ملعب مالانغ الإندونيسي: تذاكر «فائضة» و«إفراط» أمني فتحا باب الكارثة

في حادثة هي الأسوأ في تاريخ ملاعب كرة القدم العالمية على الإطلاق، لقي 125 شخصاً على الأقل حتفهم في إندونيسيا، وفق حصيلة جديدة لاجتياح آلاف المشجعين ملعباً لكرة قدم في ختام مباراة، ما أدى إلى تدافع اضطر قوات الأمن إلى إطلاق الغاز المسيل للدموع.

ووقعت المأساة مساء السبت في مدينة مالانغ بشرق البلاد وأدت إلى جرح أكثر من 320 شخصا أيضاً في هذا الأرخبيل الواقع في جنوب شرقي آسيا ويشهد باستمرار كوارث مرتبطة بمواجهات بين مشجعي فرق كرة القدم. ودخل مشجعون لـ«أريما إف سي» إلى أرض ملعب كانجوروهان في مدينة مالانغ بعد خسارة فريقهم 3 – 2 أمام «بيرسيبايا سورابايا». كانت هذه أول مرة منذ أكثر من عشرين عاما يخسر فريق «أريما إف سي» أمام منافسه الكبير القادم من مدينة سورابايا. ومساء الأحد أعلن نائب حاكم إقليم جاوة الشرقي إيميل درداك أن حصيلة الضحايا بلغت 125 قتيلا، مصححا أرقاما سابقة كانت تشير إلى مصرع 174 شخصا، عازيا السبب إلى تعداد مزدوج لعدد من الجثث.

وقال درداك لشبكة «مترو تي في» للبث إن «حصيلة القتلى بلغت 125 تم التعرف على هويات 124 شخصاً بينما لم يجر حتى الآن التعرف على هوية شخص».

الشرطة الإندونيسية اتهمت باستخدام العنف المفرط تجاه المشجعين (أ.ب)

وتُظهر لقطات صورت داخل الملعب كمية هائلة من الغاز المسيل للدموع وأشخاصاً يتشبثون بالحواجز ويحاولون الهرب، فيما يحمل آخرون متفرجين مصابين وهم يشقون طريقهم وسط الفوضى.

وقال دوني (43 عاما) الذي كان بين المتفرجين لوكالة الصحافة الفرنسية من دون أن يذكر اسم عائلته إن «الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع فاندفع الناس على الفور وأخذوا يدفعون بعضهم البعض ما تسبب في سقوط عدد كبير من الضحايا».

وأضاف «لم يكن هناك شيء ولم تحدث أعمال شغب. لا أعرف ماذا حدث وأطلقوا فجأة الغاز المسيل للدموع ».

وقال رئيس أحد المستشفيات القريبة التي يعالج فيها ضحايا الحادث لشبكة مترو التلفزيونية إن بعض الضحايا أصيبوا في الرأس وإن القتلى بينهم طفل في الخامسة من العمر.

ويحدد الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) في قواعده للسلامة أنه لا يجب استخدام الأسلحة أو «الغاز للسيطرة على الحشود» من جانب عناصر الأمن أو الشرطة. ولم يتسن لـ«رويترز» الحصول على تعليق فوري من شرطة جاوة الشرقية عما إذا كانت تدرك هذه القواعد.

من جهته، قال الناجي سام جيلانغ الذي فقد ثلاثة من أصدقائه لقوا حتفهم تحت أقدام الحشد، لوكالة الصحافة الفرنسية إن «ما صدمني هو أنهم لم يفكروا في النساء والأطفال». ووصف الحادث بأنه «مرعب ومروع».

مشهد حزين لأقارب الضحايا في صالة انتظار المستشفى (إ.ب.أ)

وتابع «كان الناس يتدافعون، داس كثير منهم آخرين وهم في طريقهم إلى المخرج». وأضاف «شعرت بحرقة شديدة في عيني من الغاز المسيل للدموع. ولحسن الحظ، تمكنت من تسلق السياج ونجوت».

وأبلغ مفوض لجنة حقوق الإنسان في إندونيسيا «رويترز» أنها تخطط للتحقيق في تأمين الملعب واستخدام قنابل الغاز.

وقال المصاب محمد ريان (22 عاما) الذي يعالج في مستشفى محلي بعد إصابته بكسر في الذراع في الحادث وهو يبكي «فقد الكثير من أصدقائنا حياتهم بسبب الضباط الذين لم يتعاملوا معنا بإنسانية. أزهقت الكثير من الأرواح ». وتجمع مشيعون خارج أبواب الاستاد أمس الأحد لوضع باقات الزهور تكريما للضحايا.

وانتقد فرع منظمة العفو الدولية في إندونيسيا الإجراءات الأمنية قائلا: «إفراط الدولة في استخدام القوة، لاحتواء الجماهير أو السيطرة عليها في مثل هذه المواقف لا يمكن تبريره مطلقا».

وقال وزير الأمن الإندونيسي محمد محفوظ إن مدرجات الاستاد امتلأت بأكثر من سعتها، مشيرا إلى طرح 42 ألف تذكرة للبيع رغم أن الاستاد يسع 38 ألف شخص فقط. وقال عامل الإسعاف بوبي برابوو إن معظم المصابين الذين يعالجون في مستشفى كانجوروهان يعانون من الصدمة وصعوبة التنفس ونقص الأكسجين بسبب كثرة الذين تأثروا بالغاز المسيل للدموع خلال الحادث.

وقالت خوفيفة إيندار باراوانسا حاكمة مقاطعة جاوة الشرقية للصحافيين إن مساعدات مالية ستقدم للمصابين وأسر القتلى. وأشار وزير الرياضة الإندونيسي زين الدين أمالي لمحطة كومباس التلفزيونية إلى التفكير في منع الجماهير من حضور المباريات.

وأمر الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو الأحد بفتح تحقيق في أمن مباريات كرة القدم في البلاد. وقال إنه طلب «تقييما شاملا لمباريات كرة القدم والإجراءات الأمنية».

وأضاف في خطاب متلفز أنه طلب من الاتحاد الوطني الإندونيسي لكرة القدم تعليق كل المباريات إلى أن «يتم تحسين إجراءات الأمن». وتابع «أشعر بأسف عميق لهذه الفاجعة، وآمل أن تكون هذه الفاجعة المرتبطة بكرة القدم الأخيرة في بلدنا».

وصرح مدير أحد المستشفيات لقناة تلفزيونية محلية أن أحد الضحايا لم يكن يتجاوز عمره خمس سنوات.

وكان الاستاد يضم 42 ألف شخص وممتلئا بحسب السلطات. ونزل حوالي ثلاثة آلاف منهم إلى أرض الملعب ليعبروا عن غضبهم.

أمام الملعب، كان الدمار واضحا صباح الأحد ويكشف حجم الحوادث التي وقعت في اليوم السابق. فقد تناثرت مركبات متفحمة بينها شاحنة للشرطة في الشوارع. وتحدثت الشرطة عن إحراق 13 سيارة.

واعتذرت الحكومة الإندونيسية عن الحادث. وقال وزير الشباب زين الدين أمالي لتلفزيون كومباس: «نحن آسفون لهذه الحادثة إنها حادثة مؤسفة تؤذي كرة القدم لدينا بعد أن تمكن الجمهور من حضور المباريات في الملاعب» بعد انقطاع طويل بسبب جائحة (كوفيد – 19).

والموقف نفسه عبر عنه اتحاد كرة القدم في إندونيسيا الذي علق كل المباريات المقررة هذا الأسبوع. وقال رئيسه محمد إيريوان: «نحن آسفون ونعتذر لأسر الضحايا ولجميع الأطراف عن هذا الحادث».

ويمثل عنف المشجعين مشكلة في إندونيسيا، حيث تحولت المنافسات المستمرة منذ فترة طويلة إلى اشتباكات يسقط فيها قتلى. ويسود توتر بعض المباريات – أهمها المباراة بين الفريقين الكبيرين بيرسيجا جاكرتا وبيرسيب باندونغ – إلى درجة أن لاعبي الفرق الكبرى يضطرون للذهاب إلى هناك تحت حماية مشددة. ولم يُسمح لمشجعي بيرسيبايا سورابايا بشراء تذاكر المباراة خوفاً من حوادث.

وقال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) السويسري – الإيطالي إنفانتينو في بيان الأحد إن كارثة ملعب إندونيسيا «مأساة تفوق الخيال».

وأضاف أن «عالم كرة القدم في حالة صدمة بعد الأحداث المأساوية في إندونيسيا» وتحدث عن «يوم أسود لجميع محبي كرة القدم».

وأعلنت رابطة الدوري الإسباني لكرة القدم الوقوف دقيقة صمت في الملاعب قبل مباريات الدوري الأحد تكريماً لضحايا الكارثة، بينما عبر دوري الدرجة الأولى الإيطالي عبر حسابه على تويتر عن «تعازيه للضحايا وعائلاتهم وكل من تضرر من مأساة مالانغ».

وقال الأمين العام للاتحاد الوطني لكرة القدم يونس يوسي إنه تواصل مع الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» بشأن هذه الحادثة ويأمل في تجنب عقوبات من الهيئة الدولية. ويوصي «فيفا» بعدم استخدام الغاز المسيل لضبط الحشود في الملاعب.

وأضاف يوسي في مؤتمر صحافي أن أفراد الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع داخل الاستاد لأنهم «كانوا بحاجة إلى اتخاذ إجراءات لمنع» المشجعين من اجتياح أرض الملعب. وعبر الشيخ سلمان آل خليفة رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم عن أسفه لخسائر في الأرواح، مشددا على أنه مصدوم مما جرى.

وفي صلاة التبشير الملائكي الأحد في ساحة القديس بطرس دعا البابا فرنسيس للصلاة «من أجل أولئك الذين قضوا أو أصيبوا في الصدامات».

من المقرر أن تستضيف إندونيسيا مباريات كأس العالم «يو – 20» العام المقبل في عدد من الملاعب في جميع أنحاء البلاد لكن استاد مالانع ليس واحداً منها، كما أنها تنافس على استضافة كأس آسيا عام 2027 وربما يساهم هذا الحدث إلى استبعادها من القائمة التي تضم السعودية وإيران والهند.

وفي 1989 تسبب حشد في استاد هيلزبره في بريطانيا بمقتل 97 من مشجعي ليفربول.

وفي 2012 شهد ملعب بورسعيد في مصر مأساة أخرى أسفرت عن مقتل 74 شخصاً.

وفي 1964 لقي 320 شخصاً مصرعهم وجرح أكثر من ألف في تحرك للحشود في الملعب الوطني في ليما خلال مباراة بين البيرو والأرجنتين.

المصدر: الشرق الأوسط