سنتين على الحرب.. هل تستطيع روسيا مواصلة تحمل تكلفة الحرب ضد أوكرانيا؟

This grab taken from video released by the head of the Russian-controlled Donetsk region Denis Pushilin's telegram channel on Sunday, Feb. 25, 2024, shows damaged buildings, after Russian forces completed their takeover of Avdiivka, eastern Ukraine. Russian-controlled Donetsk region. (Head of the Russian-controlled Donetsk region Denis Pushilin telegram channel via AP)

عادت أخبار الحرب الأوكرانية – الروسية، لتحتل حيزاً مهماً في صدارة الأخبار العالمية، بعد التقدم الميداني الذي أحرزته القوات الروسية على جبهات القتال، في الآونة الأخيرة. ومع توالي سقوط العديد من المدن والبلدات الأوكرانية، بعد سيطرة القوات الروسية على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية، عشية مرور سنتين على بدء ما تصر موسكو على تسميته «عملية خاصة»؛ تصاعدت التحذيرات الأوكرانية من احتمال أن يؤدي تراجعها في ظل استمرار النقص الذي تعانيه في إمداداتها العسكرية والبشرية، إلى إحداث تحول في المواجهة، ستكون له عواقب كبيرة، ليس فقط عليها، بل على القارة الأوروبية برمتها.

بيد أن تكلفة «الإنجازات» التي تحققها القوات الروسية، تطرح أيضاً تساؤلات عن مدى قدرة روسيا على تحمل هذا النوع من التكلفة البشرية والعسكرية، لتحقيق مكاسب صغيرة في ساحات المعركة. وبحسب تقديرات (تختلف باختلاف الطرف الذي يتحدث عنها)، فقد كلفت السيطرة على مدينة أفدييفكا، القوات الروسية خسارة ما يقرب من 15 ألف رجل.

ومنذ بداية الحرب قبل سنتين، أصيب أو قُتل مئات الآلاف من الجنود الأوكرانيين والروس، بمن في ذلك عشرات الآلاف من الروس العام الماضي في معركة السيطرة على مدينة باخموت، شرق أوكرانيا، ومارينكا إلى الجنوب، في يناير (كانون الثاني)، بعد قتال عنيف ومزيد من الخسائر. بيد أن معركة إسقاط أفدييفكا، كانت من بين الأكثر تكلفة. وتشير تقديرات لا يمكن التحقق من صحتها بعد، من محللين عسكريين ومدونين موالين لروسيا ومسؤولين أوكرانيين، إلى أن موسكو فقدت فيها عدداً أكبر من القوات، مقارنة بما خسرته خلال 10 سنوات من الحرب في أفغانستان في الثمانينات. وبحسب الأرقام الروسية عن تلك الحرب، فقد قُتل نحو 15 ألف جندي سوفياتي.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن روب لي المحلل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، قوله إنه «على الرغم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها روسيا في أفدييفكا، فإنها لا تزال تتمتع بميزة القوة البشرية على طول الجبهة ويمكنها مواصلة الهجمات في اتجاهات متعددة».

وذكرت وزارة الدفاع الروسية الثلاثاء أن قواتها أحرزت مزيداً من التقدم في شرق أوكرانيا بالسيطرة أيضاً على‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬قرية سيفيرني قرب أفدييفكا. وقالت الوزارة في بيان إن القوات الروسية استولت على سيفيرني وتمكنت من «احتلال مواقع ومراكز أفضل من الناحية الاستراتيجية»، وشنت هجمات على تجمعات للقوات الأوكرانية والعتاد العسكري بالقرب من ثلاث مناطق سكنية أخرى.

وجاء الاستيلاء على أفدييفكا بعد قتال على مدى أشهر، وهو أول مكسب كبير لروسيا منذ السيطرة على مدينة باخموت‭‭‭‭‭ ‬‬‬‬‬المدمرة في مايو (أيار) الماضي. وأضافت وزارة الدفاع أن القوات الروسية دمرت أيضاً دبابة من طراز «أبرامز» زودتها بها الولايات المتحدة. وقال مسؤولون روس إنها أول ضربة من نوعها منذ أن بدأت واشنطن في تزويد أوكرانيا بهذه الدبابات في سبتمبر (أيلول) الماضي. وبعد النجاحات الكبيرة التي حققتها أوكرانيا في صد الجيش الروسي في عام 2022، عانت من انتكاسات في الشرق في الآونة الأخيرة؛ إذ شكا جنرالات من نقص الأسلحة والذخيرة. وتسيطر روسيا على نحو خُمس الأراضي الأوكرانية المُعترف بها دولياً. وأكد الجيش الأوكراني الاثنين انسحابه من قرية لاستوشكين بالقرب من أفدييفكا، قائلاً إن هذه الخطوة ستساعده على كبح تقدم القوات الروسية غرباً.

تشكيك في أرقام زيلينسكي

وفي تصريح نادر عن التكلفة البشرية التي دفعتها أوكرانيا من قوتها العسكرية، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يوم الأحد إن 31 ألف جندي أوكراني قُتلوا، منذ بدء الحرب. وهو ما أثار العديد من الشكوك أيضاً في صحة هذا الرقم، وخصوصاً أن رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كانت أشارت نهاية العام الماضي، إلى مقتل ما يزيد على 70 ألف جندي.

ومنذ بداية الغزو، كانت روسيا على استعداد لدفع تكلفة باهظة بشكل خاص للتقدم في منطقة شرق أوكرانيا المعروفة باسم دونباس. ويقول بعض المحللين العسكريين إن السيطرة الكاملة على منطقة دونباس هي الحد الأدنى الذي تحتاجه الحكومة الروسية لتقديم غزو أوكرانيا على أنه انتصار في الداخل. ويضيف هؤلاء أن التكلفة الباهظة للجرحى والقتلى كانت مجرد نتيجة ثانوية لاستراتيجية حققت هدفها إلى حد كبير، على الرغم من خسارة الرجال والعتاد، خاصة مع تضاؤل ​​المساعدات العسكرية الغربية والذخيرة لأوكرانيا، حتى الآن.

وكتب المحلل العسكري الروسي، رسلان بوخوف، الأسبوع الماضي، أن الهجوم على أفدييفكا كان جزءاً من استراتيجية روسية أوسع للضغط على القوات الأوكرانية على طول خط المواجهة البالغ طوله نحو ألف كيلومتر باستخدام الموجات البشرية لإرهاق العدو. ورغم ذلك، قال بوخوف إن «مثل هذه الاستراتيجية مكلفة للغاية بالنسبة للقوات المسلحة الروسية من حيث الخسائر، مما قد يؤدي إلى استنزافها، وهذا بدوره يمكن أن يمنح الجانب الأوكراني زمام المبادرة مرة أخرى».

«وفاة» مدوّن روسي شكك في الحرب

وفي منشور نُشر على تطبيق المراسلة «تلغرام» في 18 فبراير (شباط) الحالي، نقل مدون عسكري روسي مؤيد للحرب عن مصدر عسكري مجهول، زعمه أنه منذ أكتوبر (تشرين الأول)، تكبدت القوات الروسية 16 ألف خسارة بشرية «لا يمكن تعويضها»، بالإضافة إلى 300 مركبة مدرعة في الهجوم على أفدييفكا. وكتب المدون أندريه موروزوف الذي عُثر عليه ميتاً يوم الأربعاء الماضي، أن القوات الأوكرانية تكبدت ما بين 5 و7 آلاف من الخسائر البشرية التي لا يمكن تعويضها في المعركة. وأوضح أنه قرر نشر خسائر أفدييفكا لمحاسبة القادة الروس على ما عدّه حملة دموية لا داعي لها. وحذف منشوره بعد يومين، مدعياً في سلسلة من المنشورات اللاحقة أنه تعرض لضغوط للقيام بذلك من قبل القادة العسكريين الروس والدعاية في الكرملين.

وعلى الرغم من خسائرها في أفدييفكا، يتوقع المسؤولون الأميركيون أن تستمر روسيا في الضغط على القوات الأوكرانية عبر أجزاء متعددة من خط المواجهة، على أمل أن تتدهور وحدات كييف. فالهزيمة في ساحة المعركة، إلى جانب انخفاض الروح المعنوية، التي تفاقمت مع فشل الولايات المتحدة في الاستمرار في إمدادها بالذخيرة، قد يمنحان الكرملين الفرصة لاستغلال الوضع على الأرض.

ومع ذلك، قال هؤلاء المسؤولون إن الجيش الروسي ليس لديه نوع من قوات الاحتياط التي يمكنها استغلال الدفاعات الضعيفة التي نتجت عن الانسحاب من أفدييفكا على الفور. وقدرت وكالات الاستخبارات الأميركية أن القيادة العسكرية الروسية كانت تأمل في إنشاء قوة قادرة على تحقيق اختراقات سريعة على الخطوط الأمامية، لكن الخطة تحطمت بسبب الحاجة إلى تعزيز دفاعاتها خلال الهجوم المضاد الأوكراني في العام الماضي.

المصدر: وكالات