديا وسياسيا، وهو ما يضعف التأثير الإيراني كما أضعف من قبل التأثير الجزائري.
وأعلن المغرب في سبتمبر الماضي أنه مستعد لوضع “البنية التحتية للطرق والموانئ والسكك الحديد” تحت تصرف مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد، الدول غير الساحلية. وقد أعلنت البلدان الثلاثة الأولى انسحابها من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) في نهاية يناير الماضي.
وزار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي كلاً من كينيا وأوغندا وزيمبابوي في يوليو الماضي، وأعلن عن التوصل إلى اتفاقيات في مجال الطاقة مع بعض الدول التي زارها، لكنه لم يعلن عن مشاريع واضحة، فضلا عن صعوبة تنفيذ أي اتفاقية في ظل الوضع الاقتصادي الصعب لإيران الناجم بالأساس عن العقوبات الأميركية.
وتراهن إيران على دخول أفريقيا مستفيدة من شبكات مذهبية نجحت في خلقها ببعض الدول الأفريقية المهمة مثل نيجيريا، وكذلك على شبكات أرساها حليفها حزب الله داخل الجالية اللبنانية في أفريقيا، والتي تتمتع بعمق تاريخي.
وتبحث طهران عن بناء شراكات اقتصادية ولو محدودة تمهد لتركيز نفوذها العلني في القارة، وهو ما سيسمح لها لاحقا بالتمدد عبر تكوين ميليشيات وتدريبها ومدها بالسلاح وتحويلها إلى أذرع شبيهة بما تمتلكه في الشرق الأوسط مثل الميليشيات الحليفة في العراق وحزب الله في لبنان والحوثيين في اليمن.
وفي أكتوبر الماضي وقعت طهران عددا من اتفاقيات التعاون مع بوركينا فاسو، لاسيما في مجالات الطاقة وتخطيط المدن والتعليم العالي والبناء.
وأعلنت طهران، وهي أيضًا منتجة للطائرات المقاتلة المسيّرة، في نهاية يناير الماضي عن إنشاء جامعتين في مالي إلى جانب توقيع عدد من اتفاقيات التعاون.
وقال الخبير الاقتصادي في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية تياري كوفي إن سياسة إيران الأفريقية تتسم بـ”لغة ثورية ومنطق نابع من العالم الثالث ومناهض للإمبريالية”، مع “حجج دبلوماسية واضحة” للدول التي تنفصل عن القوة الاستعمارية الفرنسية السابقة.
لكنه أضاف أن “الإيرانيين يوقعون العشرات من الاتفاقيات ولا تنجح أي اتفاقية منها، ولا يملكون التمويل اللازم لدعم الاتفاقيات”.
وتجد إيران صعوبة أخرى في التمركز في غرب أفريقيا أو وسطها، وسبب هذه الصعوبة هو تركيا التي ضاعفت تأثيرها.
ومن الطائرات المقاتلة إلى المروحيات الحربية، يعرض مدير وكالة صناعة الفضاء والطيران التركية أمام كاميرات تلفزيون بوركينا فاسو كاتالوغًا مغريا على الأنظمة العسكرية الجديدة التي تكافح الجماعات الجهادية.
وبينما كانت القوات الفرنسية تحزم أمتعتها، أصبحت الطائرات المسيّرة التي سلمتها تركيا القطع الأساسية من أسلحة جيشيْ مالي وبوركينا فاسو اللذين يخوضان نزاعا غير متكافئ.
وأكد فيديريكو دونيلي، الخبير السياسي ومؤلف كتاب عن النفوذ التركي في أفريقيا، أن “قطاع الدفاع هو القوة الدافعة للسياسة الخارجية التركية في البلدان الأفريقية”. وأوضح أن أنقرة تتبع سياسة “انتهازية” و”تحاول التموضع كبديل عن الأوروبيين وروسيا معًا”.
المصدر: وكالات