النيابة العامة الليبية لتعقب «جرائم الفساد» في السفارات بالخارج

صعد النائب العام الليبي، من وتيرة التحقيقات لكشف «المتورطين في قضايا فساد» التي تضمنها تقرير ديوان المحاسبة الأخير، بحق جهات حكومية ودبلوماسية عديدة، وأمر أمس، بحبس رئيس بعثة ليبيا لدى جمهورية أوغندا السابق، لاتهامه بـ«تبديد المال العام»، كما وجه بالبحث عن مسؤولين آخرين لاتهامهم بالتهمة ذاتها.

وفيما تعهدت النيابة العامة، بالاستمرار في «مكافحة جرائم الفساد وضبط مرتكبيها»، قال مكتب النائب العام المستشار الصديق الصور، إن التحقيقات الجارية فيما كشفت عنه تقارير فحص ومراجعة العمل الإداري والمالي المسند إلى رئيس بعثة ليبيا لدى أوغندا بين عامي 2013 و2017 أظهرت وقوع «مخالفات مالية جسيمة».

وأوضح مكتب النائب العام في بيان مساء أمس، أنه تبين للنيابة العامة، «تَعَمد المتهم التصرف في مائتين وخمسين ألف دولار بالمخالفة لمقتضيات التشريعات الناظمة لأوجه صرف المال العام»، كما أسندت النيابة إلى المتهم «تعمده إلحاق الضرر بالمال العام؛ والإسهام في ارتكاب واقعة تحقيق منافع مادية غير مشروعة لغيره تمثلت في سبعمائة وستين ألف دولار».

وانتهت النيابة العامة إلى أن المتهم «خالف حدود اختصاصاته بمنعِه المراقب المالي من أداء العمل المكلف به؛ وبذلك انتهى المحقق إلى الأمر بحبس احتياطي على ذمة القضية».

وجاء قرار النيابة الليبية بحبس رئيس البعثة السابق في أوغندا، عشية الأمر بتوقيف مسؤولين تابعين للبعثة الدبلوماسية للبلاد في قطر احتياطياً على ذمة التحقيق، وذلك لاتهامهما بـ«إساءة وظيفتهما وتحصيل عشرات الآلاف من النقد الأجنبي لهما ولغيرهما».

كما أمرت بحبس ثلاثة رؤساء سابقين للبعثة الدبلوماسية لليبيا في أوكرانيا، الذين تولوا وظيفتهم بين عامي 2012 و2019؛ وذلك في إطار التعاطي مع «وقائع الفساد التي تضمنتها تقارير فحص ومراجعة العمل الإداري والمالي للبعثة».

وتعاني ليبيا بشكل عام من تغول الفساد بكل صنوفه منذ سنوات في غالبية القطاعات الحكومية، كما طال وزراء ومسؤولين كباراً في الدول، أُدخل بعضهم السجن بتهمة التربح وتبديد المال العام.

واحتلت ليبيا في تقرير العام الماضي المرتبة 173 من أصل 180 متراجعة 5 مراكز مقارنة مع عام 2019 الذي كانت تحتل فيه المرتبة 168. وتتنوع أشكال الفساد من التربح من المال العام، والحصول على عمولات، والازدواج الوظيفي، بشكل وصف بأنه «موجات عاتية تستهدف التربح بشكل غير مسبوق».

وقال مصدر بالنيابة العامة، لـ«الشرق الأوسط» إنها «لن تتغافل عن أي بلاغ يصل إليها للتحقيق في شبهات تربح من المال العام»، لافتاً إلى أن «السطو على أموال الدولة لا يسقط بالتقادم، لذا ستظل تواجه الجميع متى توافرت الأدلة على ذلك».

في السياق ذاته، أمر النائب العام بضبط رئيس بعثة ليبيا في جنوب أفريقيا وسلفه، بجانب حبس المراقب المالي بالبعثة احتياطياً بتهمة «الفساد المالي، بالتآمر للحصول على أموال من النقد الأجنبي بالمخالفة لأوجه صرف مخصصات البعثة».

وأوضحت النيابة العامة، أنها «حركت الدعوى العمومية في مواجهة رئيس بعثة ليبيا لدى أفريقيا وسلفه والمراقب المالي بالبعثة، ومباشرة إجراءات التحقيق إزاء ما ظهر في التقارير الرقابية من تجاوزات شابت الإجراءات الإدارية والمالية الموكل إليهم اتخاذها».

ولفتت إلى أن «استقصاء الأمر أسفر عن تعمدهم الإضرار بالمال العام والمصلحة المعهودة إليهم»، مشيرة إلى أنه «عقب استجواب المراقب المالي وتقييم الأدلة القائمة قبله، أصدر النائب العام أمره بحبسه احتياطياً، والمضي في طلب استيفاء بقية الإجراءات، ووجه الجهات الضبطية بالعمل على ضبط وإحضار بقية المتهمين».

وتتعدد في ليبيا أبواب الفساد، نظراً لما يراه مختصون «ضعف قبضة الدولة» وعدم تفعيل المحاسبة إلا ما يتكشف للنيابة العامة. بينما أوضح المصدر القضائي، أن التحقيقات «من المفترض أن تجرى مع جميع الجهات التي تضمنها تقرير ديوان المحاسبة دون استثناء حفاظاً على أموال الدولة، ودعماً للشفافية».

ومنذ عام 2012 تراجع ترتيب ليبيا إلى الأسوأ، وصولاً إلى تصنيفها من بين الدول العشر الأكثر فساداً وفقاً لـ«مؤشر مدركات الفساد»، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية هذا العام. وهو ما دفع نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية والتعاون الدولي في حكومة «الوحدة» المؤقتة التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة إلى القول في فعالية سابقة، إن «الفساد يتفشى في ليبيا بشكل كبير».

وسبق لديوان المحاسبة الكشف عن مخالفات بوزارة الخارجية التابعة لحكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، تتعلق بـ«تقييم مدى كفاءة وفاعلية معايير وآليات اختيار البعثات الدبلوماسية في الخارج»، وأشار في حينها أنه توصل إلى عديد النتائج ومنها «مخالفة التشريعات النافذة فيما يتعلق بالتعيين الاستثنائي في السلك الدبلوماسي والقنصلي، إذ يتم التعيين تحت مسميات مستحدثة لموظفين دبلوماسيين من خارج قطاع الخارجية».

المصدر: الشرق الأوسط