لا حل في الأفق لحرب السودان… وأعداد الضحايا تزداد يومياً

دخلت الحرب بين الجيش السوداني، وقوات «الدعم السريع»، شهرها الخامس، دون أن يحقق أي منهما انتصاراً عسكرياً حاسماً أو يحقق هدفاً من أهدافه المعلَنة التي رأى الحرب وسيلة لتحقيقها. في غضون ذلك، لا يبدو حل في الأفق للحرب، في حين تزداد أعداد الضحايا يومياً، إذ قُتل نحو 4 آلاف مدني، وجُرح عشرات الآلاف، وتشرَّد نحو 4 ملايين شخص بين نازح ولاجئ، وتدمرت البنية التحتية في العاصمة الخرطوم وبعض مدن البلاد الأخرى، وسط تكهنات بتمدد ساحة الحرب إلى مناطق أخرى.

ووفقاً للتقارير، فإن الجيش لم يُفلح في «تفكيك ميليشيا الدعم السريع» والقضاء عليها، وحفظ كرامة الشعب في غضون ساعات أو أيام، كما ظلّ إعلامه يَعِد، بل تمددت قوات «الدعم السريع» وسيطرت على معظم أنحاء العاصمة وعدد من المواقع العسكرية التابعة للجيش، وفق شهادات كثير من السكان.

وقالت مصادر إن الجيش اضطر للبقاء مُدافعاً عن مقراته الرئيسية؛ وهي «القيادة العامة للجيش، وسلاح المدرعات، ومنطقة وادي سيدنا العسكرية، وسلاح الإشارة». وفي سبيل تأمين تلك المواقع أقام الجيش المتاريس حولها، وترددت أنباء أنه زرع الألغام حول هذه المقرات والمعسكرات، دون أن يُوقف ذلك محاولات هجومية من قِبل قوات «الدعم السريع» على تلك المواقع.

قوات «الدعم السريع»

أما قوات «الدعم السريع» فقد فشلت في تحقيق هدفها المعلَن، المتمثل في القضاء على «فلول الإسلاميين»، واستعادة الحكم المدني، كما يزعم إعلامها. لكن المحصّلة أن الإسلاميين تحوّلوا لقوة مقاتلة إلى جانب الجيش، ونشروا كتائبهم وميليشياتهم، مثل كتيبة البراء، وكتائب الفدائيين، وغيرها، كما استعادوا وجودهم، وبسطوا سيطرته على كثير من مرافق الدولة، بل إن قادتها الذين فرّوا من السجن بدأوا ينشطون سياسياً بشكل علني لحشد التأييد للتنظيم، تحت مزاعم دعم الجيش، بمن فيهم المطلوبون لـ«المحكمة الجنائية الدولية»، وعلى رأسهم نائب رئيس حزبهم أحمد محمد هارون.

وبجانب عدم تحقيق نصر كاسح، فإن قوات «الدعم السريع»، وفقاً لشهود وتقارير مراسلين، تسيطر فعلياً على أنحاء واسعة من مدن العاصمة المثلثة؛ الخرطوم وبحري وأمدرمان، بما في ذلك مناطق عسكرية مثل مدينة «جياد» الصناعية، و«مجمع اليرموك للتصنيع العسكري»، ومناطق ومقر الكتيبة الاستراتيجية في وسط الخرطوم، وقيادة سلاح الطيران، وفرع الرياضة العسكري، وقيادة قوات الاحتياطي المركزي، إلى جانب سيطرتها الكاملة على معظم الجسور الرئيسة والجزئية الرابطة بين مدن العاصمة الثلاث.

وتسيطر قوات «الدعم السريع» أيضاً على القصر الرئاسي ومبنى رئاسة «مجلس الوزراء» ووزارات الداخلية والخارجية وبقية الوزارات، إلى جانب منشآت حيوية استراتيجية مهمة، مثل مصفاة البترول في شمال بحري، ومستودعات الوقود في جنوب الخرطوم.

تشويه السمعة

ويتهم البعض أن قوات «الدعم السريع» استولت على منازل لمواطنين، وقامت بعمليات نهب واغتصاب، ما أدى إلى تشويه سمعتها وفقدانها الظهير الشعبي الذي كان يمكن أن يؤمّن لها الانتصار العسكري، ومن ثم تحولت من قوة تزعم أنها تريد استرداد الديمقراطية إلى قوة خسرت فرصة تحقيق مساندة شعبية.

ورغم الانتصارات التي حققتها قوات «الدعم السريع» على الأرض، فإنها فشلت في تحقيق تأييد شعبي واسع، خصوصاً في الخرطوم وإقليمي دارفور وكردفان، مما جعل شريحة من المواطنين تستجيب لدعوات الاستنفار التي دعا إليها الجيش ومناصروه من عناصر النظام المعزول الذي كان يترأسه عمر البشير مع تنظيم الإسلاميين.

كما خسرت قوات «الدعم السريع» كثيراً من التأييد الإعلامي الذي كانت تتمتع به، بعد صدور تقارير دولية عن انتهاكات ارتكبتها ضد حقوق الإنسان، فضلاً عن حذف صفحاتها الرسمية، وصفحة قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي) من منصة «فيسبوك».

ضحايا الحرب

وخلفت الحرب، التي اشتعلت في 15 أبريل (نيسان)، نحو 4 آلاف قتيل وعشرات الآلاف من الجرحى، وفقاً لـ«منظمة الهجرة الدولية»، كما فرَّ نحو 4 ملايين شخص من الحرب داخل السودان، منهم 1.2 مليون لجأوا إلى دول الجوار، ويعيش غالبيتهم في أوضاع إنسانية صعبة، وفقاً لتقرير «مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية»، الصادر في 15 أغسطس (آب) الحالي، والذي أوضح أن 2.9 مليون منهم بحاجة مُلحة لمساعدات لحفظ الحياة.

وقال المحلل السياسي حسن البشاري، على حسابه في «فيسبوك»، إن الحرب، خلال الأشهر الفائتة، أنتجت أوضاعاً إنسانية مأساوية، وأن الجيش فشل، طوال 4 أشهر، في تحقيق أي تقدم يُذكَر، ولم يستطع حماية مواطن واحد من الانتهاكات، بل فشل في حماية معسكراته المحاصَرة من قِبل قوات «الدعم السريع»، مما اضطره لاستنفار المواطنين «ليحاربوا بدلاً منه».

وأوضح البشاري أن الحرب كشفت ضعف الدولة وعدم وجود حكم فيدرالي حقيقي، قائلاً: «مع أول رصاصة في قلب العاصمة ومراكزها الحيوية، سقطت الدولة، وأصبحنا بلا حول ولا قوة، وأن وجود الولايات وحكامها مجرد وجود صوري». وأضاف أن «الحرب كشفت عدم وجود إعلام ولا إعلاميين حقيقيين. فمع انطلاق الحرب وسقوط الدولة تسيّدت الميديا ووسائط التواصل، بحسابات ملغومة تبيع للشعب الأوهام… وتصرف صكوك الوطنية لمن شاء».

وأكد البشاري أن الحرب كشفت أن «النظام البائد (نظام الرئيس المعزول عمر البشير) لا يزال موجوداً في مفاصل الأجهزة العسكرية وخارجها، وأنه يلعب دوراً رئيسياً في مجريات الحرب، ويحرك كل أدواته بالمال والإعلام لاستمرارها». وتابع أن سودان ما بعد الحرب سيكون مختلفاً، لن يحكمه العسكر أو الميليشيات مجدداً، وتنتهي فيه مركزية الحكم وسيطرة العاصمة الخرطوم على الولايات، قائلاً: «مركزية السلطة لن تقوم لها قائمة بعد الحرب». وفشلت عدة وساطات في جعل الطرفين يتوقفان عن إطلاق النار، على الرغم من توقيع الطرفين على «إعلان جدة الإنساني»، في مايو (أيار) الماضي، بوساطة سعودية أميركية.

المصدر: الشرق الأوسط