إسرائيل: بعد إبطال بند بقانون “الإصلاح القضائي”… هل يمكن عزل نتانياهو ومحاسبته بشأن هجوم حماس؟

وجّهت المحكمة العليا الإسرائيلية ضربة موجعة لحكومة بنيامين نتانياهو في وقت تستمر الحرب في غزة مع قرارها إبطال بند رئيسي في قانون الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي تروّج له حكومته. وبذلك، تم إفراغ هذا المشروع، الذي دفع بملايين الإسرائيليين إلى النزول إلى الشوارع، من جوهره.

ففي 1 يناير/كانون الثاني، قرر خمسة عشر قاضيا بأغلبية ضئيلة (ثمانية مقابل سبعة) إبطال بند أساسي تم التصويت لصالحه في يوليو/تموز المنصرم، وكان يحرم الإسرائيليين من الحق في إلغاء قرارات الحكومة أو البرلمان (الكنيست)، وبرر القضاة حكمهم بداعي أن مشروع القانون هذا لم يكن معقولا.

لاحقا وبعد يومين، تم اتخاذ قرار آخر بستة أصوات مقابل خمسة يقضي بتأجيل سريان قانون يقيّد عزل رئيس الوزراء الحالي، والذي تم اعتماده في مارس/آذار الماضي، إلى تاريخ لاحق. ويدخل هذا التعديل على القانون الأساسي للحكومة حيز التنفيذ مطلع الدورة المقبلة للكنيست، أي عقب الانتخابات القادمة. يزيد هذا الوضع الطين بلة بالنسبة لحكومة نتانياهو الذي يشهد حزبه انهيارا في استطلاعات الرأي منذ هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول واندلاع الحرب مع حماس في غزة. فلو تمت دعوة الإسرائيليين إلى صناديق الاقتراع اليوم، لن يحصل حزب الليكود سوى على نصف عدد المقاعد التي يشغلها حاليا (17 مقابل 32).

ويتّهم معارضون نتانياهو الذي يحاكم بقضايا فساد -ينفي ضلوعه فيها- بالسعي عبر تلك التعديلات إلى تفادي صدور إدانات قضائية بحقه.

ما هي تداعيات الإصلاح القضائي لو لم تقض المحكمة العليا الإسرائيلية ببطلانه؟

أمير فوكس: لقد تم إعداد كافة أجزاء الإصلاح لمنح الأغلبية في الكنيست، الذي تسيطر عليه الحكومة، سلطات مطلقة. ففي إسرائيل، نحن لا نملك دستورا رسميا، بل لدينا قوانين أساسية تم إصدارها على مر السنين وتعتمدها المحكمة العليا. هي بمثابة المعيار الأعلى، وما يشبه الدستور. في حال تعارض قانون معين مع تلك القوانين الأساسية، يمكن للقضاة القول بعدم دستوريته وإلغائه. حدث هذا حوالي 20 مرة خلال 30 عاما. كما لا يوجد لدينا فصل حقيقي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. أما بالنسبة إلى النظام البرلماني، فهو يقضي بأن يكون لدى الحكومة ائتلاف، وأغلبية في الكنيست بشكل دائم. ولا يوجد سوى غرفة واحدة بالبرلمان. مثلا، لو كان هناك أغلبية بـ61 نائبا، يمكن لها من ثمة أن تفعل ما تشاء. حيث إن الرادع الوحيد أو ميزان القوى، هو وجود محكمة عليا قوية ومستقلة. لكن مع الإصلاح القضائي، كان يمكن للائتلاف أن يقوم بتعيين القضاة الذين يريدهم، وحتى كافة القضاة الآخرين مثل النائب العام. فهو رئيس النيابة العامة وهو يتعامل في نفس الوقت مع رئيس الوزراء المتهم. كان إذن باستطاعته تنحيته [النائب العام] واختيار شخص آخر يناسبه بشكل أكبر. بالتالي، قررت المحكمة أن سلطة سن القانون الأساسي ستكون في تلك الحالة [مع إقرار الإصلاح القضائي] محدودة. لقد عدنا اليوم إلى وضع باتت فيه الحكومة تخضع للتدقيق تحت بند “حجة المعقولية”.

بالنسبة لنتانياهو… ما الذي يعنيه تأجيل سريان القانون المقيّد لعزل رئيس الوزراء، مع إشارة القاضي إلى أن طبيعته كانت “شخصية بشكل واضح”؟

كان لدينا منذ عشرات السنين قانون غامض للغاية ينص على أنه في حال كان رئيس الوزراء عاجزا، ينبغي وضع شخص مكانه. لكنه لم يحدد دواعي هذا العجز. هل يتعلق الأمر فقط بالمسائل الطبية؟ وما هو الإجراء المتبع في تلك الحالة؟ لم يتم توضيح كل ذلك في القانون. قررت الحكومة تعديل قانون العجز لسحب هذه السلطة من النائب العام. بالتالي، بات بوسع رئيس الوزراء نفسه أن يعلن عن عجزه أو من قبل ثلاثة أرباع أعضاء الحكومة. لقد تم وضع كافة أنواع الإجراءات لضمان عدم حدوث ذلك أبدا. كانت الفكرة هي أخذ حالة نتانياهو في الحسبان. وبمجرد تبنيه، أعلن الأخير أن يديه لم تعدا مقيدتين. تم تأجيل القانون إلى دورة الكنيست المقبلة: وحتى موعد الانتخابات القادمة لن يكون قانون العجز ساريا. كانت هذه المسألة تسبب لنتانياهو حالة من الذعر.

عزل بنيامين نتانياهو… أمر ممكن؟

لو توفرت أغلبية 61 نائبا، سيكفي التصويت على سحب الثقة وتشكيل حكومة جديدة. ليس هناك حاجة لأن يكون رئيس الوزراء متهما. وحالة العجز لا تعني بالضرورة العزل. إنه ليس مثل “سحب الثقة impeachment” في الولايات المتحدة. من ثمة، لسنا في حاجة إلى أن يكون متهما، وهو ما يتم دائما بشكل سياسي بالأغلبية في البرلمان. وهذا لن يحدث. نحن في زمن حرب، لا أحد سيرغب في القيام بذلك الآن. كما أن لا أحد سيلجأ إليها [سحب الثقة] بتاتا لأنهم ليسوا قادرين على الاتفاق على حكومة جديدة. ما يحدث دوما في إسرائيل حينما تفقد حكومة ما دعمها السياسي، هو الإعلان عن انتخابات جديدة. للقيام بذلك، ينبغي جمع تأييد 61 عضوا في الكنيست. ستوافق المعارضة بأكملها. حيث تظهر استطلاعات الرأي أن كثيرا من الأشخاص الذين صوتوا لصالح الائتلاف باتوا يعارضونه الآن بشكل كامل. لا أعرف متى ستضع الحرب أوزارها، لكن الأكيد أنه سيتم الإعلان عن تنظيم انتخابات.

هل تجب محاسبة نتانياهو على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول؟

لو تم تغيير الحكومة، فستكون هناك لجنة تحقيق مستقلة تعينها المحكمة العليا. هو تقليد إسرائيلي يلي عادة وقوع الكوارث أو بعد الإخفاقات الكبيرة مثل ما حدث عام 1973 أو صبرا وشاتيلا [1982] في لبنان. ستطرح [لجنة التحقيق] على نتانياهو أسئلة صعبة، ستصدر حكما رسميا باعتباره مذنبا بالإهمال وبأنه لا يمكنه العودة إلى منصبه. سبق أن قالت لجنة سابقة إن أرييل شارون لا يمكن أن يكون وزيرا للدفاع، ومن ثمة تم عزله من منصبه.

في حال أدين نتانياهو في المحاكمات المختلفة التي يلاحق فيها، هل بإمكانه البقاء في السلطة؟

بموجب القوانين الأساسية، فإنه بمجرد أن تصبح الإدانة نهائية، يجب عليه [نتانياهو] الاستقالة. لكن سيستغرق إصدار الأحكام القضائية عاما، يعقبه عام آخر على الأقل للاستئناف. ستأخذ كل هذه الإجراءات مدة طويلة من الزمن. ربما سيعقد نتانياهو بعد الحرب صفقة من نوع ما: مثل أن يتنحى، وأن يتوقف عن الترشح للانتخابات في مقابل إسقاط بعض التهم عنه. هو لن يذهب إلى السجن فقط بل لن تتم إدانته أيضا بارتكاب جرائم خطيرة موجودة في ملفه. إذا أدرك أنه لا يمكن إعادة انتخابه، قد يختار أن يسلك هذا الطريق. وأنا تقريبا على يقين بأن المدعي العام سيرغب في التوصل إلى مثل هذه الصفقة وتفادي المضي في المحاكمة. مرة أخرى، يتعلق الأمر بسيناريو متفائل. لست متأكدا من أن هذا ما سيقع. فمنذ سنوات، كان كثير من الأشخاص على قناعة بأن هذا ما سيحدث حينما تم توجيه الاتهام إليه. إلا أنه [نتانياهو] اختار المواجهة والترشح للانتخابات مرارا وتكرارا. لم يستسلم أبدا. ربما سيكون لديه يوما ما مستشارون جيدون سيخبرونه بأن وقت التنحي قد حان، وبأنه بالكاد يتمتع بشعبية، وأنه لن يتم انتخابه. سينتهز حينها الفرصة لإغلاق كافة القضايا الجنائية التي يلاحق فيها.

المصدر: فرانس 24