تونس: هل يمنح الدستور الجديد سلطات مطلقة لقيس سعيد ويحصنه من المساءلة؟

خروج رئيس الهيئة الاستشارية، لصياغة الدستور في تونس، الصادق بلعيد عن صمته، وقوله إن “نص الدستور الذي نشر في الجريدة الرسمية والمعروض للاستفتاء، لا يمت بصلة لنص الدستور الذي أعدته الهيئة” وقدمته للرئيس قيس سعيد، أحدث اصداء داخل تونس وخارجها، وجدد الجدل حول نظام الحكم، الذي يسعى إليه الرئيس التونسي قيس سعيد، عبر الدستور الجديد ،الذي سيعرضه للاستفتاء في الخامس والعشرين من تموز/يوليو الجاري.

كلام الصادق بلعيد، جاء في رسالة نشرها،عبر صحيفة الصباح التونسية، وأرفقها بمسودة الدستور الأصلية، التي كانت الهيئة قد أعدتها وسلمتها للرئيس، مشيرا إلى أن المسودة،التي نشرتها الجريدة الرسمية، تبدوا مختلفة تماما عن المسودة الأصلية، قائلا إن الهيئة “بريئة تماما من المشروع الذي طرحه الرئيس للاستفتاء”.

وفي رسالته لصحيفة الصباح يقول بلعيد إن “التحويرات الجزئية والطفيفة مقبولة عموما” لكن “الأمر يختلف كليا في صورة إدخال تحويرات جذرية في الأصل، وفي روح النص الذي قدمناه، كما كان الحال بكل أسف في المشروع الذي طرحته الرئاسة في الجريدة الرسمية”.

وينتقد بلعيد أيضا ضمن ما ينتقد “انتفاء المسؤولية السياسية لرئيس الجمهورية” وفق المسودة التي أعلن عنها، وهو يعتبر أنها تمهد لـ “نظام جهوي وإقليمي مريب ومبهم وغامض ينذر بمفاجآت غير حميدة مستقبلا”، ناهيك عن “غياب” البعد الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي عن المسودة الجديدة.

ورغم خروج رئيس هيئة الدستور بنفسه، ليدين ماوصفه بتحريف المسودة الأصلية، التي أعدتها هيأته، وليندد بما تتضمنه المسودة المعلنة رسميا من عيوب، فإن العديد من الأحزاب والتيارات المقربة من الرئيس قيس سعيد، ماتزال تدافع عن مسودة الدستور الجديد، وترى فيه سبيل الخلاص الوحيد من الوضع الراهن في تونس، باتجاه إنقاذ البلاد.

ورحبت عدة قوى سياسية داعمة لمسار 25 تموز/يوليو 2021 على غرار حزب “تونس إلى الأمام”، و”التيار الشعبي” و”حركة الشعب”، بالدستور الجديد الذي قالت إنه “يستجيب لتطلعات الشعب ويقطع مع دستور 2014، كما عبرت،عن مساندتها للاستفتاء واستعدادها لدعمه والمشاركة فيه.

غير أن الجانب الأكبر، من السياسيين والحقوقيين في تونس، يقفون موقف المعارض والمندد، بمسودة الدستور الجديد كما تم إعلانها رسميا، وهم يؤكدون على أنها تمنح الرئيس قيس سعيد، صلاحيات واسعة وغير مسبوقة وتجعله يقبض بيديه،على مهام رئيس الدولة ودور رئيس الحكومة، في آن واحد، مع حصانة من المحاسبة السياسية.

ويعتبر المعارضون للمسودة كما تم إعلانها رسميا،أن الصلاحيات التي تمنحها للرئيس، تكاد تكون مطلقة ولا تحد منها أية سلطة رقابية، سواء البرلمان أو حتى المحكمة الدستورية، والتي باتت مجالات تدخلاتها وفق حديثهم محدودة، مقارنة بدستور عام 2014، وهو ما يضفي على سلطات الرئيس حصانة مطلقة، من أي مساءلة سياسية.

سلطات مطلقة

وفي قراءتهم لمسودة الدستور الجديد، يرى قانونيون تونسيون، أن الباب الرابع من المسودة، يظهر بوضوح، ذلك التركيز الشديد لكافة السلطات التنفيذية بيد الرئيس، في وقت باتت فيه الحكومة مجرد أداة تنفيذية، يعينها ويعفيها بأوامر منه، وفقا للفصلين 101 و102 وينحصر دورها في تطبيق سياسات الرئيس وتوجهاته، ومساعدته في ممارسة السلطة التنفيذية وفق الفصل 87 .

ووفقا للدستور الجديد أيضا، فإن الرئيس بإمكانه حل البرلمان بغرفتيه، أي مجلس نواب الشعب ومجلس الأقاليم، كما يمكنه تقديم مبادرات تشريعية، وإصدار مراسيم، إثر تفويض من مجلس نواب الشعب، أو أثناء العطلة البرلمانية، أو على إثر حل المجلس، ولا تتوقف صلاحيات الرئيس الجديد عند هذا الحد، بل هو يحتكر حق العفو الخاص، كما يحق له حسب الفصل 97 تعديل النظام السياسي، أو صلاحيات السلطات العمومية، بمقتضى قانون يقترحه ويعرض على الاستفتاء.

لكن ما يلفت له السياسيون والقانونيون، من معارضي الدستور الجديد، هو خطورة تحصين الرئيس، من أي محاسبة، حيث تقع المسؤولية برمتها على كاهل الحكومة، رغم طبيعة مهامها الأساسية رغم أنها مهام تنفيذية بحتة.

وبعيدا عن المؤيدين والمعارضين لدستور قيس سعيد الجديد، من الأطراف والقوى السياسية، تبقى الكلمة الفصل للشارع التونسي، خلال الاستفتاء الذي ستشهده البلاد على هذا الدستور، في الخامس والعشرين من تموز/يوليو الجاري.

المصدر: بي بي سي عربي