أكبر تراجع في تاريخ الجنيه المصري

انخفض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار مرة أخرى إلى مستوى قياسي جديد، في أعقاب تعويم جزئي ثالث سمح به البنك المركزي اليوم الأربعاء، في محاولة للخروج من اكبر أزمة تواجهها العملة المصرية في أكثر من خمس سنوات.

وقالت وكالة بلومبيرغ إن الجنيه تراجع بنسبة 6.6%، ليتجاوز سعره 26.50 جنيهاً للدولار، في تعاملات الأسواق الخارجية (خارج مصر)، بينما بقي سعر الدولار في السوق الموازية أعلى من ذلك.

وسمحت مصر لعملتها بالضعف مرتين في عام 2022، وتوصلت في النهاية إلى اتفاق للحصول على قرض بقيمة 3 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي، بعد أن تعهدت في أكتوبر/تشرين الأول باعتماد سياسة سعر صرف مرنة بصورة دائمة، في أعقاب هروب عشرات المليارات من الدولارات من الأموال الساخنة مطلع العام الماضي.

وتسببت التداعيات الاقتصادية لغزو روسيا لأوكرانيا في تفاقم أزمة العملة في البلاد، وفي ارتفاع معدل التضخم لأعلى مستوياته في أكثر من خمس سنوات، بسبب اعتماد مصر على الاستيراد لتوفير القمح اللازم لغذاء أكثر من مائة مليون مواطن.

واستبق أكبر بنكين حكوميين في مصر تحرك سعر العملة يوم الأربعاء بالإعلان عن طرح شهادات إيداع لمدة عام واحد بسعر فائدة 25%، فيما اعتبرته بلومبيرغ محاولة لتشجيع المدخرين على التخلي عن الدولار، وأيضاً لاحتواء التضخم عن طريق امتصاص السيولة الفائضة”.

ورغم توقعه أن يتسبب التخفيض الأخير في قيمة العملة في ارتفاع التضخم في مصر لمستوى يتراوح بين 23%-25%، وأيضاً في ارتفاع تكلفة اقتراض الحكومة المصرية، قال ألين سانديب، مسؤول الأبحاث لدى شركة نعيم القابضة: “يمنح الكثير من الرؤية في ما يخص سيولة العملة الأجنبية في البلاد خلال الفترة القادمة”.

وأشارت بلومبيرغ إلى أن انخفاض الجنيه جاء في الوقت الذي تكافح فيه أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان لتصفية ما يقرب من 5 مليارات دولار من الواردات المتراكمة في الموانئ، بسبب طلب خطاب اعتماد تم إلغاؤه الآن، موضحةً أن هذه القاعدة تم فرضها قبل عدة أشهر بسبب شح العملة الأجنبية.

ولا يبدو أن سعر الجنيه المصري قد وصل بالفعل إلى القاع، حيث أكد مصرفيون أن البنك المركزي أوقف ارتفاع الدولار عند مستوى 26.50 جنيهاً، “لكن الطلب على الدولار مازال قوياً”.

وفي حوار خاص مع “العربي الجديد”، توقع مسؤول عمليات تغيير العملة في أحد البنوك المصرية ارتفاع الدولار مجدداً في تعاملات الغد (الخميس)، ربما إلى نطاق 27- 27.50، رغم تدخل البنك المركزي في السوق اليوم ببيع كميات ليست قليلة.

وأوضح: “باع المركزي للبنوك اليوم، كما باع في التعويم السابق، ونأمل أن تجتذب معدلات الفائدة المرتفعة على الجنيه المصري، سواء في شهادات الادخار أو أدوات الدين التي سيرتفع عائدها بالتأكيد، مبيعات كبيرة من العملة الأجنبية، للاستفادة من عائد الجنيه المرتفع، وهي العامل الوحيد حالياً الذي يمكن أن يوقف تدهور الجنيه”.

وقبل يوم الأربعاء، سجل العائد على أذون الخزانة المصرية 19.20%، ولم تجر تعاملات بعد التعويم، وفقاً لأحد مديري صناديق إدارة الأموال العاملة في مصر.

وقال محمد أبو باشا، مسؤول أبحاث الاقتصاد الكلي في بنك الاستثمار EFG Hermes، لوكالة بلومبيرغ: “يتعين علينا الانتظار لنرى حجم السيولة من العملة الأجنبية التي ستتوفر، وسيكون سعر الصرف الذي يمكن عنده مقابلة كل طلبات الاستيراد المعلقة محورياً”.

وتعهد حلفاء مصر في الخليج بتقديم أكثر من 20 مليار دولار في شكل ودائع واستثمارات لمساعدة دولة يرون أنها حيوية لأمن المنطقة واستقرارها. وجاء انخفاض قيمة الجنيه بعد ارتفاع كبير في أسعار الفائدة في نهاية العام الماضي وما وصفه مسؤولون حكوميون بأنه تقدم في إزالة أزمة تراكم الواردات في موانئها.

ووفقاً لمحللين، لا يتوقع أن يؤتي التعويم الأخير ثماره دون أن يكون لدى المركزي من العملة الأجنبية ما يكفي لمقابلة طلبات الشراء المعلقة، من اجل القضاء على السوق الموازية.

وأظهرت أسواق المشتقات الخارجية، ومنها عمليات NDF التي سمح المحافظ الجديد للبنك المركزي حسن عبد الله باستخدامها في البنوك المصرية، توقع المتعاملين مزيدا من التراجع للعملة المصرية، لتتجاوز 32 جنيهاً للدولار، خلال الاثني عشر شهراً القادمة.

ونقلت جريدة فايننشال تايمز عن مركز الأبحاث اللندني كابيتال إيكونوميكس قوله: “ظلت المخاوف قائمة بشأن التزام السلطات المصرية بسعر صرف مرن، كما تعهدت للصندوق، لكن التطورات التي حدثت خلال الأسبوع الماضي تشير إلى أنها تتحرك في الاتجاه الصحيح”.

المصدر: العربي الجديد