انتهاكات إسرائيل في غزة تضع الشرعية الدولية على المحك
دان البيان الختامي للقمة العربية- الإسلامية التي عقدت السبت الماضي في العاصمة السعودية الرياض “العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وجرائم الحرب والمجازر الهمجية الوحشية واللاإنسانية التي ترتكبها حكومة الاحتلال”. وجاء في نص البيان الختامي مجموعة من المقررات التي تتناول مخالفة إسرائيل للقوانين الدولية، ورفعت توصيات إلى الأمم المتحدة وإلى المحكمة الجنائية الدولية، وكانت المطالبات القانونية أمام مخالفات الجيش الإسرائيلي للقوانين والمواثيق الدولية نفسها على مجمل البيان الختامي للقمتين المشتركتين.
وقد يكون هذا البيان من بين الأهم عالمياً التي صدرت بحق الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن معظم المنظمات الدولية العاملة في الحقول الإنسانية والحقوقية أشارت إلى هذه المخالفات الفاضحة للنظم التي أرساها المجتمع الدولي لقواعد الحروب منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ودعت هذه المنظمات المستقلة أو التابعة للأمم المتحدة والبيان الختامي للقمة العربية والإسلامية المحكمة الجنائية الدولية إلى التحقيق في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية.
ماذا خالفت إسرائيل في حرب غزة؟
بحسب تقارير صادرة عن مجموعة من المنظمات الدولية المستقلة كمنظمة “أطباء بلا حدود” و”هيومن رايتس ووتش” أو التابعة للأمم المتحدة كالـ”أونروا” العاملة في غزة وسائر الأراضي الفلسطينية وفي مخيمات الشتات وبلسان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش فإن إسرائيل انتهكت في الحرب الدائرة القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني. وقد ترافقت هذه المطالبات مع استنكار الرأي العام العالمي ازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي، هذه الازدواجية التي تقوض صدقية تطبيق القوانين الدولية وتضع تصرفات الدولة الإسرائيلية فوقه، وتظهر انتقائية تطبيق منظومة القيم الإنسانية، هذا عدا عن أن عملية التهجير التي تطاول مليون ونصف المليون فلسطيني من شمال قطاع غزة إلى جنوبه تصنف كجريمة حرب وفق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وملحقها لعام 1977.
وبالطبع فإن قتل المدنيين واستهدافهم وقصف المستشفيات ومراكز الأمم المتحدة ومراكز إيواء النازحين هي نفسها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. يضاف إلى هذه الجرائم المصنفة بحسب القوانين الدولية والإنسانية قضايا الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية، وإرهاب المستوطنين وجرائمهم في القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، عدا الاعتداءات على المسجد الأقصى والمقدسات الدينية في مدينة القدس، بخاصة أن الحكومة الإسرائيلية تخالف الوضع القانوني والتاريخي القائم في المقدسات والتي تصنف المسجد الأقصى بكامل مساحته البالغة 144 ألف متر مربع كمكان عبادة للمسلمين فقط بحسب المندرجات الأممية المثبتة في هذا الموضوع بأرشيف عصبة الأمم ومن بعدها الأمم المتحدة.
وأضافت القمة العربية- الإسلامية التي عقدت قبل أسبوع في مدينة الرياض إدانة أفعال وتصريحات الكراهية المتطرفة والعنصرية لوزراء حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بعد صدور تهديد أحد الوزراء باستخدام السلاح النووي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، واعتباره هؤلاء الأشخاص فرادى أو كجماعة صاحبة سلطة كخطر على الأمن والسلم الدوليين بعد تأكيد استعمال الفوسفور الأبيض المحرم دولياً في الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة ولبنان، وتكرار التصريحات والتهديدات الإسرائيلية بإعادة لبنان إلى “العصر الحجري”.
أما قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي- الإسرائيلي والتي تخالفها إسرائيل فتبدأ من قرارات مجلس الأمن 242 (1967) و338 (1973) و497 (1981) و1515 (2003) و2334 (2016)، وتنص في مجملها على إنهاء احتلال إسرائيل لجميع الأراضي الفلسطينية والعربية، وتجسيد استقلال دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو (حزيران) 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، واستعادة حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير المصير وحق العودة وفق قرار الجمعية العامة الأمم المتحدة رقم 1994 لعام 1948.
المحكمة الجنائية الدولية على الخط
قبل أسبوعين قال المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان خلال زيارة لمعبر رفح إن عرقلة إمدادات الإغاثة لسكان غزة يشكل جريمة بموجب اختصاص المحكمة. واعتبر المدعي العام أنه يجب ألا يكون هناك أي عوائق أمام وصول إمدادات الإغاثة الإنسانية للأطفال والنساء والرجال المدنيين. وأعلن خان أن المحكمة تحقق في مجموعة من الوقائع منذ عام 2021، لتصنيفها في حال كانت تدخل في إطار جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية.
وخلال هذه الحرب تقدمت نحو مئة منظمة من المجتمع المدني ونحو 300 محام في فرنسا إلى المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية بملف يطالب بفتح تحقيق في شأن “إبادة جماعية” في قطاع غزة خلال الحرب بين إسرائيل و”حماس” منذ السابع من أكتوبر الماضي. وطالب موقعو البيان بالنظر في الرد الإسرائيلي على عملية حركة “حماس” من زاوية جريمة إبادة جماعية المنصوص عليها في نظام روما الأساسي الذي أنشئت المحكمة الجنائية الدولية بناء عليه.
وأجاب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان على هذه العريضة الفرنسية بأن تفويضه سيطبق على الجرائم المفترضة التي ارتكبت خلال الحرب الحالية. ولا بد من الإشارة إلى أنه بإمكان أي فرد أو مجموعة من الأشخاص رفع ملف إلى المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية، لكن للمحكمة أن تقرر النظر فيه أو عدمه. وفتحت المحكمة الجنائية الدولية التي أنشئت عام 2002 تحقيقاً عام 2021 في جرائم حرب مفترضة بالأراضي الفلسطينية.
الجملة الأكثر شهرة والتي تم تداولها على نطاق واسع حول العالم هي “حتى الحرب لها قواعد” التي قالها الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، وقد أطلق جملته في اجتماع لمجلس الأمن لبحث الحرب.
تلزم اتفاقيات جنيف لعام 1949، إلى جانب اتفاقيات أخرى، وفقاً لخبراء في القانون الدولي جميع الدول والمنظمات المسلحة أيضاً، هذا عدا عن أن مجموعة القوانين المكونة للقانون الإنساني الدولي، تنطوي أيضاً على القوانين التي تحكم سلطة دولة تحتل دولة أخرى، وتنص هذه القوانين على أن دولة الاحتلال، لا تكتسب السيادة على الأراضي المحتلة، وأن سلطة الاحتلال يجب أن تعامل السكان بشكل إنساني، وأن توفر لهم الحاجات الغذائية والرعاية الطبية.
وقد اعتبر مدير البرامج في منظمة “هيومن رايتس ووتش” توم بورتييوس في مداخلة طويلة له حول الحرب في غزة أن “النفاق والمعايير المزدوجة للدول الغربية صارخة وواضحة. وهي تخاطر بتقويض سنوات من العمل المضني الذي قامت به الجماعات الإنسانية والحقوقية، إلى جانب بعض الدول، لتعزيز وتوحيد المعايير المصممة لحماية المدنيين المحاصرين في النزاعات حول العالم”.
المصدر: اندبندنت عربية