انقسام في السودان على مشروع اتفاق سياسي بين المعارضة والعسكريين

يتزامن إعلان تحالف المعارضة السودانية عملية سياسية تُنهي الحكم العسكري، مع ذكرى «حادثة الخرطوم بحري» 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2021، ليتوافد آلاف السودانيين إلى المكان نفسه لكنهم منقسمون: «بين المطالبة بمحاسبة الذين كانوا خلف تلك الحادثة المأساوية وبين المُنادين بعملية سياسية تعيد المسار الديمقراطي»، فمساء أمس أعلن تحالف المعارضة «الحرية والتغيير»، في مؤتمر صحافي، توصُّله لاتفاق مع العسكريين يُنهي الحكم العسكري، وتتشكل بموجبه حكومة مدنية تُنهي سيطرة العسكريين على الحكم، ويرجئ قضايا؛ من بينها قضايا العدالة، بما فيها قضايا شهداء الثورة، لمزيد من التشاور وتكوين لجان مع أصحاب المصلحة وأُسر الشهداء، وقالوا إن اتفاقهم لا يعني «الإفلات من العقاب».

لكن الاتفاق يتقاطع مع إصرار المحتجّين ولجان المقاومة والحزب الشيوعي، فيصفونه بأنه «هبوط ناعم»، بل «تجريب للمجرب» وشرعنة للحكم العسكري، ويرفضونه بشكل قاطع، ويعتبرون دُعاته في مرتبة واحدة من العكسريين، وفي الوقت نفسه يرفضه «أنصار نظام الرئيس المعزول» وطيف من مؤيديهم من التيار الإسلامي والمتشددين.

وقال الحزب الشيوعي، في كلمة صحيفته الرسمية «الميدان»، صبيحة الإعلان عن الاتفاق، إن من أطلق عليهم «جماعة الهبوط الناعم» استأثروا بـ«محاصصة رخيصة بمقاعد رئيس مجلس الوزراء وكل القيادات العليا والوسيطة في الخدمة المدنية ولاة الولايات». وتابع: «انقلبوا على مواثيق الثورة، وسعوا لتصفيتها ووقفوا بذلك في خندق واحد مع اللجنة الأمنية، من استخدام كل أساليب القمع والتصدي الوحشي للمواكب السلمية».

ونقلت تقارير صحافية عن عضو قيادته كمال كرار إن حزبه سيعمل على إسقاط حكومة التسوية حال تشكيلها.

ولا تقتصر حالة الانقسام بين تحالف قوى إعلان «الحرية والتغيير»، والقوى التي يقودها الحزب الشيوعي وأنصار البشير، بل تتباين المواقف داخل التحالف المعارض نفسه، فحزب البعث العربي الاشتراكي «الأصل» هو الآخر ورغم كونه جزءاً من التحالف، فقد بدا متردداً في القبول الكامل لما أعلن عنه.

ووصف المتحدث باسمه عادل خلف الله بأن ما أعلن عنه بأنه مجرد «إطار» لم يحدث عليه اتفاق بعدُ، وإن موقفه حزبه النهائي سيتحدد وفقاً للمحصّلة النهائية التي يجري التوصل إليها. وقال: «لم يجرِ توقيع أي شيء، وقد سلَّمنا المجلس المركزي ملاحظاتنا على ملاحظات العسكريين، وعلى الإعلان السياسي المرافق، وننتظر الخلاصة النهائية لنحدد موقفاً نهائياً».

من جهة أخرى، شنّ أنصار الرئيس المعزول عمر البشير هجوماً عنيفاً على الاتفاق، واعتبروه إنفاذاً لأجندة أجنبية، وتوعّدوا بإسقاطه. وقال المتحدث باسم «مبادرة أهل السودان»، وهي المبادرة المدعومة من حزب المؤتمر الوطني هشام الشواني على صفحته على «فيسبوك»، إن مشروع دستور نقابة المحامين الذي تقوم عليه التسوية دستور أعدَّه الأجانب، وإنهم يقدمون بديلاً وطنياً عنه، وفي سبيل ذلك يدعون لموكب رفض، غداً السبت. وبعد صمت طويل، دخل زعيم طائفة الختمية الدينية، ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد عثمان الميرغني، ساحة الصراع على الموقف من التسوية المرتقبة، ووصفها بأنها «مستعجلة»، في الوقت الذي ينقسم فيه الحزب الذي يقوده، بين ولديه محمد الحسن وجعفر، فالأول وقّع الإعلان السياسي وأعلن دعمه للاتفاق، فيما رفضه الثاني وأعلن انحيازه لمجموعة كتلة التحول الديمقراطي الرافضة للاتفاق.

الميرغني الذي صمت طويلاً وغاب عن المشهد السياسي في البلاد مكانياً وزمانياً، ناصَرَ، في تصريحاته، نجله جعفر المناوئ للاتفاق والمقرَّب من العسكريين وجماعة اتفاقية جوبا.

ولم يقتصر الانقسام على الأحزاب السياسية، بل طال القوى الموقِّعة على اتفاق سلام جوبا، فكل من رئيس تجمع قوى تحرير السودان القائد الطاهر أبو بكر حجر وعضو مجلس السيادة، ورئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس وعضو مجلس السيادة، يحتفظان بموقعهما في تحالف «الحرية والتغيير»، في الوقت الذي يمارس فيه عضو مجلس السيادة ورئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان مالك عقار، صمتاً لئيماً.

لكن مشروع الاتفاق يجد تأييداً غير محدود من المجتمع الدولي وبعض المجتمع الإقليمي، وترعاه دول الرباعية الدولية المكوَّنة من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية وبريطانيا ودولة الإمارات، بجانب الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة «يونيتامس» والاتحاد الأفريقي وإيقاد، وتتولى تسهيل العملية السياسية، إلى جانب دول الاتحاد الأوروبي.

وقال الاتحاد الأفريقي، على صفحته الرسمية في «فيسبوك»، أمس، إنه أدار نقاشاً مهماً، صباح أمس، شارك فيها سفراء الاتحاد الأوروبي وتحالف المعارضة «الحرية والتغيير» – المجلس المركزي، أعلنوا خلالها دعمهم العملية السياسية، ووصفوها بأن من شأنها «أن تستأنف الانتقال الديمقراطي الشامل».

المصدر: الشرق الأوسط