أزمة لبنان الإقتصادية وتأثيرها على سوق العقارات

منذ عامين، يبحث خالد راجحة مع خطيبته عن منزل لاستئجاره في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد أن أجّلا ارتباطهما لسنتين بسبب الأزمة المعيشية التي حرمتهما من تأمين منزل الزوجية.

وقال راجحة في حوار أجرته معه وكالة أنباء العالم العربي “نبحث عن منزل قريب من عملنا، كوننا لا نملك سيارة خاصة، ونريد مواصلات عبر الحافلات الصغيرة (12 راكبا)؛ فالرّاكب في الأجرة يكلّف 200 ألف ليرة، في حين ركوب الحافلة يكلف 75 ألف ليرة”.

أضاف “لا نستطيع شراء منزل؛ فالمصارف لم تعد تقدّم قروضا للسكن ولا نملك القدرة على دفع 100 ألف دولار سعر منزل مساحته 150 مترا مربعا”.

وتابع “خيارنا البحث عن بيت للإيجار؛ وأقلّ ما وجدناه ليكون مناسبا لتأسيس عائلة قيمته 400 دولار شهريا يضاف إليها تأمين المياه ومولد الكهرباء الخاص وفاتورة كهرباء الدولة وخدمات البناء. نصل إلى حدود 600 دولار”.

ويشير راجحة إلى أن خطيبته تبحث عن عمل بعد أن صُرفت من شركتها، بينما هو راتبه 400 دولار فقط.

* مالك ومستأجر

من جانبه، يرى محمد الداعوق (35 عاما) أنه لولا مساعدة عائلته الموجودة في الخارج لما استطاع استئجار منزل في بيروت.

تحدّث الداعوق لوكالة أنباء العالم العربي قائلا إن “شراء المنزل صار حلما لدى معظم الشباب اللبناني؛ ونتيجة لانخفاض قيمة الرواتب، يكون خيارهم الاستئجار. والذين عادوا خلال السنة الحالية لرفع الكلفة وطلب تسديدها بالدولار، في حين كانت خلال السنتين الماضيتين يمكن تأمينها بالليرة اللبنانية”.

أضاف “قبل الأزمة، كان إيجار المنزل يمكن دفعه بالدولار أو الليرة اللبنانية؛ ولكن بعد سنة 2019 أدخلونا في أزمة اقتصادية اضطر المالك لأن يقبل بالحصول على الإيجار بالليرة فقط أو يخفّض من قيمة الإيجار إذا تم دفعها بالدولار”.

وتابع “لكن بعد اتجاه الدولة إلى السماح بتحصيل الفواتير من كهرباء وماء ومواد غذائية بالدولار، عادت أسعار البيوت إلى الارتفاع تماشيا معها”.

بدورها، قالت سهى عودة، صاحبة بناء في منطقة الطيونة (بيروت)، لوكالة أنباء العالم العربي إنّ “المستأجر لديه الحق في أن يعبّر عن ألمه؛ لكن ما ذنب المالك أن يبقي سعر المنزل منخفضا، في حين ترتفع كل الأسعار في الدولة”.

أضافت “في السابق، كنّا نستطيع ضمان أن المستأجر سيدفع لنا بشكل شهري؛ أما منذ أربع سنوات، فكلّ مواطن أصبح مهددا بخسارة عمله ليفقد قدرته على دفع الإيجار. فنحن معا في مشكلة وليسوا وحدهم”.

ومنذ عام 2019 يمر لبنان بأزمة اقتصادية خانقة صنفها البنك الدولي من بين الأسوأ عالميا منذ عام 1850 وأدت إلى توقف قدرة المواطن على سحب أمواله من المصارف.

* أزمة سكن

وأوضح وليد موسى، رئيس نقابة الوسطاء والاستشاريين العقاريين، لوكالة أنباء العالم العربي أنّ قطاع العقارات يتأثّر بشكل مباشر بالأحداث الداخليّة والخارجيّة.

وقال موسى “بعد أربع سنوات من الأزمة الاقتصادية، يُعاني المواطن من عدم قدرته على استئجار مسكن، خاصة أنّ الإيجارات في بيروت ارتفعت أسعارها، فهي قد تكون بحالة انخفاض 50% عمّا قبل 2019 ولكن نتيجة تسعيرها بالدولار فهناك صعوبة بتلبيتها”.

وأشار إلى أنه بالنسبة لشراء المسكن “فالمواطن لا يستطيع الشراء دون وجود قروض سكنيّة لعدم قدرته على الدفع النقدي. فقط الميسورون والمغتربون يمكنهم شراء المنازل، ولكن هذه الحركة الخفيفة لا يمكن تسميتها سوقا عقاريا طبيعيا”.

وتابع “بعدم وجود القروض المصرفية في المناطق التي يملك سكانها قدرة شرائية عالية تكون الحركة أعلى من المناطق التي ترتكز على الطبقة الاجتماعية العاملة، فهناك صعوبة في العمليات العقارية… ارتفاع أسعار العقارات لا يعني أن هناك عمليات مكثفة؛ مالكو العقارات من المقتدرين لا يريدون البيع بأسعار منخفضة”.

* القروض السكنية

وأعلنت إدارة مصرف الإسكان عن (القرض العربي) من الصندوق العربي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الذي تبلغ قيمته 165 مليون دولار.

وسيحصل المواطن على القرض ويسدده على مدار خمس سنوات، لذوي الدخل المحدود بقيمة 40 ألف دولار وذوي الدخل المتوسط بقيمة 50 ألف دولار، على أن يكون المطلوب من المشتري دفعة شهرية بين 300 و350 دولارا ولا يقل دخل العائلة عن 1200 دولار شهريا.

وقال موسى “لتحسين السوق العقارية، من الضروري إيجاد قروض سكنية من خلال إعادة تنظيم القطاع المصرفي. ومصرف الإسكان يؤمن 50 ألف دولار والمواطن عليه تأمين 50 ألف دولار أخرى إن كان سعر المنزل 100 ألف دولار؛ فربما يستفيد البعض منها، ولكن من يملك من اللبنانيين القدرة على تأمين هذا المبلغ”.

أضاف “لو فرضنا أن مدخراته (المواطن) 10 آلاف دولار، يكون (سعر الوحدة) مع قرض الإسكان 60 ألف دولار؛ والشقق بهذا السعر نادرة وفي الضواحي؛ فهذا القرض مهم ولكن المبالغ ما تزال ضئيلة”.

ويلفت موسى إلى أن “الاشتباكات في جنوب لبنان أثّرت في القطاع، خاصة في أكتوبر تشرين الأول ونوفمبر تشرين الثاني الماضيين بعدم الطلب على العقارات لفقدان الثقة بسبب تفضيلهم الانتظار لمعرفة أين تتجه الأمور الأمنيّة”.

وقال “بعد رأس السنة، ازدادت الحركة في السوق العقارية، رغم أنّ الناس في حالة خوف؛ لكن الذكي من يستطيع الشراء الآن، كون الأسعار مستقبلا سوف تعود للارتفاع”.

* البيئة السكنية

وبحسب نتالي الحايك، الباحثة في القضايا السكانية، فإن مشكلة قطاع السكن لا تشمل فقط القدرة على شراء المنزل أو استئجاره.

وقالت الحايك في حديث لوكالة أنباء العالم العربي إن “السكن يشمل أيضا تأمين البيئة المحيطة المناسبة، بأن يكون بالقرب من المنزل مدرسة ومستشفى ومحال تجارية، وسهولة الوصول إلى الطريق العام ومرور وسائل النقل”.

وأوضحت أنّ “العديد من السكان لا تتوفر لهم القدرة للوصول السريع لمكان وقوف سيارات الأجرة والحافلات التي تقلّهم مباشرة إلى عملهم، ما يدفعهم إلى الانتقال من مكان لآخر، وهو يُعدّ زيادة في تكاليف المواصلات”.

أضافت “مياه الشرب لها أولوية في تحديد مكان السكن؛ ففي منطقة عين الرمانة (جبل لبنان)، بعض الأبنية تصل إليها مياه من مصلحة مياه الدلبة، وهي غير صالحة للشرب، ما سيزيد من كلفة شراء المياه من الموزّعين؛ وقسم آخر تصل إليه من مياه بيروت، التي تكون مناسبة أكثر للشرب”.

وتشير إلى أنه “بعد انهيار عدد من الأبنية السكنية خلال العام الحالي والتحذير الدائم من خطورة حدوث زلزال واستعداد الأبنية لتحمله، أصبح هناك حذر من المشتري ليكون البناء ببنية تحتية متينة، وهنا تدخل القدرة على الشراء”.

وقالت “حين لا يملك المواطن التسهيلات من الدولة، أو نتيجة ضعف إمكاناته المالية، فمن الطبيعي أن يُصبح سعر المنزل أولوية أكثر من معايير السلامة”.

وتشير الباحثة اللبنانية إلى أن “البعض يفضّل شراء منزل خارج بيروت، حتى لو كان في مدينة طرابلس شمالا، على أن يستأجر داخل العاصمة بسبب تفاوت أسعار البيوت وكلفة المعيشة؛ فحين يكون إيجار راكب سيّارة أجرة في طرابلس 100 ألف ليرة، في بيروت يصل إلى 200 ألف ليرة”.

أضافت “أزمة السير لها تأثيرها؛ فحين يختار السكن خارج بيروت وعمله فيها، فهو يضطر إلى التأقلم مع ازدحام السير الخانق في ساعات الذروة صباحا مع وصول الموظفين إلى أعمالهم ومساء مع عودتهم منها”.

وتعد الحايك أن أساس المنزل هو الاستقرار “وهذا ما لا يشعر به المستأجر، كون المؤجّر نتيجة الأزمة الاقتصادية يريد رفع كلفة الإيجار الشهرية كل عام، حينها تصبح العائلات بحالة من التوتر لإمكانية فقدانها المسكن بسبب ضعف دخلها الشهري”.

وقالت “الأحياء الشعبيّة تدفع الثمن الأكبر في إهمالها، والتي بدأت في السماح ببناء المساكن العشوائية من دون رخص من البلدية، خاصة في فترة الحرب الأهلية (1975-1990)، لتبدأ تداعياتها بتصدع المباني وضعف الأساسات والمشكلات العقارية”.

أضافت “غياب الدولة عن ضبط أسعار سوق العقارات، يجعل أصحاب الشقق والأبنية هم من يحددون الأسعار دون وجود حماية للمستأجر؛ فما يحتاجه القطاع هو قانون عادل يحمي المالك والمستأجر والمشتري”.

المصدر: وكالات