قبور جماعية لدفن شهداء غزة… لا مكان في الثلاجات
اضطرت الجهات الصحية في قطاع غزة إلى اعتماد قبور جماعية لدفن جثامين الشهداء، في ظل الارتفاع الكبير في عدد الشهداء خلال أيام الحرب الإسرائيلية على القطاع. وغالبية هذه الجثامين لعائلات بكاملها، وجزء منها عبارة عن أشلاء متناثرة غير مكتملة لشهداء، إضافة إلى عدد كبير من الشهداء مجهولي الهوية الذين يرجح مقتل كل أفراد عائلتهم ما لا يسمح بالتعرف على جثثهم، أو عدم معرفة عائلاتهم باستشهادهم. وترتبط ظاهرة القبور الجماعية أيضاً بانخفاض الطاقة الاستيعابية لثلاجات الموتى المتوفرة في مستشفيات غزة.
وأظهرت مقاطع مصوّرة نشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي تجهيز آلة بناء حفرة كبيرة في الأرض لدفن 100 شهيد في جوار بعضهم البعض بمدينة غزة بسبب تكدّس الجثامين في ثلاجات الموتى.
يقول أحمد المصري من سكان مدينة بيت حانون شمالي قطاع غزة لـ”العربي الجديد”: “فقدت أحد ابنائي لدى نزوحي مع عائلتي من شمال القطاع إلى جنوبه بناءً على أمر أصدره جيش الاحتلال الإسرائيلي بإخلاء غزة وشمالها، وأنا لم أعلم بما حصل له لمدة يومين حتى تلقيت اتصالاً من قريب لي أبلغني باستشهاد ابني، وأن جثته نقلت إلى مستشفى الشفاء. وبسبب خطورة الطريق من مدينة رفح إلى غزة حيث يوجد مستشفى الشفاء لم أذهب إلى المستشفى للتأكد من استشهاد ابني”.
يضيف: “أنتظر ان تنتهي الحرب أو يجري الاتفاق على تطبيق هدنة إنسانية كي تسنح لي فرصة التعرف على جثمان نجلي الذي أعتقد انه دُفن مع شهداء اعتبروا مجهولي الهوية في مقبرة الطوارئ. وأنا لا ألوم الجهات الحكومية على ما فعلت، فأنا لا أستطيع الوصول إلى المستشفى، في حين لا تستطيع أجهزتها إيصال جثمان ابني إلى رفح”.
وقال مصدر طبي في مستشفى “الشفاء” لـ”العربي الجديد”: “تحوّلت جثامين عشرات الشهداء إلى أشلاء يصعب التعرف عليها إلا من خلال علامات قد يعرفها أهل كل منهم. وباعتبار أنه يصعب انتظار فترة طويلة كي يتعرف الأهالي على أبنائهم في ظل تكدّس ثلاجات المستشفى والطرق المحيطة بها بالجثث، وارتفاع عددها، قررنا أن ندفن كل فترة وجيزة الشهداء الذين لا يتعرف عليهم أحد في مقبرة الطوارئ التي أعدت خصيصاً لذلك”.
ويوضح المصدر ذاته أن “تكدّس الجثث في الثلاجات ومحيطها قد يؤدي إلى كارثة صحية تضاف إلى الكوارث القائمة نتيجة ضعف الإمكانات والمستلزمات الطبية، وعدم وصول أي دعم للقطاع الصحي الذي يواجه ضغطاً كبيراً نتيجة ارتفاع عدد الشهداء والاصابات في شكل مهوّل مقارنة بكل الحروب الاسرائيلية السابقة التي شنت على القطاع”.
من جهته، يقول سلامة معروف، رئيس المكتب الاعلامي الحكومي في غزة، إن “السبب الأول لإقامة قبور جماعية هو امتلاء ثلاجات الموتى والشهداء بعشرات الجثامين التي لم يتم التعرف عليها، وعدم إمكان استقبال مزيد منها في وقت يستقبل المستشفى عدداً كبيراً من الجثامين يومياً”.
يضيف: “بعدما انتظرنا أياماً من دون التعرف على الجثث التي تكدّست داخل ثلاجة مستشفى الشفاء، وعانينا من صعوبة الوصول الى المقابر شرقي غزة نظراً إلى شدة القصف واستهداف محيطها، اضطررنا إلى إنشاء مقبرة الطوارئ الجماعية بحي التفاح من أجل دفن الجثث مع اتباع كل الاجراءات التي تحددها وزارة الصحة ومسؤولو الطب الشرعي. وجرى تصوير الشهداء، وتوثيق العلامات المميزة لهم، ما يسمح بتعرّف عائلاتهم عليهم بعد دفنهم في المقبرة الجماعية. وهكذا ارتبط الإجراء مباشرة بعدم تعرف أحد على الجثامين، وأيضاً بتكدّس الجثث في ثلاجات المستشفى”.
وعموماً تعتبر المنظومة الصحية في قطاع غزة شبه منهارة نتيجة الضغط الكبير على المستشفيات وعلى المستلزمات الطبية، وانقطاع التيار الكهربائي والمياه في كامل قطاع غزة، وبينها المستشفيات التي شارف احتياطي الوقود لديها على الانتهاء نتيجة إغلاق الاحتلال الإسرائيلي كل معابر غزة، وبينها معبر رفح مع مصر الذي طاوله قصف كثيف.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أكد أن الوضع في غزة “خارج السيطرة” بسبب العجز في إيصال مساعدات إنسانية جاهزة للتسليم. وقال: “نخسر أرواحاً في كل ثانية نتأخر فيها عن إدخال مساعدات طبية”.
أما المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في منطقة شرق المتوسط أحمد المنظري فحذر من أن نقص الإمدادات الأساسية يجعل الأطباء والعاملين في المستشفيات “لا يملكون إلا أوامر إصدار شهادات وفاة”.
المصدر: العربي الجديد