الشتاء الأصعب لا يمنع دمشق من تحديد شرائح ستحرم من «الدعم»

لم تمنع الظروف المعيشية القاهرة التي يعاني منها السوريون خلال شتاء قاس، الحكومة في دمشق، من مواصلة خطتها في تقليص الدعم الحكومي للمواد التموينية والمشتقات النفطية.
وقالت معاونة وزير الاتصالات والتقانة فاديا سليمان، إن اللجنة الاقتصادية في الحكومة، درست «بدقة كبيرة» استبعاد فئات من الدعم، بهدف الوصول إلى الشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع. وبينت فاديا سليمان في تصريحات للإعلام المحلي، أمس، أن تحديد الشريحة المستبعدة من الدعم استند إلى «معايير الثروة والملكية ومستوى الدخل». ولن يشمل الاستبعاد، وسائل الإنتاج ومنظومة النقل العام، مؤكدة على أن الكتلة المالية التي ستتوفر من هذه الخطوة ستوجه إلى مجالات دعم أخرى يتم تحديدها لاحقاً.
ويعيش السوريون فترة شتاء تعد الأصعب خلال السنوات العشر الماضية في ظل الحرب، وذلك بسبب عدم توفر الكهرباء ومواد الطاقة والوقود اللازمة للتدفئة، حيث زادت ساعات تقنين الكهرباء لتصل في غالبية المناطق خارج مركز العاصمة دمشق إلى 22 ساعة قطع وساعتين أو أقل وصل من أصل، كما لم تحصل آلاف العائلات على الخمسين لتر مازوت التي حددتها الحكومة حصة لكل عائلة بالسعر المدعوم، 1700 ليرة للتر الواحد، فيما يصل سعر اللتر في السوق السوداء إلى 4 آلاف ليرة، مما أعاد غالبية السوريين إلى استخدام مدافئ الحطب للتدفئة، علماً بأن الفقراء يستخدمون كل ما هو قابل للاحتراق، مثل الورق والألبسة والأحذية القديمة ومخلفات البلاستيك والكاوتشوك وغيرها.
وتقدر الأمم المتحدة نسبة الفقر في سوريا، بأكثر من 80 في المائة يعيش 60 في المائة منهم على المساعدات. وسجل العام المضي انهياراً في الأوضاع المعيشية قدر بـ70 في المائة، حيث ارتفعت أسعار المعيشة في مناطق سيطرة النظام بنسبة تتجاوز 150 في المائة. ليقابلها رفع رواتب القطاع العام بنسبة 80 في المائة، على دفعتين خلال العام الماضي.
ومنذ عام 2019. بدأت الحكومة في دمشق بتوزيع المحروقات المدعومة عبر البطاقة الذكية، ثم وسعتها خلال 2020. لتشمل المواد التموينية كالشاي والأرز والسكر، ثم الخبز عام 2021. وترافق ذلك مع ارتفاع أسعار المواد المدعومة، إذ زاد سعر السكر بنسبة 25 في المائة، والخبز بنسبة 100 في المائة، والمازوت بنسبة 170 في المائة، والغاز المنزلي بنسبة 130 في المائة، والغاز الصناعي بنسبة 300 في المائة، والبنزين بنسبة 46 في المائة، والخبز السياحي بنسبة 40 في المائة، أما الكهرباء فتم رفع تسعيرتها لتتراوح ما بين 100 و800 في المائة.
وبينما روجت الحكومة لخطة تخليها عن الدعم ورفع الأسعار، بأن ذلك سيضمن استمرار الدعم وتحسين برامج تقنين الطاقة، حدث العكس، فبعد ارتفاع أسعار الكهرباء زاد التقنين إلى حد أدى إلى تعطل محطات ضخ المياه وشبكات الاتصالات في الكثير من المناطق، لا سيما الأرياف، لعدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولدات الكهرباء. ومع اعتماد البطاقة الذكية لتوزيع المحروقات والمواد التموينية، أصبحت رسائل التسليم تتأخر لشهور لعدم توفر تلك المواد. بينما لا تتوقف التصريحات الحكومية عن العزم على استبعاد شرائح معينة من الدعم.
وبحسب معاونة وزير الاتصالات، سيتم في المرحلة الأولى استبعاد ما يعادل 15 في المائة من البطاقات الأسرية. كما سيتم استبعاد 47 في المائة من السيارات الخاصة من دعم الوقود، إضافة إلى استبعاد الذين غادروا البلاد والمستفيدين من الدعم الحكومي، والمغادرين منذ أكثر من عام المستفيدين من الدعم، والمتوفين المستفيدين من البطاقات. وكشفت فاديا سليمان، عن أن عدد البطاقات الأسرية التي توفى أفرادها بالكامل، نحو 30 ألف بطاقة أسرية. موضحة أن بيانات العقارات وملكيتها لم تدخل في هذه المرحلة، نظراً للحاجة إلى مزيد من الدراسة والدقة.
هذا وجرى تحديد «الميسورين» من خلال الدخل، منهم كبار ومتوسطو المكلفين ضريبياً، والمستوردون والمصدرون ومؤسسو المصارف الخاصة وشركات الصرافة، وأصحاب السجلات التجارية من الفئة الأولى والممتازة، وأصحاب الجامعات والمدارس الخاصة ومحطات الوقود والأفران الخاصة، وأصحاب المقالع ومدارس تعليم قيادة المركبات، ووكلاء النقل البحري ومراكز الفحص الفني، وغيرهم ممن لديهم نشاطات اقتصادية تدر عليهم دخلاً مستقراً يعبر عن قدرتهم على إعالة أسرهم دون دعم حكومي.
وبحسب خبراء اقتصاد، فإن رفع الدعم الحكومي ورفع أسعار المواد المدعومة، بهدف تخفيف العبء عن الخزينة العامة، أدى إلى تخفيض الإنتاج المحلي مع توقف المزارعين والصناعيين عن العمل، لعدم الجدوى الاقتصادية، والعجز عن تحمل تكاليف الإنتاج، لا سيما المحروقات والكهرباء.

المصدر: الشرق الأوسط