ممر المساعدات من قبرص لغزة.. بارقة أمل للحصول على الغذاء والدواء ولكن هل يحلّ محلّ الممر البري؟

ممر بحري نحو قطاع غزة قد يخفف معاناة السكان ويمثل لهم بارقة أمل للحصول على الغذاء والدواء. لكن الأمم المتحدة ترى أن لا شيء يمكن أن يحلّ محلّ الممر البري. ويعدّ الوضع مأساوياً، خصوصا في شمال القطاع.

غادرت سفينة سواحل قبرص (الثلاثاء 12 مارس/ آذار)، حاملة على ظهرها 200 طن من الغذاء الذي يحتاجه بشدة سكان قطاع غزة. السفينة تحمل اسم “الأذرع المفتوحة” (اسم منظمة مشرفة على العملية)، صفق لها عمال الإغاثة وهي تبحر أولى الأمتار من قبرص، حيث غادرت السفينة من مدينة لارنكا الساحلية في جنوب البلد.

شملت الشحنة الأرز، الدقيق، الخضروات المعلبة، السمك، والهدف كان إيصال الطعام مباشرةً إلى قطاع غزة، بعد تحذيرات من الأمم المتحدة بأن المنطقة على شفا المجاعة، وهي أكبر شحنة من نوعها وأول شحنة تأتي بحراً.

مغادرة السفينة كانت نتيجة لأشهر من المحادثات السياسية وأسابيع من التخطيط العملي. بدأت قبرص الخطة وأعلنت عنها الأسبوع الماضي بالشراكة مع الإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة. وتنص الخطة على أن يتحقق المسؤولون القبارصة من البضائع، بينما تشرف إسرائيل على وصول الشحنة مباشرة إلى غزة.

ردود مرحبة

وصفت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين السفينة بأنها “علامة أمل”، بينما قال الرئيس القبرصي نيكوس كريستودوليدس إن “رحلة الأمل والإنسانية” قد بدأت.

وفي فيديو تم تصويره على عجل لسفينة “الأذرع المفتوحة” وهي تغادر، وصف عامل الإغاثة خوان كاميلو العملية بـ “المهمة التاريخية”.

“نأمل أن تكون هذه السفينة الأولى من بين العديد من السفن المتجهة إلى غزة، وأن تكون مثل طريق سريع من السفن،” يقول كاميلو، الذي ساعد في إعداد وإطلاق الشحنة مع “المطبخ المركزي العالمي للأعمال الخيرية”، في فيديو عبر الإنترنت.

لكن جعل ذلك الطريق السريع حقيقة لن يكون سهلاً بسبب صعوبات عديدة. ففريق هذه المنظمة في الأراضي الفلسطينية كان مشغولاً ببناء رصيف مؤقت لتلقي وتنزيل المساعدات في موقع لم يتم الإعلان عنه قبالة ساحل غزة. وبشكل منفصل، تخطط الولايات المتحدة لبناء رصيف مؤقت ضخم لتسريع عمليات التسليم البحري خلال الأسابيع القادمة.

الحاجة لأكثر من سفينة

يراقب طاقم المراقبة البحرية القبرصي شاشاتهم عن كثب في مركز التنسيق المشترك للإنقاذ، الذي يقع على مسافة قيادة تستغرق 20 دقيقة من ميناء لارنكا. قبرص هي أقرب نقطة في الاتحاد الأوروبي إلى غزة، لكن مع ذلك فالمسافة بينها وبين غزة تصل إلى 400 كيلومتر.

عادة ما يُستخدم المركز لتنسيق مهام البحث عن قوارب المهاجرين، والطاقم هنا مجهز جيدًا للتعامل مع أي موقف. كما سبق وأن ساعدوا في تنظيم عمليات إجلاء الدبلوماسيين ومواطني الاتحاد الأوروبي من السودان في عام 2023. الآن، مهمتهم الرئيسية هي مراقبة الممر البحري والبقاء في حالة تأهب لنشر المروحيات أو سفن الإنقاذ في منطقة بحرية شاسعة، تغطي المسافة الفاصلة بين قبرص وغزة باستثناء آخر 30 ميلًا بحريًا من الرحلة.

في الوقت الحالي، جميع الأنظار متجهة نحو سفينة “الأذرع المفتوحة”، ولا توجد مؤشرات على موعد إبحار السفينة الثانية أو الثالثة أو الرابعة. “بالطبع، هناك خطط لذلك. هناك المزيد من المساعدات في قبرص”، هذا ما قاله ثيودوروس غوتسيس، المتحدث باسم وزارة الخارجية القبرصية، لـ DW في المركز.

“لكن يجب أن نكون حذرين. علينا أن نمتلك الصبر الذي تتطلبه هذه الحالة حاليًا، وأن نكون متأكدين من أن كل شيء سيسير على ما يرام مع مسار رحلة هذه السفينة”، يضيف غوتسيس.

أكثر أمانا من إسقاط المساعدات جوا

هذا الممر المنظم بعناية، لا يعتبر الطريقة الأسهل لحصول سكان غزة على الغذاء، ولكن إسقاط المساعدات الجوية، الذي تقوم عدة دول، بما في ذلك الولايات المتحدة والأردن وبلجيكا ومؤخراً ألمانيا، ليس سهلا أيضا، وذلك بسبب الخطر الكبير على حياة المدنيين، وقد أكدت تقارير وقوع قتلى وجرحى خلال محاولة السكان تلقّي المساعدات القادمة جوًا.

منذ الهجمات الإرهابية لحركة حماس في 7 أكتوبر/ تشرين الأول وما تلاها من القصف الإسرائيلي على غزة، كان الوصول إلى الطرق البرية التقليدية لدخول المساعدات صعبًا. وفقًا للمفوضية الأوروبية، كان يدخل غزة حوالي 500 شاحنة من الإمدادات يوميًا قبل الحرب. الآن، العدد حوالي 100 فقط، وقد زادت الحاجة للمساعدات بشكل كبير مع استمرار الصراع.

تقول إسرائيل أنها ملتزمة بإيصال الإمدادات إلى المدنيين في غزة. ورحبت الحكومة الإسرائيلية بالممر البحري الجديد، وقالت في بيان إنها “ستستمر في تيسير نقل المساعدات الإنسانية إلى سكان قطاع غزة وفقًا لقوانين الحرب”، مضيفة: “سنستمر في القتال ضد حماس … حتى القضاء عليها وعودة جميع الرهائن”، وفق البيان. ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، يصنفها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.

قلق أوروبي وأممي

لكن إسرائيل متهمة أيضًا بمنع وصول المساعدات الحيوية إلى سكان غزة. في يناير/كانون الثاني 2024، أمرت محكمة العدل الدولية إسرائيل بالقيام بالمزيد لضمان وصول الدعم الإنساني إلى القطاع.

“السلطات الإسرائيلية أخفقت في ضمان وصول السلع والخدمات الضرورية لإنقاذ الحياة إلى سكان معرضين لخطر الإبادة الجماعية ويعيشون على شفا المجاعة”، تقول منظمة العفو الدولية في بيان في شهر فبراير/الماضي.

الاتحاد الأوروبي أعرب أيضًا عن إحباطه. جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي قال في بيان: “نحن ندين القيود التي فرضتها إسرائيل على دخول المساعدات الإنسانية وعلى فتح نقاط العبور”. وأضاف: “نحث إسرائيل على التعاون بشكل كامل مع وكالات الأمم المتحدة والفاعلين الإنسانيين الآخرين المشاركين في الاستجابة الإنسانية والسماح بالدخول الإنساني الحر وغير المقيّد والآمن من خلال جميع نقاط العبور”.

مسؤولو الأمم المتحدة من جانبهم يحذرون من أن الطرق البحرية لا يمكن أن تكون بديلاً عن زيادة الوصول الإنساني براً. وقالت سيغريد كاغ، منسقة الأمم المتحدة الأولى للشؤون الإنسانية وإعادة الإعمار لغزة، للصحفيين يوم الخميس: “أود أن أشيد بحكومة قبرص على بصيرتها وتخطيطها الشامل والطريقة التي بنت بها ائتلافًا من الدول”. وأضافت: “لكن مرة أخرى، الجو أو البحر ليس بديلاً عما نحتاج لرؤيته يصل عن طريق البر”، مستطردة عن هذا الطريق “إنه أسهل وأسرع، وأرخص، خاصة إذا علمنا أننا بحاجة للحفاظ على المساعدة الإنسانية لسكان غزة لفترة طويلة”.

وتحذّر الأمم المتحدة من أن 2,2 مليون شخص من سكّان القطاع البالغ عددهم 2,4 مليون، مهدّدون بالمجاعة. وقد نزح 1,7 مليون من السكان بسبب الحرب، ويتكدّس 1,5 مليون منهم في مدينة رفح في أقصى الجنوب قرب الحدود المغلقة مع مصر، وتضغط الأمم المتحدة لاستخدام طريق بين إسرائيل وغزة.

المصدر: وكالات