«قمة مصغرة» بين مالي وغينيا وبوركينا فاسو… هل هو معسكر جديد يتشكل؟

يعقد وزراء خارجية بوركينا فاسو ومالي وغينيا، اليوم (الخميس)، ما سمّوه «قمة مصغرة» في مدينة واغادوغو، عاصمة بوركينا فاسو، تهدف إلى تنسيق المواقف وتوحيدها، وتشكيل كتلة ضغط لمواجهة العزلة والعقوبات، بسبب انقلابات عسكرية شهدتها الدول الثلاث خلال العامين الأخيرين، وتحديات أمنية متصاعدة في منطقة الساحل بسبب «القاعدة» و«داعش»، وصراع دولي محتدم في المنطقة.
وزارة خارجية بوركينا فاسو وصفت الاجتماع بأنه «لقاء ثلاثي الأطراف، يستجيب لتطلعات وإرادة السلطات العليا في الدول الثلاث التي تعيش مرحلة انتقالية، من أجل تعزيز التعاون، وتقوية روابط الصداقة»، فيما قال وزير خارجية مالي عبدولاي ديوب قبيل الدخول في الاجتماع إن بوركينا فاسو «تواجه نفس التحديات التي تواجه مالي، وأنا هنا لأقول باسم العقيد آسيمي غويتا، رئيس مالي وقائد المرحلة الانتقالية، إننا في نفس السفينة ويجب علينا أن نبحر فيها معًا».
ولكن هذه «القمة المصغرة» تأتي بعد أيام من طرح بوركينا فاسو فكرة إقامة اتحاد فيدرالي مع مالي، وبالتالي أثير النقاش حول إمكانية أن تقيم الدول الثلاث الواقعة في غرب القارة الأفريقية، تحالفًا جديدًا بديلا للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس).
وفي هذا السياق قال محمد الأمين ولد الداه، الباحث الموريتاني المتابع للشأن الأفريقي، إن الصفات المشتركة بين مالي وبوركينا فاسو وغينيا «كثيرة جدًا»، وأضاف في حديث مع «الشرق الأوسط» أن أهم ما يجمعها هو «كونها تحت حكم أنظمة عسكرية وصلت بانقلاب، وكونها معادية لفرنسا، كما تجمع بينها العزلة في المجال الأفريقي».
وأوضح ولد الداه أن هذه الدول الثلاث «بدأت تعمل منذ فترة على تشكيل ائتلاف مضاد للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) ومناهضٍ للاتحاد الأفريقي، وبالطبع يكون أيضًا معاديًا لفرنسا التي طردها الماليون، والآن تستعد للخروج من بوركينا فاسو».
ولكن ولد الداه لا يعتقدُ أن «التحالف» بين الدول الثلاث يمكن أن يطول أو أن يكون له تأثير كبير، ويضيف أن «هذه الدول هشة وتعاني مشاكل داخلية كثيرة، وتعيش تحديات أمنية كبيرة جدًا، وصراعات عرقية واجتماعية معقدة، وحكوماتها عاجزة عن أن تبسط نفوذها على كامل أراضيها، إذاً هي دول مهددة في وجودها ومحاولتها تشكيل اتحاد أو ائتلاف لن يكون له مستقبل».
وشدد ولد الداه على أن «أقصى ما يمكن أن تصل إليه مالي وبوركينا فاسو وغينيا، هو تنسيق على مستوى وزراء الخارجية، سيبقى في النهاية مجرد تنسيق أمني لمواجهة العنف والتطرف، وربما تنسيق سياسي لمواجهة الضغوط الخارجية، وخاصة تلك التي تمارسها عليهم مجموعة (إيكواس)».
وخلص ولد الداه إلى القول إن العزلة في المجال الأفريقي، هي التي أرغمت هذه الدول الثلاث على التنسيق، وبالتالي فهي تحاول بذلك «فك العزلة السياسية المفروضة عليها»، وفق تعبيره.
من جهة أخرى، يعتقد إسماعيل الشيخ سيديا، وهو خبير في الشأن الأفريقي، أن تحرك هذه الدول مخطط له بعناية، وربما تكون له أبعاد دولية أكبر مما هو واضح حتى الآن، وينطلق في ذلك من البعد الاقتصادي، مشيرًا إلى أن مالي وبوركينا فاسو دولتان حبيستان، أي إنهما لا تملكان أي إطلالة على المحيط، وبالتالي تحركهما نحو غينيا يضمن لهما الاستغناء عن موانئ كوت ديفوار وبنين والتوغو وغانا والسنغال، وهي دول أعضاء في مجموعة (إيكواس)، وبالتالي فإن غينيا هي بوابة الخروج من العزلة «خاصة أن غينيا هي أيضًا، متمردة على إيكواس»، وفق تعبيره.
وأوضح ولد الشيخ سيديا: «الدول الثلاث تتهم إيكواس بأنها مأمورة من فرنسا، خاصة دولها الكبيرة والنشطة؛ على غرار كوت ديفوار والنيجر والسنغال، والضباط الذين يحكمون بوركينا فاسو لديهم رغبة واضحة في أن يستفيدوا من تجربة أقرانهم في مالي، خاصة ما يتعلق بالعلاقة مع روسيا والخروج من دائرة نفوذ فرنسا».
ولكن ولد الشيخ سيديا يعتقد أن ما تسعى إليه هذه الدول هو «تشكيل تكتل اقتصادي وسياسي، وقد يكون تكتلًا أمنيًا في الوقت نفسه، خاصة أنها دول تعيش وضعية ما بعد انقلابات عسكرية قادها ضباط شباب، وتعيش أيضًا جذوة تيار وطني، وهي التي سبق أن عرفت في حقبة من التاريخ صعود تيار ممانع لفرنسا، وصديق لروسيا (الاتحاد السوفياتي سابقًا)».
ولا يستبعد الخبير في الشأن الأفريقي أن يكون لروسيا دور في تشكيل هذا التكتل الجديد، وقال: «حين نحاول قراءة الخلفيات، يمكن أن تكون هنالك محاولة من روسيا لخلق تكتل اقتصادي فيه 60 مليون نسمة، فروسيا في النهاية لا بد لها من مبرر للبقاء في المنطقة، أكثر من طرد فرنسا، وبالتالي هي تحتاج إلى سوق كبير لأسلحتها وبضائعها، في منطقة غنية بالذهب، لذا لا أستغرب دورا لروسيا وأن تكون هنالك صلة خفية بين تزامن تنسيق الدول الثلاث، وتحرك وزير الخارجية الروسي في المنطقة».

المصدر: الشرق الأوسط