النظام الإيراني في مواجهة محتجين عازمين على التغيير

تشهد إيران منذ أكثر من مائة يوم احتجاجات كسرت محرّمات وطالت ركائز المؤسسة الحاكمة، في محاولة لإحداث تغيير قوبلت بحملة قمع عنيفة.
واندلعت المظاهرات في إيران خلال منتصف سبتمبر (أيلول) الماضي بعد وفاة الشابة مهسا أميني التي أوقفتها «شرطة الأخلاق» بدعوى «سوء الحجاب».
ويقول خبراء إن الغضب الشعبي العارم يتغذّى أيضاً من التدهور الاقتصادي والقيود الاجتماعية التي يعاني منها السكان البالغ عددهم 85 مليوناً، منذ عقود، وفق تحليل نشرته وكالة الصحافة الفرنسية.
وشهدت إيران احتجاجات في السابق، لكن الحركة الحالية غير مسبوقة لناحية مدّتها واتّساع نطاقها على صعيد محافظات البلاد والطبقات الاجتماعية والمجموعات الإثنية، كما المطالبة العلنية بوضع حد للنظام.
فقد أُحرقت صور المرشد علي خامنئي، وسارت نساء في الشوارع من دون مناديل على رؤوسهن، كما سجّلت صدامات بين متظاهرين وقوات الأمن.
وتتّهم إيران قوى أجنبية معادية بتأجيج ما تصفها بـ«أعمال شغب»، خصوصاً الولايات المتحدة وإسرائيل، وكذلك فرنسا وبريطانيا، وأيضاً فصائل كردية إيرانية معارضة تتخذ من العراق مقراً، وقد استهدفتها إيران مراراً بضربات صاروخية وبواسطة مسيّرات.
وفي ما بدا تصعيداً لحملة القمع، أعدمت السلطات الإيرانية هذا الشهر شخصين على ارتباط بالاحتجاجات، مما أثار ردود فعل غاضبة في العالم ودفع دولاً غربية إلى فرض عقوبات جديدة على إيران.
وكان المدعي العام الإيراني، محمد جعفر منتظري، أعلن في مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي إلغاء «شرطة الأخلاق»، لكن كثيرين في الداخل والخارج شككوا في الإعلان، في ظلّ استمرار تطبيق قانون الحجاب الإلزامي الذي يتطلب إلغاؤه تصويت البرلمان، أو إعلاناً رسمياً من «اللجنة الثقافية العليا» الخاضعة لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي.
وتقول الناشطة الحقوقية، شادي صدر، المشاركة في تأسيس مجموعة «العدالة من أجل إيران» التي تدفع باتّجاه المحاسبة عن الانتهاكات الحقوقية ومقرّها لندن: «كان واضحاً جداً منذ البداية أن الاحتجاجات لم تكن من أجل الإصلاح أو ضد (شرطة الأخلاق)؛ بل كانت تستهدف النظام برمّته».
وتضيف لوكالة الصحافة الفرنسية: «ما يحدث هو تحدّ جوهري للنظام»، مضيفة أن «المحتجين يريدون رحيل النظام»، وهذا الأخير «يدرك أنه يواجه تهديداً حقيقياً من المحتجين».
– «لم يسبق أن بدا أكثر ضعفاً»
وانحسر الحراك الاحتجاجي خلال الأيام الأخيرة، لكن «منظمة حقوق الإنسان في إيران» التي تتخذ من أوسلو مقرّاً، تقول إن هناك تحركات «كل يوم في أنحاء مختلفة من البلاد».
وانتشرت تسجيلات فيديو تظهر مسيرات ليلية في بعض المدن بداية هذا الأسبوع مع تخطي الاحتجاجات 100 يوم، وبعد ذلك، شهد بعض المدن في أنحاء البلاد مراسم أربعينية قتلى سقطوا بنيران قوات الأمن الشهر الماضي.
ويقول مدير «منظمة حقوق الإنسان في إيران»، محمود أميري مقدم، لوكالة الصحافة الفرنسية: «لا عودة إلى الوراء».
بالنسبة إلى كسرى أعرابي، كبير خبراء شؤون إيران في «معهد توني بلير للتغيير العالمي»؛ «المزاج في إيران ثوري»، مشيراً إلى عدد متزايد من المعارضين للنظام خلال السنوات الأخيرة. ويتابع: «يمكنهم (السلطات) أن يحاولوا قمع المحتجين، لكن لا يمكنهم قمع المزاج الثوري».
وتتّهم مجموعات حقوقية النظام بانتهاكات لحقوق الإنسان؛ بما في ذلك إعدامات خارج نطاق القانون، وعمليات خطف في الخارج، وفرض الإقامة الجبرية على رعايا أجانب.
ووفق «منظمة العفو الدولية»؛ أصبحت إيران البلد الأكثر تطبيقاً لعقوبة الإعدام في العالم، بعد الصين. وطبقاً لـ«منظمة حقوق الإنسان في إيران»؛ أعدمت طهران هذا العام أكثر من 500 شخص.
ويشكّل ملف إيران النووي نقطة خلاف أساسية بين الجمهورية الإسلامية والغرب.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، في تسجيل مصوّر نشر الأسبوع الماضي ويعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إن المفاوضات حول الملف النووي التي كانت جارية في جنيف بين إيران ودول كبرى، «توقفت؛ ولكننا لن نعلن ذلك».
ويتهم خصوم إيران؛ بينهم دول عربية، الجمهورية الإسلامية بمحاولة مدّ نفوذها في الشرق الأوسط، عبر حلفائها في لبنان والعراق، والتدخّل في النزاعين السوري واليمني.
من جهة أخرى؛ عزّزت إيران مؤخراً علاقتها مع موسكو وزوّدت القوات الروسية بمسيّرات بتكلفة زهيدة استخدمت في هجمات على كييف وغيرها من المدن الأوكرانية، مما أثار تنديداً دولياً.
على الرغم من ذلك؛ فإن التحدي الأكبر الذي تواجهه الجمهورية الإسلامية يوجد اليوم في الداخل الإيراني.
وقال الباحث في «مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي»، كريم سجاد بور، لصحيفة «فورين أفيرز» الأميركية: «لم يسبق أن بدا النظام الإيراني في سنواته الـ43 أكثر ضعفاً» من اليوم.
– «آلة قمع»
وتتصدّى السلطات للاحتجاجات بما وصفتها منظمة العفو الدولية بـ«آلة قمع»، وتستخدم الرصاص الحي، وتلجأ إلى توقيفات واسعة النطاق.
وتقول «منظمة حقوق الإنسان في إيران» إن 476 شخصاً في الأقل؛ بينهم 64 تقل أعمارهم عن 18 عاماً، قتلوا في جميع أنحاء البلاد بأيدي قوات الأمن خلال قمع المسيرات المناهضة للنظام.
وأسفر قمع المظاهرات عن اعتقال نحو 14 ألف شخص؛ وفق الأمم المتحدة، بينهم شخصيات فنية وثقافية مثل مغني الراب توماج صالحي الذي يمكن أن يحكم عليه بالإعدام في حال أدين، والممثلة ترانه عليدوستي التي نشرت سلسلة منشورات عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم الاحتجاجات، ونزعت حجابها، وندّدت بإعدام محتجين.
وفي إحصائية قريبة، تقول «وكالة نشطاء حقوق الإنسان (هرانا)» إن عدد القتلى وصل إلى 507 أشخاص في صفوف المحتجين؛ من بينهم 69 طفلاً. ويقدر عدد المعتقلين بـ18533 شخصاً في 161 مدينة و144 جامعة هزتها الاحتجاجات. وقتل 66 عنصراً من قوات الأمن؛ غالبيتهم من ميليشيا «الباسيج»، في الاشتباكات مع المتظاهرين. وأصدر القضاء الإيراني حتى الآن 9 أحكام بالإعدام مرتبطة بالاحتجاجات؛ غير حكمي الإعدام اللذين تم تنفيذهما.
ووفق «منظمة حقوق الإنسان في إيران»، يواجه نحو 100 شخص اتهامات تعرضهم لاحتمال صدور أحكام بالإعدام بحقهم. رغم ذلك، فإن أميري مقدّم يقول إن «استراتيجية نشر الخوف عبر الإعدامات فشلت»، وزادت من الغضب الشعبي.
لكن كل هذا لا يعني أن النظام على وشك السقوط؛ وفق شادي صدر. وتقول: «تفكيك نظام على غرار الجمهورية الإسلامية مهمة بالغة الصعوبة»، متطرّقة إلى «عناصر مفقودة» تحول دون النجاح في هذه المهمة؛ بينها «تنظيم أفضل للمحتجين، واستجابة دولية أقوى».
– «سننتصر»
وخلافاً للتحرك الذي قاده الخميني لإطاحة الشاه في سبعينات القرن الماضي، لا يوجد قائد للحركة الاحتجاجية الحالية. لكن أعرابي يشير إلى شخصيات من مناطق مختلفة تشكّل مصدر إلهام للمحتجين؛ بينهم الناشط في الدفاع عن حرية التعبير، حسين رونقي، الذي أُطلق سراحه في نوفمبر بعدما أضرب عن الطعام شهرين، والمعارض البارز مجيد توكلي الذي لا يزال قابعاً في الحبس، والناشطة المخضرمة في الدفاع عن حقوق النساء فاطمة سبهري.
ويقول أعرابي: «هذه الاحتجاجات ليست بلا قيادة»؛ لأن المتظاهرين يتحركون على أساس أنهم «في خضم ثورة لا رجعة فيها».
من سجن «إيفين» في طهران، أكدت الناشطة الحقوقية نرجس محمدي، التي اعتقلت قبل بدء الاحتجاجات، «مواصلة النضال». وجاء في رسالة سلّمتها عائلتها إلى البرلمان الأوروبي: «أنا واثقة بأننا سننتصر».

المصدر: الشرق الأوسط