الحكومة الفرنسية: خروج وزيري الدفاع والخارجية… واليمين يحصد حقائب رئيسية

مثلما كان متوقعاً، غاب ركنان أساسيان عن أولى حكومات العهد الجديد للرئيس إيمانويل ماكرون التي ترأسها إليزابيث بورن: الأول، هو وزير الخارجية جان إيف لو دريان الذي حلت محله كاترين كولونا، سفيرة فرنسا في لندن ووزيرة الشؤون الأوروبية في عهد الرئيس اليميني الأسبق جاك شيراك. والركن الثاني هو وزيرة الدفاع، فلورانس بارلي التي تركت حقيبتها لـسيباستيان لوكورنو، المقرب من الرئيس ماكرون والذي ترك حزب «الجمهوريون» اليميني للالتحاق به باكراً وقد تنقل بين عدة حقائب في السنوات الخمس الأخيرة. وآخر حقيبة شغلها كانت وزارة «شؤون ما وراء البحار» في حكومة جان كاستيكس. وما يجمع بين لو دريان وبارلي أنهما أمضيا خمس سنوات كاملة، كل في وزارته، أي طيلة العهد الأول لـماكرون. بالمقابل، فإن الرئيس الفرنسي أبقى على ركنين رئيسيين من حكومته السابقة وهما وزير الاقتصاد برونو لو مير ووزير الداخلية جيرالد دارمانان. ويحتل هذان الوزيران المرتبتين الثانية والثالثة في الترتيب البروتوكولي «بعد رئيسة الحكومة التي تحتل المرتبة الأولى» فيما تشغل كولونا المرتبة الرابعة، وبذلك تكون أربع حقائب سيادية في عهدة اليمين الفرنسي الملتحق بـماكرون «الاقتصاد والداخلية والخارجية والدفاع». وإلى هؤلاء يتعين إضافة آخر «غنيمة» وضع الرئيس الفرنسي اليد عليها وهي داميان آباد، الذي أعطي حقيبة التضامن وشؤون المعاقين. وحتى أول من أمس، كان آباد رئيس مجموعة حزب «الجمهورية» اليميني في مجلس النواب. وكان واضحاً منذ عدة أسابيع أن آباد وهو شخصية سياسية رئيسية على يمين الخريطة الفرنسية على تواصل مع قصر الإليزيه عبر مستشار ماكرون السياسي تييري سولير الأقدم هو الآخر من اليمين، للالتحاق بالماكرونية. من هنا، فإن تعيينه يعد كمكافأة له ما يظهر وبشكل ساطع أن الرئيس الفرنسي مستمر في عملية هدم اليمين الكلاسيكي كما نجح سابقاً في هدم الحزب الاشتراكي.

يبدو واضحاً من خلال التركيبة الحكومية الجديدة أن ماكرون وبورن سعيا لإيجاد نوع من التوازن بين اليمين واليسار وبين القدماء والجدد والمساواة بين النساء والرجال. ويكفي للدلالة على ذلك أنه في الحقائب الرئيسية الـ16، ثمة تساوٍ كامل بين الجنسين بحيث تحتل النساء ثماني حقائب «رئاسة الحكومة، الخارجية، الصحة، التعليم العالي والبحث العلمي، ما وراء البحار، الثقافة والطاقة والرياضة والألعاب الأولمبية» والشيء نفسه يصح على الرجال الذي يحصلون على الاقتصاد والدفاع والتعليم العالي والعمل والتضامن والمعاقين والزراعة والوظيفة العمومية. وما يصح على المساواة بين الجنسين يصح على التوازن بين اليمين واليسار. ومن هذه الزاوية، يعول ماكرون على حضور رئيسة الحكومة القادمة إلى الحكم من خلفية يسارية وتحديداً من اليسار الاشتراكي رغم أنها لم تكن مناضلة «رسمية» في صفوفه بل عملت مع رئيس الحكومة الأسبق الاشتراكي ليونيل جوسبان ومع الوزيرة الاشتراكية السابقة سيغولين رويال. والتوازن سعى إليه ماكرون من خلال ضخ دماء حكومية جديدة إلى جانب من حرص على إبقائه إلى جانبه في الفترة القادمة التي تبدو لكثيرين مليئة بالكثير من المخاطر الاقتصادية والاجتماعية. وأبرز هؤلاء وزيران هما كليمان بون وغبريال أتال اللذان ينتميان إلى جيل الشباب.

ثمة مفاجأتان في الحكومة الجديدة: الأولى تتناول الإبقاء، في الحكومة الجديدة على وزير العدل في حكومة جان كاستيكس، المحامي إريك دوبون ــ موريتي الملاحق أمام محكمة عدل الجمهورية الخاصة بمحاكمة الوزراء والنواب خلال تأديتهم لمهامهم وذلك بسبب ما اعتبر استغلالاً لسلطته الوزارية وتصفية حسابات شخصية مع كبار موظفين في وزارته. ويبدو أن ماكرون لا يرى أن وزيره قد ارتكب خطأً كبيراً أو أنه يعول عليه كوزير رئيسي للسنوات القادمة. وسبق له أن بقي سنداً لوزير الداخلية جيرالد درامانان عندما قدمت في الأشهر الأولى من ولايته السابقة شكاوى بحقه تتهمه بالاعتداء الجنسي وهي التهمة التي برئ منها لاحقاً. أما الغياب فيتناول جوليان دونورماندي، وزير الزراعة السابق والمقرب من ماكرون والذي طرح اسمه بعد الانتخابات الرئاسية لتسلم الحكومة الجديدة، إلا أن الأخير كتب في تغريدة أمس أنه يرغب في تخصيص وقته لعائلته وأن بداية الولاية الرئاسية الجديدة تتيح له الفرصة لأن يبقى إلى جانب عائلته.

من بين الوافدين، ثمة اثنان لم يتوقعهما أحد: الأول، هو وزير التربية الجديد، باب نديا، الذي يحل محل جان ميشال بلانكير، وزير التربية السابق الذي فقد قربه من ماكرون في الأشهر الأخيرة ولم يبق عليه في الحكومة رغم قربه من برجيت ماكرون، عقيلة رئيس الجمهورية. والوزير الجديد ابن لمهندس سنغالي وأمه فرنسية، أستاذة علوم طبيعية، وهو مؤرخ متخصص في دراسة تاريخ الأقليات والمجتمع في الولايات المتحدة الأميركية وأستاذ في معهد العلوم السياسية في باريس.

جاء تعيين نديا مفاجئاً كما جاء تعيين ريما عبد الملك لبنانية الأصل التي تحمل الجنسيتين اللبنانية والفرنسية، وزيرة للثقافة. وهذه المرأة البالغة من العمر 44 عاماً، شغلت منذ عام 2019 منصب مستشارة للرئيس ماكرون في شؤون الثقافة وكانت مقربة منه إلى حد بعيد. وخلال عملها في الإليزيه وقبل ذلك مستشارة ثقافية في السفارة الفرنسية في الولايات المتحدة الأميركية، اكتسبت عبد الملك سمعة واحتراماً بسبب منهجيتها وجديتها في العمل. وسبق لها إن كانت على احتكاك مع الصحافة من خلال لقاءات «البريفينغ» التي كانت تحييها فيما خص الشؤون الثقافية. ووصلت الوزيرة الجديدة إلى فرنسا يافعة مع عائلتها التي استقرت بداية في مدينة ليون. وبعد الانتهاء من دراستها، عملت عبد الملك في الشؤون الإنسانية قبل أن تنتقل إلى الأمور الثقافية حيث عينت مساعدة لمسؤول الثقافة في بلدية باريس. وستواجه عبد الملك العديد من التحديات منها تحديث الوزارة واجتذاب الشباب نحو الثقافة وجعلها في متناول الجميع.

رأت الحكومة النور قبل ثلاثة أسابيع من استحقاق سياسي رئيسي هو الانتخابات التشريعية التي ستجرى يومي 12 و19 يونيو (حزيران) القادم. ويعول ماكرون على رئيستها وعليها مجتمعة للفوز بأكثرية نيابية تدعم برامجه للسنوات الخمس القادمة فيما تواجه فرنسا تحديات خارجية وداخلية معقدة. ومنذ الإعلان عن تشكيلها انصبت الانتقادات عليها من طرفي الخريطة السياسية يميناً ويساراً. فاليمين المتطرف ركز هجومه على وزير التربية فيما رأى اليسار المتشدد أنها استمرار لعملية استهداف الطبقات الأكثر هشاشة وتخريب الضمانات الاجتماعية. وقالت مارين لو بن، وزعيمة اليمين المتطرف إن الحكومة «تعكس عجرفة ماكرون وانعدام كفاءته». واعتبر زعيم اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون أنها «تضم الوجوه الرئيسية التي تجسد، كما الحكومة السابقة، سوء التعاطي مع المسائل الاجتماعية وانعدام المسؤولية البيئوية». ومن جانبه، وصفها جوليان بايو، أمين عام حزب الخضر بأنها «حكومة يمينية تنفض يديها تماماً مما هو اجتماعي أو بيئي».

المصدر: الشرق الأوسط