بعد أوكرانيا وغزة … فنزويلا وغويانا و”حلفائهما” في الخلفية … هل تقرع طبول الحرب في أمريكا اللاتينية؟

فنزويلا وغويانا، الجارتان التاريخيتان صاحبتا العلاقات المعقدة والموتورة، ضربتا موعدا جديدا مع نزاع قديم جديد، من شأنه لو اشتعل ان يشعل معه جنوبي القارة الآمريكية بمجمله.

النزاع المستحدث يدور حول منطقة إسيكويبو، التي أثبتت الحفريات انها غنية بالمعادن والنفط وغيرها من المواد الاولية.

وقبل الغوص في خلفيات وماهيات الصراع الحالي، نظرة سريعة على علاقة فنزويلا بتلك المنطقة، الجزء من غويانا، ولماذا تسعى كاراكاس “لإعادة” ضمها؟

ما هي منطقة إسيكويبو؟

تبلغ مساحة إسيكويبو نحو 160 ألف كلم مربع، وتعد 125 ألف نسمة. وتعتبر فنزويلا أن نهر إيسيكويبو الواقع (شرق) يمثل حدوداً طبيعية تم الاعتراف بها منذ 1777 إبان الإمبراطورية الإسبانية.

لكن غويانا تؤكد من جهتها أن حدود إيسيكويبو رسّمتها لجنة تحكيم في 1899، إبان خضوعها للاستعمار البريطاني.

في الخلفية الجيوسياسية، تحظى غويانا بدعم الولايات المتحدة، التي تنشر فيها عددا صغيرا من المستشارين العسكريين، بموجب اتفاق شراكة عسكرية تحت عنوان “التعاون في الكوارث الطبيعية وصدّ ومحاربة شبكات التهريب”. إذا، باتت المنطقة، إضافة إلى كونها “مطلبا قوميا” فنزويليا، جزءا من الصراع الإقليمي ولعبة شد الحبال بين كاراكاس وواشنطن.

دور محتمل لروسيا والصين؟

وبعد الاكتشافات النفطية التي أعلنت عنها شركة “إيكسون موبايل” الأميركية منذ 2015، أعلن الرئيس الفنزويلي تنظيم استفتاء في البلاد بشأن إعادة ضم إسيكويبو، وبعد ذلك وقع على عدد من المراسيم التي تمهد لذلك، حتى انه أنشأ “لجنة الدفاع عن إسيكويبو” وأمر بإصدار خرائط جديدة معدلة لفنزويلا تشمل المنطقة المذكورة. ومن ضمن الاجراءات، من المقرر تأسيس أقسام فرعية لشركة النفط الوطنية خاصة لمنطقة إسيكويبو.

من جهتها، اعتبرت غويانا قرار فنزويلا ضم إسيكويبو تهديدا لسلامة أراضيها، ما من شأنه أن يصعد من خطر اندلاع نزاع مسلح بين الجارتين. لكن وفقا لمتابعين لشأن أمريكا اللاتينية، لا تبدو فنزويلا قادرة او جاهزة الآن لضم هذه المنطقة الشاسعة، فضلا عن أنه سيكون من الصعب عليها نشر قطعاتها العسكرية هناك نتيجة المساحة والطبيعة الجغرافية للمنطقة، ما سيجعل من الصعب على اي فرقة عسكرية الدفاع عن مقراتها بوجه قوات مدافعة تعرف المنطقة.

قد تلجأ كاراكاس لمساعدة بكين وموسكو، حليفتيها التقليديتين، الوصول الى تسوية بخصوص النزاع. ولكن حتى لو تمكنتا من ذلك، فسيكون الإعتراف الدولي بسلطة فنزويلا على إسيكويبو صعبا، إذ من المؤكد انه سيصطدم بمجلس الامن، وتحديداً الدول الغربية الواقفة على نقيض فنزويلا وحلفائها. وماذا لو أرادت كل من الصين وروسيا إشعال فتيل الأزمة لإغراق الولايات المتحدة في نزاع جديد على حدودها الجنوبية، كيف سيكون الوضع حينها على مستوى المنطقة اللاتينية؟

البرازيل والأمن الإقليمي والحذر من التواجد الأمريكي

خطر آخر من الممكن ان تثيره خطوة فنزويلا المحتملة، وهو دخول البرازيل على خط الأزمة عسكريا، نظرا لمصالحها الجيوسياسية في المنطقة وانطلاقا من رفضها لأي نزاع مسلح في القارة اللاتينية، خصوصا على حدودها، لما قد يجلبه من تدخل عسكري أمريكي محتمل. ولما لا، قد يكون لها مصالح خاصة في الثروات المكتشفة في إسيكويبو والتي قد تدفعها للوقوف بوجه الحليفة “حاليا”، فنزويلا.

وكانت البرازيل قد دفعت بتعزيزات عسكرية على الحدود مع غويانا تحسباً لأي تصعيد، ورفضا لأي تحرك عسكري لفنزويلا، مشدّدة على الدبلوماسية كخيار لحل النزاع.

ويبدو أن الهواجس البرازيلية باتت حقيقة، مع إعلان السفارة الأمريكية في غويانا، الخميس الماضي، أنّ الولايات المتحدة ستجري مناورات عسكرية جوية بالتعاون مع جيش غويانا، لدرء التهديدات الفنزويلية، ولمواجهة ما تعتبر واشنطن نفوذا متناميا للصين وروسيا في المنطقة.

وجاء في بيان السفارة “بالتعاون مع قوات الدفاع غويانا، ستجري القيادة الجنوبية للولايات المتحدة (ساوث كوم) مناورات جوية في السابع من ديسمبر”.

مع كل ما سبق، يبدو أن صراعا جديدا بدأ يختمر في أمريكا اللاتينية هذه المرة، وإذا لم تتمكن الدبلوماسية من تفكيك عناصره، فإنه قد يدخل المنطقة في دوامة من العنف غير محسوبة العواقب ولا النتائج، على جميع أطرافها.

المصدر: مونت كارلو الدولية