«الثلاثي الأوروبي» يحذّر طهران من مخاطر رفع التخصيب إلى 20 %

تأخر الرد الرسمي للدول الأوروبية الثلاث المعنية مباشرة بالملف النووي الإيراني (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) على استئناف طهران تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة حتى عصر أمس. والسبب في ذلك، كما تشير مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، حرص العواصم الثلاث على صدور تأكيد رسمي من الوكالة الدولية للطاقة النووية المكلفة بالرقابة على البرنامج النووي الإيراني بهذا الخصوص، وهو ما حصل الاثنين الماضي.
وجاء الرد في شكل بيان صادر عن وزراء خارجية الدول الثلاث متضمناً رصداً لـ«المخاطر» المترتبة على الخطوة الإيرانية ودعوة لطهران للتراجع عن هذه النسبة من التخصيب والعودة لما هو متاح لها أساساً في الاتفاق، أي نسبة 3.67 في المائة. لكن البيان خلا من أي إشارة لما ستقدم عليه العواصم الثلاث، في حال صمّت طهران آذانها عن تحذيرات الدول الثلاث التي كانت حتى اليوم من أشد المدافعين عن المحافظة على الاتفاق، ما يعني على الأرجح أنهم عازمون على استمرار التواصل مع طهران.
بداية، يعبر الوزراء الثلاثة عن «قلقهم العميق» إزاء الخطوة الإيرانية بشأن نسبة التخصيب، وأنه يتم في موقع فردو القائم تحت الأرض، خصوصاً أن «لا مبرر لها»، داحضين بذلك المزاعم الإيرانية التي تدعي أن اليورانيوم المخصب بالنسبة المرتفعة مخصص لتوفير الوقود النووي لمفاعل طهران. ويعتبر الثلاثة أن ثمة 3 مخاطر رئيسية مترتبة على الخطوة الإيرانية، أولها أنها تنتهك «بشكل فاضح» مضمون الاتفاق والتزامات إيران بحيث «تفرغه من مضمونه». وثانيها أنها تشكل انتهاكاً خطيراً لمضمون اتفاقية منع انتشار السلاح النووي، باعتبار أنها تقرب طهران من الحصول عليه. والخطر الثالث أن ما قامت به إيران يشكل «تطوراً سلبياً خطيراً»، يتنافى مع الالتزامات التي صدرت عن المشاركين في اجتماع اللجنة المشتركة «الدول الأوروبية الثلاث، وروسيا، والصين، إلى جانب إيران» في 21 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والقاضي بالمحافظة على الاتفاق النووي. ويعبّر البيان عن مخاوف الأوروبيين من أن تقضي طهران بمغامرتها الجديدة على «الفرصة المهمة» المتمثلة بالعودة إلى التناول الدبلوماسي للملف النووي الإيراني، مع وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض. وإذ يجدد البيان دعوة طهران إلى الامتناع عن أي تصعيد من شأنه أن يفاقم التوتر ويقلص مساحة «تحرك» الدبلوماسية، فإنه يؤكد أن العواصم الأوروبية الثلاث مستمرة في التواصل مع الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي من أجل «تقييم أفضل السبل للرد على الانتهاكات الإيرانية في إطار الاتفاق».
واضح، من خلال البيان، أن الطرف الأوروبي «لا يريد الإسراع ولا التسرع» في الرد على الخطوة الإيرانية. وبحسب المصادر المشار إليها، فإن الطرف المذكور يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل، أهمها أن طهران «لم تأخذ أبداً بعين الاعتبار» التحذيرات الأوروبية التي وجّهت إليها منذ أن بدأت ربيع العام الماضي في التحلل التدريجي من بنود الاتفاق.
وللتذكير، فإن طهران تجاوزت بأضعاف سقف مخزون اليورانيوم المتاح لها، وتجاوزت سقف التخصيب، وأطلقت العنان لعمليات البحث والتطوير، وأعادت تشغيل موقع فردو، ونشرت طرادات مركزية أكثر قوة وتطوراً… وعامل آخر، هو أن الأوروبيين الذين وقفوا بوجه قرارات الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، دونالد ترمب، حين خروجه من الاتفاق أو حين بدأ بفرض عقوبات على إيران، «لا يرغبون باستباق موقف الإدارة الأميركية القادمة»، حيث يؤكد الرئيس المنتخب أنه يريد العودة إلى الاتفاق، لكن شروط العودة وأشكالها ومحيطها ما زالت غامضة.
وبكلام آخر، يريد الأوروبيون «كسب الوقت»، إلا أنهم كما تشير المصادر الأوروبية «يشعرون بمزيد من الحرج»؛ خصوصاً أن السلطات الإيرانية «لم تعد تحتفظ بكثير من بنود الاتفاق». وأخذت تسمع في العواصم الثلاث أصوات أن باريس ولندن وبرلين «لم تعد قادرة على الدفاع عن الاتفاق»، وهي تدعو إلى «التخلي عن وهم، المحافظة عليه لم تعد قائمة»، وترى هذه الأصوات أنه «من الأفضل والأنجع» رصد الاتجاهات التي سيسلكها الموقف الأميركي مع الإدارة الجديدة، علماً بأن إدارة بايدن ستكون بحاجة لعدة أسابيع أو لأشهر لبلورة سياسة جديدة إزاء إيران وبرنامجها النووي، وأيضاً إزاء طموحاتها الصاروخية وسياستها الإقليمية المتفق على توصيفها بـ«المزعزعة للاستقرار». وفي أي حال، ترى هذه المصادر أنه «من السذاجة» اعتبار أن إدارة بايدن، رغم تصريحاته السابقة، ستقبل العودة إلى الاتفاق بصيغته السابقة من غير شروط، باستثناء عودة إيران للالتزام ببنود الاتفاق. والمرجح أن الملفات الثلاثة سوف تفتح دفعة واحدة في «بازار» تفاوضي واسع. من هنا، فإن بعض المحللين يرون في الخطوة الإيرانية «مسعى لتوفير أوراق تفاوضية» ذات قيمة، تحضيراً للمفاوضات التي لا بد أن تأتي مع الإدارة الأميركية، وإن كان ذلك في إطار الصيغة القديمة «5 + 1». وعلى أي حال، فإن باريس، ومعها لندن وبرلين، دافعْن دوماً عن المحافظة على الاتفاق القديم والتفاوض حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني لما بعد العام 2025، إضافة إلى البرنامج الصاروخي – الباليستي، وسياسة إيران الإقليمية.
من هنا، ثمة «تقارب» في القراءة من على ضفتي الأطلسي بشأن إيران، التي حضّها الأوروبيون دوماً على انتهاج سياسة «الصبر الاستراتيجي»، مقابل سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية.
يبقى أن المصادر الأوروبية تعتبر أن إيران وإن بررت حكومتها خطوة رفع نسبة التخصيب بالخضوع لقرار البرلمان، إلا أنها اختارت الامتناع عن وضع حد للعمل بما يسمى «البروتوكول الإضافي» الذي يتيح للمفتشين الدوليين حرية حركة كاملة على كل الأراضي الإيرانية، كما امتنعت عن السير في مطلب إخراجهم من إيران، بل تؤكد أن خطواتها تتم بمعرفة ورقابة المفتشين. وبرأي هذه المصادر، فإن طريقة التعاطي الإيراني تنم عن أمرين؛ الأول أن ما تقوم به هو «رسائل» إلى الطرف الأميركي. والثاني أنها تحضر نفسها لجولات تفاوضية صعبة. وللتذكير، فإن التفاوض من أجل اتفاق 2015 بدأ من غير الولايات المتحدة عام 2003. ولذا، فالسؤال المطروح يتناول عدد السنوات التي يحتاجها التوصل إلى اتفاق جديد. الجواب في القادم من الأيام.

المصدر: الشرق الأوسط